الفلسفة المعادلاتية و تحليل الكون

الفلسفة المعادلاتية و تحليل الكون

حسن عجمي

الفلسفة المعادلاتية هي الفلسفة التي تُحلِّل المفاهيم والظواهر من خلال معادلات رياضية. تؤكِّد الفلسفة المعادلاتية على أنَّ الظواهر والحقائق معادلات رياضية ما يسمح بتحليلها رياضياً. فكل ظاهرة أو حقيقة هي معادلة رياضية. من هنا ، تهدف الفلسفة المعادلاتية إلى اكتشاف المعادلات الرياضية الصادقة و الناجحة في التعبير عن أية ظاهرة أو حقيقة. للفلسفة المعادلاتية فضائل معرفية عديدة منها فضيلتها الكامنة في حلّ الإشكاليات والخلافات الفلسفية كحلّ الخلاف حيال إن كان الكون مادياً أم مثالياً.

مثلٌ على تطبيق الفلسفة المعادلاتية هو تحليل الكون على أنه معادلة رياضية بين المادي والمثالي. بالنسبة إلى الفلسفة المعادلاتية ، الكون = المادي × المثالي (أي أنَّ الكون يساوي المادي مضروباً رياضياً بالمثالي). وبذلك تُعرِّف الفلسفة المعادلاتية الكون من خلال المادي و المثالي معاً فتعتبره علاقة رياضية بين ما هو مادي و مثالي. الآن ، بما أنَّ الفلسفة المعادلاتية تقول إنَّ الكون = المادي × المثالي ، إذن الكون مادي ومثالي معاً. وبذلك تُوحِّد الفلسفة المعادلاتية بين المادية والمثالية فتحلّ الخلاف الفلسفي حيال إن كان الكون مادياً أم مثالياً. و في هذا فضيلة كبرى للفلسفة المعادلاتية ما يدعم صدقها.

ثمة تحليل فلسفي و علمي مفاده أنَّ الكون مادي كأن يكون متكوِّناً من ذرات مادية كما وَرَدَ ذلك في نظرية الفيزياء الكلاسيكية. و يوجد تحليل فلسفي و علمي آخر يناقض التحليل السابق لكونه يعتبر أنَّ الكون مثالي كأن يكون متكوِّناً من معلومات مجرّدة و تبادل للمعلومات كما يقول الفيزيائي جون ويلر أو كأن يكون الكون متكوِّناً من بناءات رياضية مجرّدة كما يؤكِّد الفيزيائي ماكس تغمارك. هكذا تختلف النماذج الفلسفية و العلمية وتتصارع حيال تحليل الكون و صفاته فتنقسم إلى نماذج مادية و أخرى مثالية.

لكن التحليل المعادلاتي للكون يحلّ هذا الإشكال والخلاف بقوله إنَّ الكون = المادي × المثالي. فبما أنَّ الكون = المادي × المثالي ، إذن من المتوقع أن يتكوّن الكون من المادة كأن يكون متكوِّناً من ذرات مادية كما من المتوقع أن يكون الكون متكوِّناً مما هو مجرّد فمثالي كأن يكون متكوِّناً من معلومات مجرّدة أو بناءات رياضية مجرّدة. وبذلك معادلة الكون ألا و هي أنَّ الكون = المادي × المثالي تتضمن النماذج الفلسفية و العلمية السابقة جمعاء رغم اختلافها و تنافسها وبذلك توحِّد فيما بينها فتحلّ الخلاف القائم فيما بينها. من هنا يكتسب التحليل المعادلاتي للكون فضيلة أساسية ألا و هي توحيده بين النماذج الفلسفية والعلمية المختلفة والمتصارعة فحلّ الخلاف الأساسي حيال تحليل الكون.

بالإضافة إلى ذلك ، ينجح التحليل المعادلاتي للكون في تفسير لماذا تنجح النظريات العلمية المتنافسة رغم اختلافها. فبما أنَّ الكون = المادي × المثالي ، إذن من الطبيعي أن تنجح النظريات العلمية التي تصف الكون و تفسِّره على أنه مادي (كأن يكون متكوِّناً من ذرات مادية) و من الطبيعي أيضاً أن تنجح النظريات العلمية التي تصف الكون و تفسِّره على أنه مثالي (كأن يكون معلومات مجرّدة و تبادلها). من هنا ، معادلة الكون ضمن الفلسفة المعادلاتية ناجحة في تفسير لماذا تنجح النظريات العلمية رغم الاختلاف فيما بينها. وبذلك تكتسب معادلة الكون هذه الفضيلة المعرفية ما يدلّ على صدقها. فإن لم يكن الكون = المادي × المثالي لاستحال حينئذٍ أن تنجح النظريات العلمية المادية و المثالية في آن رغم تعارضها.

لكن كيف من الممكن أن يكون الكون مادياً و مثالياً معاً رغم التعارض بين المادي و المثالي؟ يكمن الجواب في أنَّ كل حقيقة أو ظاهرة تتكوّن من مستويات متعدّدة و مختلفة. فعلى المستوى المنظور كل حقيقة في الكون مادية و إلا ما نجحت النظرية العلمية المادية. أما على مستوى آخر ألا و هو المستوى غير المنظور فكل حقيقة مجرّدة فمثالية و إلا ما نجحت النظريات العلمية المثالية في وصف الكون و تفسيره على أنه معلومات أو بناءات رياضية مجرّدة بدلاً من وصفه و تفسيره على أنه مادي. من هنا ، على مستوى معيّن الكون مادي بينما على مستوى آخر فالكون مثالي. هكذا يجتمع المادي و المثالي في الكون نفسه.

كما أنَّ معادلة الكون تتضمن نتيجة منطقية أساسية ما يعزِّز صدق هذه المعادلة و مقبوليتها. فبما أنَّ الكون = المادي × المثالي ، إذن نستنتج رياضياً بأنَّ المادي يساوي الكون مقسوماً رياضياً على المثالي تماماً كما نستنتج رياضياً بأنَّ المثالي يساوي الكون مقسوماً رياضياً على المادي. وبذلك كلما تناقصت مثالية الكون ازدادت ماديته و العكس صحيح و كلما ازدادت مثالية الكون تناقصت ماديته و العكس صحيح أيضاً. و هذه نتيجة منطقية لأنَّ المادي نقيض المثالي. و بما أنَّ معادلة الكون تتضمن هذه النتيجة المنطقية ، إذن هي معادلة ناجحة.

الفلسفة المعادلاتية فلسفة إنسانوية أيضاً. فبما أنَّ الكون = المادي × المثالي ، إذن تصدق المادية و المثالية معاً. لكن النماذج الفلسفية و العلمية منقسمة إلى مذاهب مادية و أخرى مثالية. من هنا ، تصدق كل النماذج الفلسفية و العلمية المادية و المثالية في آن ما يجعلها متساوية في قيمتها و مقبوليتها. وبذلك كل البشر متساوون في قيمتهم بتساوي صدق معتقداتهم المادية و المثالية ما يؤسِّس للسلام القائم على قبول كل البشر (و إن اختلفوا فيما يعتقدون) على ضوء أنهم متساوون في قيمتهم. هكذا الفلسفة المعادلاتية فلسفة إنسانوية بامتياز.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here