إنهيار الديمقراطيات الحديثة ينذر بالفوضى العارمة

إنهيار الديمقراطيات الحديثة ينذر بالفوضى العارمة

اسس رسول الله منذ اكثر من اربعة عشر قرنا نظاما ديمقراطيا يعتمد على الشعب من خلال نوابه. قال للمهاجرين والانصار والقبائل المختلفة اختاروا نواب لكم يرفعون حاجاتكم الينا. ثم عقد مع اليهود والنصارى والمشركين من اهل المدينة دستور وعقد اجتماعي سمي بصحيفة المدينة يعامل سكانها كمواطنين سواسية كاسنان المشط في الحقوق والواجبات.
ارسى رسول الله ديمقراطية شوروية ملتزمة بمكارم الاخلاق. نظام غير فوضوي تتوقف حرية الشخص عندما تهدد مصالح الجماعة ويعتدى على قيمها واخلاقها. ديمقراطية يجب ان يلتزم نوابها بمحاربة المنكر والفحشاء والغدر والخيانة والكسل والجهل ويعملوا لاشاعة الصدق والعدل والمساواة والتسامح ويجاهدون لنيل الحرية والاستقلال. هؤلاء الملتزمين بمبادئ تحصن الوطن والمواطن وكلهم رسول الله لتمثيل اقوامهم فقال فيهم لن تجتمع امتي على ضلال.
من الصحيح ان اسس الديمقراطية التي تبناها رسول الله منبثقة من القران الكريم “وامرهم شورى بينهم”. هذا يعني ان الله منح الحرية للانسان من اختيار نظام حكمه وفق المبادئ التي حددها ولم يشا ان يسمح لاحد التحدث باسمه ما عدا الانبياء. اي لا يحق لاحد مهما اوتي من علم ان يدعي بتفويض الله اليه فيحكم عليهم باسم الله. لقد قال رسول الله عندما بعث معاذ حاكما الى اليمن كيف ستحكم بين الناس قال باجتهادي فسر رسول الله بذلك.
الديمقراطيات الحديثة التي نعايشها اليوم والتي تدعي بانها حكم الشعب ليست كذلك. انما حكم نخب واحزاب وشركات ولوبيات اقتصادية غفلت الطبقات الفقيرة والمتوسطة باقناعهم الدخول في نظام اليات الانتخابات. لقد منحوا نظريا حرية الترشيح في حين يعلم القاصي والداني بان اي مرشح لا يكتب له النجاح ان كان فقيرا او مستقلا مهما اوتي من العلم والمعرفة. ان اي مرشح لا يهمه سوى الفوز ومستعد ان يساند المطالب الظالمة او غير الاخلاقية طالما تجلب له بعض الاصوات.
من المعلوم ان الانظمة الشرقية في الصين وروسيا شمولية تعتمد اما على الحزب الواحد او على الزعيم الواحد. اما الديمقراطيات الغربيةً فلا يزال هامش الحرية الفكرية مصان لبعض الطبقات وبعض العقائد. ففي امريكا التي تتفاخر بديمقراطيتها كانت على شفير الانهيار عندما فاز ترامب العنصري. لم تتمكن الاليات الديمقراطية والكونجرس من عزله طيلة فترة توليه الرئاسة. لم تتمكن الديمقراطية الفرنسية من محاسبة عنصرية الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. لم تتمكن ايضا من محاسبة الرئيس الحالي الذي شوه سمعة دين ملايين المواطنين الفرنسيين المسلمين.
انها ديمقراطية منتخبة لتنفيذ رغبات الاثرياء ويمكن ان تنحرف اتجاهاتها بمجرد تفاقم ازمة اقتصادية او فكرية فلاجل ربح انتخابات العدو يصبح صديق والعنصري يصبح مواطن صالح. لاجل مصلحة شخصية يمكن التساهل مع الجرائم العنصرية ضد السود او المسلمين. هذه الديمقراطية اضحت سيفا مسلطا على المسلمين في الغرب. الذين لا يدافع عنهم احد ولا عمق استراتيجي او دولي لهم بعد تخلي الدول العربية والاسلامية من نصرتهم.
يطالب المسلمون في الغرب اليوم بتطبيق حقيقي للديمقراطية ويريدون ان تتعامل معهم السلطات الرسمية كمواطنين مثل غيرهم عليهم واجبات التزموا بتاديتها ولهم حقوق ينبغي اعطائها لهم. يريدون ان تكون الديمقراطية عادلة معهم مثل بقية مكونات المجتمع. ان مكارم اخلاق المسلمين في الصدق والامانة والوفاء والاخلاص والعلم والعمل والتسامح والعفة لا تهدد الديمقراطية باي حال من الاحوال.
لم يفرض المسلمون افكارهم او دينهم على احد وفق الاية القرانية “لا اكراه في الدين”. المسلمون اذن يهدفون الى ان لا تفرق الديمقراطية بين علماني وملحد ويهودي ومسيحي ومسلم فالكل سواسية امام القانون. الخوف كل الخوف اليوم من الفوضى العارمة اذا ما سقطت هذه الديمقراطيات التي همشت المسلمين والفقراء. لقد ان الاوان لتسريع طرح البديل الديمقراطي العادل. ذلك البديل المغيب الذي ينادي بالعدالة الاجتماعية ويعطي لكل ذي حق حقه.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here