الفلسفة المعادلاتية والثقافة والهوية

الفلسفة المعادلاتية والثقافة والهوية

حسن عجمي

تُعرِّف الفلسفة المعادلاتية الثقافة على أنها معادلة رياضية مفادها أنَّ الثقافة = كل الهويات الممكنة ÷ الهويات المستحيلة بينما تُعرِّف الهوية على أنها معادلة رياضية مضمونها أنَّ الهوية = كل القرارات الإنسانوية الممكنة ÷ القرارات الإنسانوية المستحيلة. تنجح هاتان المعادلتان في التعبير عن المضامين الأساسية للثقافة والهوية ما يؤكِّد على صدقهما. فمعادلة الثقافة ناجحة في التعبير عن أنَّ الثقافة تتضمن بالضرورة العادات والتقاليد والمعارف والعلوم والفنون والقِيَم بينما معادلة الهوية فناجحة في ضمان السلام و التعبير عن تمايز هويات الأفراد رغم امتلاك جميع الأفراد لهوية واحدة ألا و هي الهوية الإنسانية.

بما أنَّ الثقافة = كل الهويات الممكنة ÷ الهويات المستحيلة ، إذن تتطوّر الثقافة حين يزداد وجود الهويات الفردية الممكنة المختلفة و المتنوّعة و تتطوّر (علماً بأنَّ الممكن يتضمن كل مختلف و متنوّع شرط أن يكون منسجماً ذاتياً) و يتناقص وجود الهويات الفردية المستحيلة أي المتناقضة ذاتياً (كتناقض معتقدات الفرد و تناقض سلوكياته). لكن زيادة نسبة وجود هويات متنوّعة و مختلفة للأفراد ليست سوى وجود التعدّدية و تحققها (بحيث تختلف هويات الأفراد باختلاف معتقداتهم وسلوكياتهم). من هنا ، بالنسبة إلى معادلة الثقافة ، تتطوّر الثقافة بتحقق التعدّدية في المجتمع. على هذا الأساس ، تنجح معادلة الثقافة في التعبير عن هذه الحقيقة الاجتماعية ألا و هي أنَّ أية ثقافة تتطوّر حين تتحقق التعدّدية و تزداد. و نجاح معادلة الثقافة دليل صدقها. و بما أنَّ الثقافة = كل الهويات الممكنة ÷ الهويات المستحيلة ، و لا توجد الهويات الممكنة المختلفة و المتنوّعة سوى بوجود حرية كاملة للأفراد تسمح لهم ببناء هويات مختلفة ما يؤدي إلى نشوء التعدّدية ، إذن معادلة الثقافة تتضمن أنَّ الثقافة لا تتحقق سوى بوجود حرية كاملة و تعدّدية شاملة. و في هذا فضيلة أساسية لمعادلة الثقافة ما يدلّ على مقبولية تحليل الثقافة على أنها تساوي كل الهويات الممكنة مقسومة رياضياً على الهويات المستحيلة.

إن كانت الثقافة = كل الهويات الممكنة ÷ الهويات المستحيلة ، و علماً بأنَّ هويات الأفراد الممكنة المختلفة لا تتحقق سوى على ضوء اختلاف الأفراد في أنظمتهم الفكرية والسلوكية فاختلافهم في التقاليد والعادات ، إذن الثقافة تتضمن بالضرورة العادات والتقاليد والأنظمة الفكرية والسلوكية. هكذا تنجح معادلة الثقافة في التعبير عن مفهومنا الكلاسيكي للثقافة ما يعزِّز صدق معادلة الثقافة و مقبوليتها. و بما أنَّ الثقافة = كل الهويات الممكنة ÷ الهويات المستحيلة ، و هوية الفرد الممكنة تتكوّن أيضاً من معارفه و علومه و مقدرته على ممارسة الفنون أو الاستمتاع بها ، إذن تتضمن الثقافة بالضرورة المعارف والعلوم والفنون تماماً كما يؤكِّد المفهوم الكلاسيكي السائد للثقافة. هكذا تنجح معادلة الثقافة أيضاً في التعبير عن المفهوم السائد للثقافة ما يشير إلى مصداقيتها.

أما الهوية فمعادلة رياضية أيضاً و مفادها أنَّ الهوية = كل القرارات الإنسانوية الممكنة ÷ القرارات الإنسانوية المستحيلة. لكن القرارات الإنسانوية الممكنة هي تلك القرارات التي نتخذها على ضوء القِيَم الإنسانية كقِيَم العدالة والمساواة والحرية واحترام حريات و حقوق الآخرين. من هنا ، معادلة الهوية تتضمن أنَّ هوية كل فرد كامنة في اتباع الفرد للقِيَم الإنسانية. وبذلك هوية الفرد كامنة في احترام حقوق الآخرين و حرياتهم و معاملتهم بعدالة و مساواة. فهويتي كما هوية أي فرد آخر ليست سوى احترامي لحريات و حقوق الآخرين و احترام الآخرين لحقوقي و حريتي ما يضمن السلام العالمي. هكذا معادلة الهوية معادلة سلام ما يدعم مقبوليتها.

إن كانت الهوية = كل القرارات الإنسانوية الممكنة ÷ القرارات الإنسانوية المستحيلة ، إذن هويتنا الحقيقية هي الهوية الإنسانية المُعرَّفة من خلال القرارات الإنسانوية الممكنة المعتمدة على القِيَم الإنسانية. بذلك تزول هوياتنا الأخرى المتصارعة و المؤدية إلى الفِتَن والصراعات والحروب كهوياتنا المذهبية والعِرقية. من هنا تضمن معادلة الهوية تحقيق السلام. فإن كانت الهوية الإنسانية هي الهوية الحقيقية و إن كنا نعتبرها كذلك ، و علماً بأنَّ الهوية الإنسانية مشتركة بين جميع البشر ، إذن بهذا تتحقق وحدة البشرية لا محالة ما يجنبنا الوقوع في الفِتَن والصراعات والحروب. هكذا هويتنا الإنسانية هي الضمانة الوحيدة لتحقيق السلام. و هذا ما تعبِّر عنه معادلة الهوية بقولها إنَّ الهوية = كل القرارات الإنسانوية الممكنة ÷ القرارات الإنسانوية المستحيلة ما يتضمن أنَّ هوياتنا جميعاً هي هوية واحدة ألا و هي الهوية الإنسانية المعتمدة في تشكّلها على قراراتنا الإنسانوية المشتركة فيما بيننا. هذه الهوية هي هوية أخلاقية بالضرورة لكونها هوية إنسانية متكوِّنة من اتباع القِيَم الإنسانوية المشتركة. هكذا معادلة الهوية معادلة أخلاقية بامتياز فبفضلها تتحقق وحدة البشر و يَسُود السلام.

الآن ، بما أنَّ الثقافة = كل الهويات الممكنة ÷ الهويات المستحيلة ، و الهوية = كل القرارات الإنسانوية الممكنة ÷ القرارات الإنسانوية المستحيلة وبذلك الهوية تتكوّن من القرارات الإنسانوية الممكنة الكامنة في المبادىء والقِيَم الإنسانية والأخلاقية ، إذن الثقافة تتضمن بالضرورة المبادىء والقِيَم الأخلاقية والإنسانوية. هكذا تنجح هاتان المعادلتان في التعبير عن أنَّ الثقافة قائمة على المبادىء والقِيَم الأخلاقية ما يعزِّز مصداقيتهما. فإن لم تكن الثقافة كل الهويات الممكنة و لم تكن الهوية كل القرارات الإنسانوية الممكنة المتكوِّنة على ضوء القِيَم الأخلاقية لاستحالت أن تكون الثقافة مبنية على أساس القرارات الإنسانوية المتضمنة بالضرورة للقِيَم الإنسانوية و الأخلاقية.

من جهة أخرى ، بما أنَّ الهوية = كل القرارات الإنسانوية الممكنة ÷ القرارات الإنسانوية المستحيلة ، إذن تزداد هويتي في التحقق والوجود كلما ازدادت قراراتي الإنسانوية الممكنة المنسجمة ذاتياً و تناقصت قراراتي الإنسانوية المتناقضة فالمستحيلة (كقرار قتل ذاتي من أجل إفادة الآخرين لتناقض هذا القرار مع القرار الإنسانوي الذي يُلزِم الفرد بالبقاء حياً). من هنا ، هويتي مسألة درجات قد يزداد وجودها و قد يتناقص اعتماداً على قراراتي الحُرّة بشأن اتخاذ قرارات إنسانوية ممكنة والعمل على ضوئها. هكذا هويتي من صياغتي فنحن مَن نصنع هوياتنا ما يضمن تحرّرنا من أية هوية ماضوية مفروضة علينا. كل هذا يرينا أنَّ معادلة الهوية تنجح في التعبير عن حرية الفرد في صياغة هويته و دوره الفعّال في بنائها تماماً كما تنجح في التعبير عن أنَّ الهوية مسألة درجات قد يتناقص حضورها أو يزداد. كل هذه النجاحات تشير إلى صدق معادلة الهوية.

تنجح معادلة الهوية أيضاً في التوحيد بين مذهبيْن فلسفيين أساسيين ألا و هما المذهب القائل بعدم وجود هوية شخصية والمذهب القائل بوجود هوية شخصية. فبما أنَّ ، بالنسبة إلى معادلة الهوية ، الهوية = كل القرارات الإنسانوية الممكنة ÷ القرارات الإنسانوية المستحيلة ، إذن هوياتنا كامنة في الهوية الإنسانية التي نكتسبها من خلال القرارات الإنسانوية المُتخَذة على ضوء القِيَم الأخلاقية والإنسانية. لكن كل البشر يمتلكون الهوية الإنسانية بسبب مقدرتهم على اتخاذ قرارات إنسانوية ما يتضمن أنَّ كل البشر يملكون هوية واحدة ألا و هي الهوية الإنسانية. بذلك لا توجد هوية شخصية تميِّز شخصاً عن آخر. لكن في الوقت عينه من الممكن للفرد أن يكتسب هوية إنسانية أكبر من فرد آخر حين يتخذ قرارات إنسانوية أكثر و يتصرّف على ضوئها بصورة أكبر عما اتخذ إنسان آخر وتصرّف. حينها تختلف هوية الشخص الأول عن الشخص الآخر لكونها أكثر إنسانية ما يؤكِّد على وجود هويات شخصية تميِّز بين الأفراد. من هنا توجد هوية شخصية من حيثية معيّنة و لا توجد من حيثية أخرى. هكذا تنجح معادلة الهوية في التعبير عن وجود الهوية الشخصية و عدم وجودها في آن فتوحِّد بين هذين المذهبيْن المتنافسيْن فتحلّ الخلاف بينهما ما يجعلها تكتسب هذه الفضيلة الكبرى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here