المغرب للجزائريين حبيب / 61

المغرب للجزائريين حبيب / 61

بروكسيل : مصطفى منيغ

الذِّكْرَى مجرّد قلب صفحة، من كتابِ حاضرٍ مَضَى لاَ يُمْحَى، كلّما ظَلّ العقل سَلِيم الصِحَّة، بدت صور أحداثها واضِحَة. الذِّكرى مِرْآة عاكسة بالطلب مجريات صحيحة ، زجاجية الشفافية فضيلة كانت أو فضيحة ، العيْب لاصِقها حَصَلَ من سنين أو البارِحَة ، والصُحّ منها كاللّحمِ يُعْرَفُ أصله من شريحَة . الذِّكرَى مفتاح صندوق المعاصي القبيحة ، أو الحسنات والأفعال والتصرفات النَّفس بها مُنشرِحَة ، ُمرَتَّبَة مواقِعها مِن الزمن بنظامٍ لن تصل له قََريحَة ، عالِم نابِغة ولا داهية افتراءاته بعجائب خيال مُمَلّحَة . الذكرى شاهدة على مرتكبيها مهما تلاشَى غيرها تبقَى في عالم الغيبِ بما تحمِله ثابتة غير طَافِحَة ، الحقّ حارسها والقصاص داخل عدالته سابِحَة ، ليوم النهاية المُفْرِحَة ، أو الانضمام للمُقْرٍِحَة.

… “التطوانية” بجانبي داخل بيتي ، باكية ممَّا سمعتْهُ عن نفي صداقتي لها ، لمن شمتوا فيها ، وحاولوا إدراجها ضدي خدمة لموقفهم مني ، العاملين من جرائه على إبعاد اسمي من قائمة الأكثر شعبية والأقوى تأثيراً في الأوساط الاجتماعية بالمغرب الشرقي عامة و وجدة خاصة . بِقَدْرِ ما حَضَرَت لتُعاتِبنِي، بِقَدْرِ ما تتوسَّل لأحياء صفحة جديدة معي ، أكثر بياضاً مستعدَّة لضمّ ما إن كُتِبَ فوقها ، أن يظلّ راسخاً ثابتاً قائماً على الاستمرار، مهما حاول الحسَّاد قصفه بطوب الأضرار. لم أكن ساعتها مُشفِقاً عليها بل الذّكرى دفعتني للوقوف منها موقف المحافظ عليها ، فلي واللّؤلؤة “تطوان” ما يُقيّدني باحترام ومساعدة كل منتسبِ إليها ، بالآحرى مَن عشتُ معها مرحلة من حياتي ، مهما حاولتُ التملّص منها لا أستطيع . العجيب أنها أحسَّت بما يجولُ في خاطري فكفكفت دموعها وأرخت العنان لابتسامة كلَّما طرقت بصري تسرّبت لبصيرتي ، لأفهمَ أن الحياةَ أبسط ، عكس التَّعقيد الصادر من سلسلة إجراءات نُعانِدُ بها مَن وُضِعَ بين أيدينا ، عن طواعية مُطلقة دون إكراه أو ضغط . ما ينقص “التطوانية” كي أنْأَى عنها كلَّما تقرّبت منّي ؟؟؟، جمالها أخّاذ ، وأخلاقها للافتخار به مُعتَمَد ، عِلْمُها (في تخصّصه) أستاذ لكل أستاذ ، ووفاؤها لي من أعوامٍ مُمْتَد ، وبكاؤها الصَّادق متَى أحسّت بفراقي ارتباط بشخصي وإلى الأبد . سألتها عن السيّدة الطيّبة والدتها فأخبرتني :

– إنها أسعد ما تكون وأنتَ برفقة ابنتها، ليقينها بحسن شيمك وإخلاصك لعزة نفسك. على العموم هي في انتظارِنا ، فاجْمَع ما تودّ جمعه وهيَّا بنا ، وكَفَى من جوّ التفكير غير المنقطع الذي تُعاقِبُ به نفسكَ ، وتعوَّد من الأن على تنظيمي حياتكَ لما يعود عليكَ بالراحة والاطمئنان ومباشرة واجباتك نحو الوطن ومَن يحبُّونك كما ترضى . – وإن حضر الوالد ووحدَنا على مثل الحالة ، سألنها ؟؟؟.

– تركتُهُ يعلم أنه إن منعني منكَ أو عنكَ قتلني، أجابتني .

… لأول مرة أحسستُ بالضعف أمام أُنثَى ، ربما التعب والإرهاق وضغط برنامج “عمي صالح الجزائري” ، والتفكير العميق في الخطّ التحريري لجريدة “الحدث” وما ينتظرها من معاول الهدم عساها ترضخ لمطالبهم حتى تُترك لأداء مهمتها الإعلامية بسلام ، وأشياء أخري تتقدمها الاحتياطات الواجب أخذها من تصرفات المخابرات الجزائرية ، ومراقبة السلطات المحلية المغربية لجل تحركاتي ، كلها عوامل جعلت مني راغباً في حُضْنِ أمرأة أتوسده ولو لسُوَيِعَاتٍ رومانسية هادئة ، قد تكون “التطوانية” أو غيرها بالطريقة الشرعية الحلال طبعاً. ما كدنا ندخل “الفيلا” حتى جاء سائق سيارة يستعجلني لمرافقة أحمد عصمان إلى “عين بني مطهر” لرئاسة مهرجان خطابي خاص بحملته الانتخابية هناك ، قبل الإقلاع اطلعت الطيب بلعربي على الخطة الواجب أن يتقيد أحمد عصمان بها إن أراد العودة من هناك بنتيجة ايجابية ، أن ينتبه لإشارة التوقف عن الكلام وإنهاء المهرجان بالكامل ، ويتبعني حيث ستكون معي لمكان ما ، يجتمع قيه مع عشرة من الإخوان الذين إن عاهدوه فليرجع من حيث أتى مطمئن البال تماما ، مُلحاً على الطيب بلعربي أن نكون حاضرين في العملية العبد لله وهو وأخمد عصمان ولا رابع معنا إطلاقاً ، قام بالواجب ولوَّح لي من بعيد بما يؤكد الموافقة على تطبيق الخطة . وصلت القافلة المكوّنة من سيارات عديدة لمكان مفروش بالحصائر وبضع زرابي وُضعت تحت كراسي الوفد الرسمي ، بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم ، تناوب على الميكرفون بعض الإخوة من بينهم مصطفى الحجازي ولما تيقنوا أنني لا أرغب في تقليدهم أفسحوا المجال للسيد أحمد عصمان الذي جاء خطابه على غرار الخطابات الرسمية المشحونة بوعود لم تجد من يصفق لسماعها أحد ، ولما أشرت له فهم القصد وكفّ عن الكلام وتوجه صوب الطيب بلعربي لنركب سيارة واحدة ونفترق عن الآخرين الذين طلب منهم انتظاره حتى يعود ، بالفعل انفرد بالإخوة العشرة حسب الاتفاق ليناقشهم أن كانوا في حاجة لمطالب خاصة يحققها لهم بالتأكيد ، فابلغه أحدهم بقوله :

– لولا الانتخابات لما شرَّفتنا بهذا اللقاء ، وما دمتَ قد وصلتَ إلينا نعدكَ كما عاهدنا أخاً عزيزا علينا قبلكَ ، أننا سنصوت عليك بصغيرنا وكبيرنا ، وحالما تنجح وسوف تنجح تذكر هذه الناحية وخطط لها بما ينقلها من حالة التهميش والحرمان من كل شيء إلى مواقع مغربية متمتعة بكل حقوقها والسَّلام عليك .

… ما كان الطيب بلعربي ليصدّق ما رأى وما سمِع ، ومنذ تلك اللحظة شيد معاملاته معي على الإصغاء وعدم إصدار الأوامر ، بل لم يخفِ ما كان محتفظا به سراً حولي ، حيث صرّح لي:

– هناك من يعملون على إبعادك عن هذه المدينة بشكل نهائي لانهم يخافون صراحة منك ، منتظرين أخطاء ترتكبها ينطلقون منها لتحقيق إرادتهم القائمة على الغدر بك ، لقد أظهرتَ أشكالاً من المواهب ، حبَّذا لو استغلَّت “حركة الأحرار” ِسطاً منها لنجَحَت شرارتها الأولي ، منذ الاجتماع الأول الذي شرحتَ أنتَ أهدافه ، بجُرأةٍ في كلمتكَ التِّي ارتجلتَها بثقةٍ عالية في النَّفس ، تَرَكَت “الطيب بن الشيخ” وزير الصحة آنذاك ، يُوصِي بضمِّك للمؤسسين إن اقتضى الأمر ، لكن هناك صعوبات واجهت مثل الاقتراح ، متعلقة بالتوتّر القائم بينكَ ورئاسة الجمهورية الجزائرية ، تذكَّر أنَّكَ أصبحتَ ممّن أثق فيهم ، ومهما احتجتَ لي سأكون مستعداً صراحة وعلانية للوقوف معكَ معتبراً ذلك بمثابة شرف لي .(يتبع)

مصطفى منيغ

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here