“الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله”

“الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله”

ان الزمن وتقلباته جعلنا نتمسك اكثر من اي وقت مضى بالعروة الوثقى القران الكريم الذي يهدي المؤمن لطرق النجاح والفلاح في الدنيا والاخرة. فقد قال تعالى “ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا”. هذا فضل الله على الناس بان هداهم وحسن الى قلوبهم فعل الخيرات. ووعدهم بحياة ابدية في جنات فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ان الدخول لهذه الجنات لا يكون صدفة. انما هناك معايير ينبغي العمل بها في الدنيا تلك التي ترضي الله وتصلح ما بين الناس. اي ان عمل الدنيا هو الفيصل في دخول الشخص الجنة او النار. “فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعملون”.
يعاتب الله تعالى في سورة الحديد الاية 16 المؤمن بعد ما راى نعم الله عليه في نفسه واهله وعمله بان يشكره ويخشع قلبه لذكره. ويخبرنا في نفس الاية بان طائفة كبيرة من اهل الكتاب من اليهود والنصارى والصابئة سبق ان غفلت ولم تؤمن بالله حق الايمان وفسقت عن امر ربها “الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون”.
ان من صفات الاحرار النجباء الطيبين انهم يضحون لغيرهم ويعاونون الفقراء والضعفاء ولا ينسون من وقف الى جنبهم وقت المحن. لعل اكثر الناس يستحق البر والاحسان هم الوالدين اذ قال تعالى “وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا”. كما ان البر للام له اهميته كبيرة نتيجة لما عانته من محن اثناء الحمل والتربية في الصغر.
لكن كل ذلك الاحسان لا يقارن مع فضل الله على الناس الذي لا يعد ولا يحصى “وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها”. فهو الذي صور البشر وفضله على بقية المخلوقات. فمنح له العقل والسمع والبصر وحرية الاختيار وسخر له ما في الارض من حيوان ونبات وجماد وما في البحر من خيرات وما في السماء. دون حول ولا قوة من الانسان. عطاء الله له دائم طيلة حياته من طعام وشراب وملبس وصحة وحل وترحال. لقد وهب واعطى واكرم الانسان ولم يطالبه باي ثمن الا بالشكر والتوكل عليه. وفوق ذلك فان مردود عبادته وشكره عاد اليه بالخير والبركة والسلامة “لئن شكرتم لازيدنكم”.
من المعلوم ايضا بان الانسان لا يمثل القوة الحاسمة للتصرف في الارض وليس له الهيمنة على حركتها. بل لا يتمكن ان يمنع الضر عن نفسه من ان يصيبه مرض او الم او جوع او موت. ان مجموع سكان العالم الذي يتجاوز السبعة مليارات نسمة من جهة اخرى لو اجتمعوا على قلب رجل واحد وعبدوا الله او عصوه لن يزيدوا او ينقصوا من ملك الله شيئا. لان الله غني عن عباده وليس بحاجة الى احد. بل العكس هو الصحيح فالناس يرجون عطاءه وفضله ورحمته.
عتاب من اله لا يحتاج الى احد. رب وهاب كريم معطي للمؤمن به ولغير المؤمن. انه خطاب للناس اجمعين بان يشكرون ويحمدون ويسبحون لخالقهم وواهبهم كل ما يملكون. فهو الذي سخر لهم ما في هذا العالم لخدمتهم. فمن مصلحتهم ان تخشع قلوبهم لذكره كي يدوم عطاءه ولا يكونوا كالذين من قبلهم من اهل الكتاب الذين فرط كثير منهم بحقوق الله على عباده وامتد بهم الامل والتمنى على الله دون ان بعملوا الصالحات.
نداء وعتاب من الله الذي لا يضره او ينفعه شيء في الارض ولا في السماء. رب تعهد ان يسامح ويعفو عنه كل الذنوب والخطايا لعباده. شرط ان يستغفروه قبل فوات الاوان. لان التوبة في وقت منازعة الموت لا تقبل ولا فائدة منها. اذن فرصتنا في حياتنا الدنيا سانحة للتوبة من رب غفور وحريص على ان يدخل الناس الجنة. فبابه مفتوح وعلى الانسان المبادرة بالتوبة والاستغفار اليوم قبل غد. لانه لا يمكن لاحد ان يضمن الحياة لنفسه حتى حين.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here