الفلسفة المعادلاتية و تحليل الزمن

الفلسفة المعادلاتية و تحليل الزمن

حسن عجمي

بالنسبة إلى الفلسفة المعادلاتية ، الزمن معادلة رياضية ألا و هي التالية : الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل. لهذا التحليل المعادلاتي فضائل عديدة منها أنه يوحِّد بين المذهبيْن الفلسفيين الأساسيين المتنافسين حيال تحليل الزمن فيحلّ الإشكال الفلسفي القائم بينهما.

بما أنَّ الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل ، إذن الزمن صفة موضوعية للكون فيوجد حقاً في عالَمنا بفضل أنه انتاج انتظام الكون و أحداثه و الزمن أيضاً صفة أو بنية عقلية ذاتية و نسبية بفضل أنه انتاج انتظام العقل. من هنا ، تتضمن معادلة الزمن أنَّ الزمن صفة للكون الواقعي فيوجد في الكون بالفعل و أنه أيضاً صفة أو بنية عقلية معتمدة على العقل البشري في آن. وبذلك توحِّد معادلة الزمن بين المذهب الفلسفي القائل بأنَّ الزمن موجود في الكون و صفة موضوعية للكون و المذهب الفلسفي القائل بأنَّ الزمن بنية عقلية معتمدة على العقل ما يمكّن معادلة الزمن من حلّ الخلاف الفلسفي القائم بين المذهبيْن السابقيْن. و بذلك تكتسب معادلة الزمن فضيلة حلّ هذا الخلاف الفلسفي ما يعزِّز مقبوليتها و يدلّ على صدقها من جراء نجاحها في حلّ هذا الإشكال الفلسفي الأساسي.

معظم الفيزيائيين يعتبرون أنَّ الزمن غير موجود في الكون. و حجتهم هي أنَّ الزمن ليس جزءاً من القوانين الطبيعية المجرّدة الحاكمة للكون بينما هذه القوانين تعبِّر عما هو موجود في الكون و بذلك الزمن غير موجود بالفعل في عالَمنا. و يتفق القديس والفيلسوف أوغسطين مع هؤلاء الفيزيائيين حين يؤكِّد على أنَّ الزمن ليس سوى بنية عقلية فلا وجود للزمن فعلياً في عالَمنا الواقعي. لكن فقط القِلة من الفيزيائيين يدافعون عن الوجود الفعلي للزمن كالفيزيائي لي سمولن الذي يقول بوجود الزمن في عالمنا و يصرّ على أنَّ عدم وجود الزمن في القوانين الطبيعية المجرّدة ليس دليلاً حقيقياً على عدم وجود الزمن في الكون لأنَّ تلك القوانين الطبيعية ليست سوى نماذج رياضية لفهم الكون و ليست مطابقة للكون. على ضوء هذه الاعتبارات ، يوجد مذهبان فلسفيان و علميان متنافسان هما المذهب القائل بعدم وجود الزمن في الكون و الذي يعتبر بذلك أنَّ الزمن مجرّد بنية عقلية و المذهب القائل بوجود الزمن فعلياً في عالَمنا و الذي يؤكِّد بذلك على أنَّ الزمن صفة أساسية للكون. لكن كما رأينا تنجح معادلة الزمن في التوحيد بين هذيْن المذهبيْن من خلال تحليلها للزمن على أنه انتاج انتظام الكون و العقل معاً.

من جهة أخرى ، إذا نظرنا إلى العلاقات السببية فسوف نجد أنَّ الأسباب تأتي أولاً في الزمن و من ثم توجد نتائجها في زمن لاحق. وبذلك بلا وجود الزمن لا تنتظم العلاقات السببية الحاكمة للكون و أحداثه. من هنا ، بلا وجود الزمن لا ينتظم الكون. هكذا الزمن يُنتِج انتظام الكون و لذلك من المُبرَّر و من الضروري أيضاً تحليل الزمن على أنه إنتاج انتظام الكون كما تفعل معادلة الزمن. و بلا زمن لن يوجد مستقبل و بلا مستقبل يستحيل التنبؤ بالمستقبل فتستحيل العلوم القائمة على التنبؤ بما سوف يحدث في المستقبل على ضوء نظرياتها و قوانينها (التي تحتوي على قدرات علمية تنبؤية بفضلها تتنبأ بما سوف يحدث من أحداث في المستقبل على أساس ما حدث سابقاً في الماضي اعتماداً على الاستقراء المؤسِّس للنظريات العلمية و قوانينها). من هنا ، بلا وجود للزمن لن توجد العلوم و بذلك لن ينتظم العقل بصياغة العلوم. لذلك من الضروري و المُبرَّر تحليل الزمن على أنه إنتاج انتظام العقل تماماً كما تفعل معادلة الزمن. فالعقل ينتظم بالزمن فبلا زمن لن يتمكّن العقل من استنتاج ما سوف يحدث في المستقبل على ضوء ما حدث في الماضي. كل هذا يرينا صدق معادلة الزمن التي تعرِّف الزمن من خلال إنتاج انتظام الكون و العقل في آن.

تنجح معادلة الزمن أيضاً في التعبير عن المفهوم الكلاسيكي لسهم الزمن أي اتجاه الزمن و انتقاله من الماضي إلى الحاضر و من ثم إلى المستقبل. فبما أنَّ الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل ، و علماً بأنَّ الكون ينتظم بالعلاقات السببية بحيث تأتي الأسباب أولاً في الماضي و من ثم تحدث نتائجها لاحقاً في المستقبل ، إذن من المتوقع أن يتجه الزمن من ماض ٍ إلى مستقبل مروراً بالحاضر كحلقة انتقال بين ماض ٍ و مستقبل. هكذا تتمكّن معادلة الزمن من التعبير عن النموذج الكلاسيكي لعبور الزمن من ماض ٍ فحاضر ٍ و من ثم إلى مستقبل.

من المنطلق نفسه ، تنجح معادلة الزمن في التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل. فبما أنَّ الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل ، و علماً بأنَّ الكون ينتظم بالعلاقات السببية فتوجد الأسباب أولاً في الماضي و من ثم توجد نتائجها لاحقاً في المستقبل ، إذن الماضي مجموع الأسباب بينما المستقبل مجموع نتائج تلك الأسباب أما الحاضر فحلقة انتقال الماضي إلى مستقبل أو انتقال المستقبل إلى ماض ٍ. هكذا تتمكّن معادلة الزمن من التمييز بين الماضي والمستقبل والحاضر على أساس تحليلها للزمن على أنه إنتاج انتظام الكون الذي يستلزم وجود الأسباب في الماضي و وجود نتائجها في المستقبل و انتقال الماضي إلى مستقبل أو العكس. و كل هذه النجاحات تدلّ على صدق معادلة الزمن و تفوّقها المعرفي.

بالنسبة إلى معادلة الزمن ، الزمن فعّال. فإن كان الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل ، فحينئذٍ الزمن مُنتِج انتظام الكون و العقل معاً. و بذلك الزمن فعّال بمعنى أنه مصدر انتاج لِما يحدث في الكون و العقل بدلاً من أن يكون مجرّد قالب يحتوي على الأحداث. من هنا ، تنجح معادلة الزمن في التعبير عن أنَّ الزمن فعّال ما يفسِّر ضرورة وجود الزمن فبلا زمن تزول انتظامات الكون و العقل.

من هذا المنطلق ، تنجح معادلة الزمن في تفسير لماذا يوجد الزمن. فبما أنَّ الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل ، إذن بلا زمن لا ينتظم الكون و لا العقل و بذلك يستحيل وجود الكون و العقل فلا كون و لا عقل بلا انتظام. من هنا ، لا بدّ من وجود الزمن لكي يوجد الكون و العقل. بكلامٍ آخر ، إن كان الزمن = إنتاج انتظام الكون × إنتاج انتظام العقل فحينئذٍ يتضمن وجود الكون والعقل وانتظامهما وجود الزمن. و لذلك الزمن موجود كنتيجة حتمية لوجود الكون والعقل. فلا كون و لا عقل بلا زمن. و من هنا أيضاً نستنتج بحق استحالة وجود أيّ كون ممكن بلا وجود الزمن ما يجعل الزمن عنصراً أساسياً و عاملاً جوهرياً لوجود أيّ كون و تكوينه. هكذا تتنبأ معادلة الزمن باستحالة وجود أيّ كون بلا زمن فإن صدق هذا التنبؤ صدقت معادلة الزمن ما يجعلها معادلة قابلة للاختبار ما يعزِّز بدوره مقبوليتها و مصداقيتها المعرفية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here