هل اخترع ( التلميذ بطرس) قصة قيامة المسيح ؟

د. جعفر الحكيم

هل اخترع ( التلميذ بطرس) قصة قيامة المسيح ؟

عند البحث في الأخبار التي تنقل لنا قصصا تاريخية مهمة ومفصلية من حيث دلالتها والنتائج المترتبة عليها – مثل قصة قيامة المسيح من الموت

يحتاج الباحث إلى دراسة تلك الأخبار من جميع الجوانب, وتسليط الضوء عليها من كل الزوايا والاتجاهات, خصوصا إذا كانت تلك القصة تؤسس لتأصيل ايماني او اعتقاد ديني

وكذلك يستلزم الأمر, على الباحث, دراسة كافة الاحتمالات الممكنة حول أصل القصة وتطورها وأسباب نشأتها و طريقة تناقلها بين أفراد المجتمع التي نشأت فيه, مع التركيز على ضرورة ان يضع الباحث احتمالية الحدث الاعجازي الخارق للطبيعة في آخر قائمة الاحتمالات الممكنة ولا يركن إليه الا اذا اصبحت جميع الاحتمالات الاخرى مستحيلة.

في المقال الأخير من هذه السلسلة, تتبعنا المصادر الأولى من حيث التسلسل الزمني التي تحدثت عن قيامة المسيح, واتضح منها ان أول شخص نسبت اليه رؤية يسوع المسيح بعد حادثة الصلب …..كان التلميذ بطرس

وهنا لابد لنا من دراسة بعض الملامح الاساسية في هذه الشخصية المهمة قبل الولوج الى دراسة الاسباب المحتملة لاختراعه الاسطورة الاشهر والأخطر في تاريخ البشرية

التلميذ بطرس واسمه ( سمعان ) وايضا يسمى ب( صفا ) كان صياد سمك من منطقة بيت صيدا بالأصل, وعاش في كفر ناحوم , وهذه المناطق تقع على سواحل بحر الجليل

التحق مع أخيه (اندوراس) بالسيد المسيح واصبح من ابرز تلاميذه

ويبدو ان بطرس كان قبل ذلك , يملك مركب الصيد الذي يعتاش منه , وقد اعتاد دائما على ان يتصرف وكأنه ربان المركب وليس اجيرا او تابعا , لذلك نجده في احيان كثيرة يتصرف وكأنه رئيس التلاميذ او المتحدث باسمهم جميعا

كان يمتاز بقوة الجسد وكذلك بالاندفاع الى حد التهور

و بالحماسة , المفرطة أحيانا , مع حب ( الانا ) والميل الى اظهار انه يختلف عن باقي التلاميذ في أكثر من مناسبة

عند دراسة سيرة حياة بطرس , لابد لنا من التوقف والتأمل بعمق عند رأي أهم شخصيتين في تاريخ المسيحية بالتلميذ بطرس

ونعني بالطبع , يسوع الناصري و شاول الطرسوسي – بولس

بالنسبة ل(بولس) فإننا نجده قد اتهم التلميذ بطرس, بشكل غير مباشر, بالنفاق والرياء وعدم الاستقامة, وكان يعتبره محل نقد ولوم !! غلاطية ٢-١١

اما يسوع المسيح فقد وصفه بالشيطان واعتبره معثرة له !! …وكذلك وصفه بأنه يهتم بما للناس وليس بما لله !!!….. متى ١٦

وبعد ان تعرفنا على رأي الشخصيتين المؤسستين للديانة المسيحية بالتلميذ بطرس

نحتاج الى التوقف ايضا عند حادثة مفصلية جدا ومهمة كثيرا في دراسة سيرة هذا الرجل والأحداث التي أثرت في تكوين شخصيته

ونقصد هنا ما ترويه الأناجيل الاربعة عن قصة اخبار يسوع المسيح لتلميذه بطرس بأنه سوف ينكره ثلاث مرات قبل طلوع الفجر من اليوم التالي

هذا الحدث المهم جدا , كان في آخر يوم للمسيح مع تلاميذه قبل إلقاء القبض عليه !!

وقد حدث بالفعل ما توقعه يسوع الناصري حيث قام بطرس بنفي معرفته بيسوع بل وأخذ بالإنكار واللعن لكي يثبت انه لا يعرفه ولا علاقة تربطه به

ان تأثير هذا الانكار على بطرس من الناحية الإيمانية خطير جدا !

لأن المسيح كان قد حذر تلاميذه سابقا بأن من ينكره امام الناس …سينكره المسيح امام الله الاب ! …….متى 10 / 33

لقد كانت حادثة إلقاء القبض على يسوع واقتياده للمحاكمة هي التجربة العملية لاختبار إخلاص وشجاعة بطرس وبقية التلاميذ

يسوع الناصري الذي كان يشدد على تلاميذه ان من يتبعه عليه ان يكون مستعدا للتضحية في أي وقت وعليه ان يحمل صليبه معه !!!…وان يكون جاهزا للاختبار والمحن

لوقا 9 / 22-24

تركه تلاميذه وهربوا ….و تنكر له وتبرأ منه كبيرهم بطرس

لقد شكلت هذه الحادثة المرعبة لبطرس صدمة نفسية كبيرة حيث تلاشى في ساعة واحدة الحلم الكبير وتبخرت كل الآمال التي كانت معقودة على معلمه الذي كان ينظر له وكأنه ملك اليهود القادم لقيادة مملكة الرب على الأرض

هذا الحلم الكبير الذي جعل بطرس يترك عمله ومنزله وكل شي ويلازم يسوع الناصري تابعا له لمدة تجاوزت الثلاث سنوات

وكذلك شكلت تلك الحادثة انكشاف لحقيقة شجاعة بطرس التي انهارت عند اول مواجهة مع الخطر

فصار الرجل يعاني من ضغوط نفسية هائلة جدا

بعد ان خذل معلمه و اتضح للآخرين جبنه و تخوفه

وفوق كل ذلك انهيار المشروع الذي كان بمثابة اعظم حلم يمكن ان يحلم به رجل يهودي بسيط في ذاك الزمن

لقد سقط بطرس في سلسلة من الأخطاء والخطايا بحيث كانت كل خطيئة تدفعه الى اخرى

و في مثل هكذا ظروف وضغوط نفسية طاغية لابد لكل انسان من ان ينتابه شعور عميق ومؤلم بتحطم الذات

و من غير المستبعد ان يلجأ الانسان الى وسائل دفاعية نفسية لغرض ترميم الذات ولو من خلال إيهام النفس بأحداث غير واقعية من أجل صناعة واقع بديل ولو كان (تخيليا) لكنه افضل من الواقع الصادم الذي ترفض النفس الإنسانية تقبله والإقرار به

وهنا لا اريد الخوض في تفاصيل الأسباب النفسية التي تجعل الكثير من الناس في مثل هكذا ظروف عصيبة يلجأون او يعانون من حالات التوهم او التخيل ورؤية الشخص العزيز عليهم بعد موته

فهذا الموضوع يحتاج إلى مقال منفرد

وقد ورد في سفر اعمال الرسل ما يشير الى شبيه هذه الحالة عندما تحدث عن قصة محاكمة استيفانوس والذي ادعى انه صار يرى ابواب السماء مفتوحة وانه يرى يسوع جالسا على يمين الآب في السماء !!

وتفسير هذا الادعاء الغريب هو ان الرجل كان يتوهم رؤية ما يريد عقله الباطن ان يراه وليس ما هو حقيقي

لذلك كان يرى يسوع أمامه بالسماء في حين لم يشاهد جميع الحاضرين في المحاكمة اي شي

ومن المرجح بشكل كبير ان نفس الامر حدث مع التلميذ بطرس الذي اخترع او ربما توهم قصة قيامة المسيح من الموت ولقائه به مرة اخرى

تلك القصة المخترعة قلبت الصورة الاخيرة لبطرس مع معلمه الذي خذله وتبرأ منه

فبعد ظهور قصة عودة المسيح من الموت أصبح بطرس مرة اخرى هو البطل بين التلاميذ وهو الصخرة التي سيبني المسيح عليه كنيسته وهو الشخصية القيادية بين أتباع يسوع

لقد أعادت قصة القيامة ترميم شخصية بطرس من جديد وحولته من تلميذ غير وفي خذل معلمه الى تلميذ أعطاه معلمه ( العائد من الموت ) صفات العظمة ومفاتيح قيادة التلاميذ مع مكانة خاصة مميزة …وهذه كلها من الأمور التي كانت شخصية بطرس تتوق إليها دائما

بعد اختراع بطرس لقصة عودة معلمه يسوع من الموت وترديده لهذه القصة بين أوساط أتباع يسوع المحبطين والمصدومين من انهيار كل آمالهم والنهاية المؤلمة لمعلمهم, لابد في مثل هذه الظروف من وجود من يتحمس لهذه القصة و يتلقفها ويصدقها بشغف وحماس لانها سوف تفتح من جديد بوابات الأمل والرجاء و تخفف من اعباء الصدمة الثقيلة بل ان هذه القصة ستشكل بداية لطريق جديد بعد ان اغلقت حادثة صلب يسوع الناصري طريق الامل امام هؤلاء الاتباع

ويبدو ان ( مريم المجدلية ) كانت من أهم الاتباع الذين تحمسوا للقصة و صدقوها وبدأوا بنشرها شفويا بين الاتباع

وليس من المستبعد أيضا ان تكون مريم المجدلية ممن ادعت او حتى تصورت او تخيلت ان يسوع قد ظهر لها هي ايضا

وهذا أمر محتمل قد يحصل لاي شخص يمر بظروف نفسية ضاغطة وخصوصا لو عرفنا ان مريم بالأصل كانت تعاني من امراض نفسية او عصبية استدعت ان يعالجها يسوع ويستخرج منها سبعة شياطين !!….لوقا ٨-٢

ان خبرا مثيرا و مفرحا مثل خبر عودة المعلم يسوع من الموت لابد وان يتم تناقله بشكل حماسي بين الاتباع والمريدين ومع هذا التناقل الشفوي للقصة المثيرة ,لابد من إضافة الزيادات والتطويرات إليها, مع انضمام اسماء اشخاص او مجموعات من الشخصيات التي نسبت اليها رؤية او لقاء المعلم القائم من الموت

وبالتأكيد مع مرور الزمن و انتشار القصة شفويا من مجموعة الى اخرى ومن منطقة الى منطقة ثانية سوف يطرأ على تلك القصة المزيد من التطور المستمر والتضخيم الاسطوري مع اضافة البعد القداسوي الذي أضفى عليها إطارا ايمانيا أصبح ,فيما بعد الأساس الذي قامت عليه العقيدة الجديدة

ان هذا الامر من السهل جدا ملاحظته من خلال تتبع تطور قصة القيامة في الأناجيل بحسب التسلسل الزمني لكتابتها حيث نجد الاضافات تأخذ بالازدياد مع ابتعاد زمن كتابة الإنجيل عن زمن الحدث

ومن المحتمل جدا, ان قصة القيامة التي اخترعها التلميذ بطرس فتحت الشهية لمخيلة القصاصين ومن بعدهم الكتاب الذي كتبوا الأناجيل حيث تم , لاحقا , اضافة قصص أخرى تم اختراعها بعد عشرات السنين , مثل قصة القبر الفارغ , وبعدها قصة أكل يسوع السمك والعسل وصولا الى انجيل يوحنا الذي تمت كتابته بعد أكثر من سبعين عاما من حادثة الصلب

حيث نجد قصص أكثر اثارة وتشويقا لأعمال قام بها يسوع القائم من الموت قبل صعوده للسماء

ان الأبعاد الأسطورية لقصة قيامة المسيح تبرز بشكل واضح مع التتبع الزمني لتطور تلك الحكاية من مجرد ادعاء ظهور يسوع الناصري لأشخاص مرورا باكتشاف ان قبره كان فارغا بعد ثلاث ايام وصولا الى الحكايات المتأخرة والتي صارت تروي لنا ان الرجل قد عاد بشحمه ولحمه من الموت وبذلك أصبح المعلم يسوع هو الإله المتجسد بشكل إنسان والذي قهر الموت وبعد ذلك عاد مرة أخرى الى ملكوته في السماوات العلى !!

لقد علمتنا قراءة التاريخ البشري ان هناك الكثير من الخرافات والأساطير, قد تحولت مع الزمن الى حقائق لا تقبل الجدل , وعند إضفاء القدسية عليها تصبح عقائد من غير المسموح التشكيك فيها ولا مراجعتها

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here