تغيرات كورونا.. 3 ملايين عراقي جديد تحت خط الفقر وحالات غريبة من العنف الأسري والطلاقات

بغداد/ حسين حاتم

فقد احمد حسن عمله الوحيد إثر الاغلاق العام الذي سببته جائحة كورونا. وقلب الفايروس موازين حسن رأسا على عقب، وعلى إثره جلس في المنزل لأشهر ما ادى الى سوء حالته المادية والنفسية. كما تسبب تردي واقع الحال لحسن بظهور خلافات مع زوجته وصلت لمرحلة الاعتداء الجسدي وانتهت حد الانفصال.

كان احمد حسن (اسم مستعار) وهو شاب ثلاثيني يعمل في احد المطاعم الشعبية، قد أجبر على ترك العمل بعد منع التجمعات وإغلاق المطاعم.

ويقول: “ما بين حظر شامل، وجزئي، وساعات عمل محددة، ومطعم نصف مغلق ونصف مفتوح فقدت عملي”. ويضيف لـ(المدى) “سبب لي غياب العمل عقدة نفسية كوني متزوجا منذ سنتين ولدي طفلة وانا امام مسؤولية كبيرة… اليوم احتاج الى عمل كي استطيع توفير لقمة عيش كريمة لعائلتي”.

خلافات انتهت بالانفصال!

بعد جلوس حسن في المنزل لمدة اكثر من ثلاثة أشهر وفشلهِ في العثور على عمل جديد يؤمن معيشته، بدأت الخلافات تدب بينه وبين زوجته، إذ كثرت احتياجات طفلتهما وعجز حسن عن توفيرها. ولم تكن خلافات بسيطة بل وصلت الى مرحلة العنف الجسدي، إذ اعتدى حسن اكثر من مرة على زوجته بالضرب، ما ادى بها الى هجره والعودة الى منزل والديها. وبعد عدة اسابيع حاول حسن إعادة زوجته لكنه فشل في ذلك نتيجة اصرارها، واصرار عائلتها على الرفض كما طلبت الطلاق. وتواصلت (المدى) مع والد نور (اسم مستعار) زوجة حسن الذي تحدث بنبرة غاضبة معبراً عن رفضه القاطع لعودة ابنته الى منزل زوجها. وقال إن “المرأة ليست أداة بيد الرجل متى ما شاء يتحكم بها، وانما هي انسان حر لها حقوق ووجبات كما هي حقوق وواجبات الرجل”، مشيرا الى أن “نور لم تقصر تجاه زوجها وطفلتهما، وكل ما طالبت به هو من ضمن حقوقها القانونية والشرعية التي يجب على كل زوج توفيرها لزوجته ومنزله”. والد نور شدد على انه “حتى لو توافرت فرصة عمل لزوج نور فليس بمقدوري اعادتها لمنزله، بسبب وحشيته التي افقدتني الثقة به”. حالة حسن ليست فريدة من نوعها، وبحسب منظمات نسوية فأن حالات العنف الأسري في العراق شهدت تصاعداً كبيراً خلال عام 2020، في ظل ثقافة ذكورية سائدة وغياب القوانين الرادعة، والواقع الذي فرضه انتشار كورونا من بطالة وفقر ومكوث داخل البيوت. وتقول أنسام سلمان، رئيسة منظمة إيسن لحقوق الانسان والتنمية المستدامة إن “من اسباب ازدياد حالات العنف الاسري هو تواجد الاسرة بالكامل لساعات طويلة في المنزل بسبب ما فرضته جائحة كورونا في الفترة الاخيرة، اضافة الى ضيق مساحة اكثر المنازل”. وتضيف لـ(المدى) إن “افراد العائلة كانوا يجتمعون ما يقارب 12 ساعة في المنزل، اما بعد تفشي فايروس كورونا في العراق وفرض الحظر واشتداد الازمة اصبح اجتماعهم على مدار 24 ساعة”. وبحسب سلمان، فإن الوضع الاقتصادي الذي مَر به ارباب الاسر الذين يعملون بأجر يومي، وعدم توفير اعانة لهم من قبل الحكومة وانعدام مفردات البطاقة التموينية كلها اسباب ادت الى اشتداد غضب رب الاسرة ولجوئه الى اسلوب القسوة والضرب في بعض الاحيان نتيجة التراكمات التي تندرج ضمن العنف الاسري.

حالات عنف وطلاق مضاعفة

وسجلت وزارة الداخلية 15 ألف حالة عنف منزلي في عام 2020، بحسب بيان اطلعت عليه (المدى) مؤخراً. وشككت ناشطات عراقيات في الأرقام وقلن ان الاعداد الحقيقية هي أكثر من المسجل بكثير. وقابل تزايد حالات العنف ارتفاع معدلات الطلاق، ففي أعلى حصيلة شهرية سجل العراق في شهر تشرين الثاني 2020، نحو 8245 حالة طلاق في 15 محافظة باستثناء إقليم كردستان وذلك بحسب وثيقة صادرة عن مجلس القضاء. ولم يقتصر العنف الاسري في ممارساته بتعنيف المرأة من قبل الرجل، وانما مورس من قبل نساء ايضا ضد اطفالهن وازواجهن عبر الحرق والخنق وغيرها من الطرق المروعة، بحسب سلمان. والاسبوع الماضي اثار مقطع مصور انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ردود فعل الجمهور وتعاطفهم تجاه رجل مسن من اهالي الطارمية في العاصمة بغداد، يعنف بشدة من قبل زوجته بالضرب المبرح والالفاظ البذيئة. وفي عام 2020 انتشر مقطع فيديو يوثق تعذيب طفل على يد امرأة وتنهال عليه بشتائم وألفاظ نابية، ما أثار صدمة في العراق. وفي العام ذاته، اعتقلت السلطات العراقية امرأة رمت طفليها من على أحد جسور بغداد إلى النهر، نتيجة خلافات مع طليقها. المدافعة عن حقوق الانسان انسام سلمان اشارت الى ان “اكثر حالات الطلاق والانتحار عند العودة الى سببها الرئيس نجد ان هناك عنفا اسريا”، لافتة الى انه “من الغرابة رؤية هكذا نسب من الانتحار دون دراسة مجتمعية لها من قبل الحكومة والجهات الامنية”.

قانون مناهضة العنف الأسري

ودعت سلمان البرلمان العراقي والحكومة الى “اقرار قانون مناهضة العنف الأسري بالشكل والصيغة التي توفر حماية لأصغر فرد من افراد العائلة، وتفعيل رقم طوارئ حقيقي، وتكثيف عمل الشرطة المجتمعية واتخاذ اجراءات قانونية بمحاسبة الاشخاص الذين يمارسون العنف الاسري”. وفي عام 2020 برزت أهمية تشريع قانون مناهضة العنف الأسري المعلق منذ سنوات في اروقة مجلس النواب، الذي حصل على قراءة أولى في 2017 لكنه واجه اعتراضاً من بعض الكتل السياسية التي تحفظت على فقرة إنشاء ملاجئ للنساء المعنفات التي تضمنتها مسودة القانون ما أدى إلى إيقافه. وبخلاف بغداد، فإن محافظة أربيل شهدت عام 2011 إقرار أول قانون مناهض للعنف الأسري في العراق هو القانون رقم 8 لسنة 2011، وقد بدأ تطبيقه فعلياً نهاية 2012 وشكلت بموجبه محاكم مختصة بقضايا مناهضة العنف الأسري وفق قانون السلطة القضائية للإقليم لسنة 2007 في نطاق محافظاته الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك. الخبير القانوني طارق حرب يقول لـ(المدى) إن “الاسباب التي يقع خلفها الطلاق مازالت قائمة ومتحققة ولا تتمثل بالعنف الاسري فقط”، مشيرا الى أن “اهم الاسباب هو عدم شعور الطرفين بأن للزواج آثار واحكام وقواعد تسري معهما الى طيلة العمر”. حرب يرى أن “بعض الشباب لا يفقهون المعنى الفعلي للزواج والمسؤولية التي تقع على عاتقهم”، مؤكدا أن “اغلب حالات الطلاق تحدث بين الفئات الشبابية، ونادرا ما تحصل مع كبار السن”. ويأمل الخبير القانوني بتفعيل قانون مناهضة العنف الاسري، لكنه يخشى في الوقت نفسه أن يأتي القانون بعقوبات بسيطة عند تشريعه.

“تأديب” الأبناء أو الزوجة ضرباً!

ولا يمتلك العراق قانونا للحماية من العنف الأسري، ويعتمد على مواد في قوانين مختلفة تسمح للزوج والأب بـ”تأديب” الأبناء أو ضرب الزوجة “مادام لم يتجاوز حدود الشرع”. وتقول المادة 41 من قانون العقوبات العراقي إنه “لا جريمة إذا وقع الفعل (الضرب) استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالا للحق، تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً”. وتلجأ الشرطة العراقية عادة إلى أخذ تعهدات على المتسبب بالضرر في حالة كان والد أو والدة المجني عليه أو الزوج، وتكتفي بإجراء “مصالحة” بين الطرفين في بعض الأحيان، وفي حال كان الطرف المتسبب الأب، فإنها تلزم الأطفال بالعودة إلى المنزل. مدير علاقات وإعلام الشرطة المجتمعية التابعة لوزارة الداخلية، عبد الحافظ هادي الجبوري بين أن عملهم مستمر في التوعية المجتمعية منذ تفشي وباء كورونا وحتى الان، من خلال الندوات، وزيارة العوائل في المناطق السكنية والمنشورات التوعوية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.

ويضيف الجبوري في حديث لـ(المدى) أن “الشرطة المجتمعية بادرت في حل الكثير من قضايا العنف الاسري بالطرق الودية قبل وصولها الى المحاكم”. ويشير مدير علاقات وإعلام الشرطة المجتمعية الى ان “الكثير من حالات العنف الاسري انتهت بانفصال الزوجين”، مضافا اليها “الزواج المبكر وتدخل عوائل الزوجين في حياة الطرفين”. ويلفت الجبوري الى أن “محاسبة ممارسي العنف تكمن في حال تقديم شكوى من قبل الزوجة، إذ يتم تحويل الشكوى الى القضاء للبت بها”، مبينا أن “نسبة قليلة من الزوجات من يقدمن على تقديم الشكاوى، خوفا الطلاق”.

العنف الأسري يتجه نحو الجريمة

عضوة مفوضية حقوق الانسان في العراق فاتن الحلفي اكدت لـ(المدى) أن “حظر التجوال أثر بنسبة كبيرة على زيادة حالات العنف الاسري، إذ ابتعد عن مفهومه المعروف واتجه نحو الجريمة”، مشيرة الى “حدوث حالات قتل، وحرق زوج لزوجته واطفاله وغيرها من الجرائم المروعة”. اضافة الى ذلك فإن حظر التجوال أثر بنسبة كبيرة جدا على اصحاب الاجور اليومية، الذين يعتاشون على قوتهم اليومي، بحسب الحلفي. أما الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني فيشير الى أن “حوالي 13 مليون عراقي يعتمدون على الاجر اليومي في عملهم”، مؤكدا “تأثرهم بشكل مباشر وغير مباشر بالإغلاق العام والحظر الذي رافق جائحة كورونا”.

3 ملايين جديد تحت خط الفقر

ويقول الخبير الاقتصادي في حديث لـ(المدى) إن “جائحة كورونا اضافت 3 ملايين مواطن الى خط الفقر”. وارتفعت نسبة الفقر خلال المرحلة الأولى لظهور جائحة كورونا في النصف الأول من العام 2020 إلى 31.7%، إلا أنها عادت للتراجع بفضل إجراءات رفع حظر التجوال وعودة العمل والأنشطة لوضعها الطبيعي التي أدت إلى انحسار النسبة إلى 25 في المئة، بحسب تصريح سابق للمتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي.

ويشير المختص بالشأن الاقتصادي الى أن “هناك جملة من الاسباب أثرت على العوائل في ظل تفشي فايروس كورونا، ولا تقتصر الاسباب على العوامل الاقتصادية فقط انما تتعداها الى اسباب اجتماعية، ونفسية وصحية نتج عنها تزايد حالات العنف الاسري الذي وصل الى مرحلة القتل في احيان كثيرة”. ويلفت استاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية الى أن “المعالجات تحتاج الى جهد حكومي للحد والتقليل من المشاكل التي رافقت جائحة كورونا وتأثيرها على العوائل وبالخصوص افراد العوائل الفقيرة”.

تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here