متى يستثمر مسلمي فرنسا صوتهم الانتخابي؟

متى يستثمر مسلمي فرنسا صوتهم الانتخابي؟

بعد يوم واحد ستنطلق انتخابات المحافظات والاقاليم على جميع الاراضي الفرنسية. كل الجاليات من الكاثوليك واليهود والبروتستانت والبوذيين والهندوس. كل الاحزاب السياسية يمينية ويمينية متطرفة ويسارية واقصى اليسار ووسط ومستقلين والنقابات المهنية بكل انواعها. كل التنظيمات البيئية ونوادي الصيد والتجارة والصناعة واطياف اخرى ثقافية واقتصادية للمجتمع الفرنسي يجهزون انفسهم ويتحملون مسؤلياتهم الوطنية ليستفيدوا ويفيدوا اطيافهم واحزابهم ونواديهم.
الاستثناء الوحيد هم مسلمي فرنسا فلا تزال اغلبيتهم الساحقة جاهلة باهمية المشاركة في الانتخابات. بسبب تواطؤ جمعياتهم الكبرى مسجد باريس وتنظيم مسلمي فرنسا مع الحكومة الفرنسية. هاتين الجمعيتين فضلتا مصالحهما الفئوية والمصلحية على خدمة الاسلام وجاليته. عملتا بجد لتجهيل الجالية بحقوقهم وكيفية الدفاع عن مصالحهم. حتى باتت الجالية لا تملك ثقافة انتخابية ولا تشعر باهمية صوتها والاستفادة منه. فالكثير من المسلمين لا يهتمون ولا يذهبون للادلاء باصواتهم الانتخابية. بل حتى ان المرشحين الفرنسيين لا يعولون على اصواتهم لانهم يقولون ما لا يفعلون. فيرفضون التضحية بربع ساعة للقيام بواجبهم الانتخابي الى المركز المخصص لذلك. حتى لو ذهب البعض الاخر منهم لصناديق الانتخابات فلاجل مصالح شخصية حزبية بحتة بعيدة عن مصلحة الجالية.
اضحت جاليتنا تعاني من جهل مركب فبعضهم يحرم ممارسة الانتخابات تقليدا للوهابيين الذين يحرمون الانتخابات ويحللون عبوديتهم للبلدان الاستعمارية كبريطانيا وامريكا. بعض افراد الجالية ينافقون على انفسهم وعلى غيرهم فيحللون الحصول على الجنسية الفرنسية وعلى المساعدات الاجتماعية لانها تناسب رغباتهم المادية. لكنهم ليسوا على استعداد لتنظيم امورهم واستغلال اصواتهم لخدمة دينهم كغيرهم من الاديان الاخرى.
لقد وصل الوهن بالمسلمين اليوم ومنهم مسلمي فرنسا الى درجة فقدوا البوصلة. انهم بهذه العقلية الفوضوية على عتبة تضييع الدنيا ومباهجها واستغلال ايامها في عمل الصالحات. ان اكثر ما نخشى عليه اليوم ان يكون خسران الدنيا لها مقدمة لخسران الاخرة ايضا. الجميع لا سيما اليهود يستغلون الانتخابات لخدمة إسرائيل وجالياتهم كذلك الامر بالنسبة للطوائف الاخرى. اما مسلمي فرنسا فباسهم بينهم عظيم وكبير. فلا همّ لمسجد باريس ومناصريه مثلا سوى اضعاف تنظيم مسلمي فرنسا القريب من الاخوان المسلمين والعكس صحيح ايضا. اما الانتخابات والدخول اليها او تنظيم جهود الجاليات للاستفادة منها فليست على بالهم ولا شان لهم بها.
لم يفكروا اطلاقا لمناصرة المدافعين عن المسلمين من الشخصيات السياسية الفرنسية وانتخابهم لتحقيق مصالح الجالية. ان الالتزامات الجالية بمساندة غير المسلمين المدافعين عن حقوق المسلمين واجب شرعي حث عليه القران الكريم من خلال سهم المؤلفة قلوبهم. ينبغي ان تعطى لهم مساحة واسعة حتى من الناحية الاخلاقية فلا يجب المساواة بين اعداء الاسلام ورسوله وبين المدافعين عنه. هذه السياسة ستجعل حتى الحاقدين على الاسلام يفكروا الف مرة قبل الهجوم على الاسلام لانهم يعلموا بانهم سيخسروا اصوات كثيرة وستكون ردة فعل المسلمين وحلفائهم الفرنسيين المدافعين عنهم قوية.
هذه المعطيات اهملتها تلك الجمعيات الكبرى خوفا من غضب الحكومة. التي فرضت عليهم التخلي من الدخول في اللعبة السياسية مجانا دون اي ثمن. لقد اهملوا حتى حث المسلمين على الانتخابات التي هي حق لكل مواطن. هذه الجمعيات التي ارتضت ان تكون في الواجهة يجب عليها ان تحافظ على الامانة وتضع مصلحة الجالية فوق مصالحها. لكنها اختارت الانانية والمصالح الشخصية فباتت ترتجف فزعا وخوفا من اغضاب الحكومة الفرنسية. تلك التي اجبرتهم على توقيع ميثاق الاذعان المذل الذي وقعوه في الشهر الاول من العام الحالي. انه عمل خياني ضد مصالح الجالية والاسلام. لقد اهملت تلك الجمعيات الكبرى قواعدها وتركتهم لتقلبات الزمان. مما سمح للحاقدين المتطرفين ان يشتموا ويشوهوا صورة رسول الله ويعملون بقوة لربط الاسلام بالارهاب بهدف تهميش عموم المسلمين.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here