وصــيّة

وصــيّة

بقلم: محمد هاشم الصالحي

.

والد صديقي محمد مطروح على فراش المرض منذ ستة أشهر. إنه تاجر وقد أعطاه الله من فضله الكثير.

جاءني صديقي محمد أمس وطلب مني الحضور إلى بيتهم بطلب من والده الحاج أبو محمد. سارعنا الخطى وذهبت إليه والقيت التحية وطلب مني أن أجلس إلى جانبه.

كان قد أحضر أبو محمد ورقة وقلم قدمها لي، وقال يا بني لقد تمكن المرض مني وقد بلغت من الكبر عتياً، والموت حق ولا مفر منه إلى إليه. أرجو منك أن تسمعني وتكتب لي وصيتي أتركها لأولادي بما يرضي الله كي لا يقع خلاف فيما بينهم بعدي. وقال أني أريد أن ألقي ربي بضمير مرتاح.

أولاد العم أبو محمد الثلاثة يستمعون بحزن شديد. وبين الحين والأخر يقول أحدهم (عمرك طويل إن شاء الله يابة) والأخر يقول (إحنة شنسوي بالفلوس بدونك يا بوية) وصديقي محمد قال (كله فدوة الك حجي، ومن عمرنا على عمرك).

بدأ أبو محمد بالكلام وطلب مني التدوين. قال أن لي في المصارف ما يقارب 50 مليون دينار ودفتر المصرف موجود وسأقدمه إلى ولدي محمد. أنا أطلب التاجر حجي فاضل مبلغ قدره 10 الف دولار امريكي مقابل بضاعة أعطيته إياها ولم يسدد مبلغها لغاية اليوم. اما الحاج بهجت فإنني أطلبه مبلغاً قدره 20 مليون دينار عراقي. وكل هذا مسجل في دفتر الديون الخاص بالمحل على أولادي الإنتباه له.

في هذه اللحظة وأنا اكتب انظر إلى وجوه الأولاد الثلاثة و رغم مرض والدهم الشديد، إلاّ أنني أجد لمعان عيونهم تتجدد في كل مبلغ يذكره والدهم.

إستمر أبو محمد بالكلام وبشكل بطيء بسبب المرض. يقول وللأمانة أقول ان الحاج شوكت يطلبني 15 مليون دينار والحاج عبد الفتاح يطلب مبلغ البضاعة الأخيرة التي لم أتمكن من تسديدها بسبب المرض وهو 20 مليون دينار عراقي.

بعد سماعهم لديون والدهم بدأت الوجوه المبتسمة للأولاد الثلاثة بالذبول. أنظر إليهم وهم يتطلعون بصمت بالغ إلى ما يقوله والدهم. ابو محمد يستمر بالكلام ويقول (قبل ما انسى ترى اخويا ابو حسين هم يطلبني 10 مليون) وبعد ان قالها نطق الإبن محمد (هذا مال شنو يا بوية) فرد الأب المريض (مو العام سافرت إلى اوكرانيا وهو كان ويايا.. ما كنت مسوي حسابي اداينت منه وبعد ما مرجعه). إندهشت أنا وإندهش الأولاد الثلاثة وسأله الولد الصغير (أدري يابة اشسويت بالعشر ملايين وأنت في اوكرانيا) كان السؤال في محله فرد العم الحاج أبو محمد (والله يا بوية الحياة تغرك في اوكرانيا وأني بشر كلت الدنيا خلصانة خلصانة فصرفت على نفسي).

المهم أن أبا محمد يقول إبني أكتب أخاف أنسى شي. وأنا أكتب وهو يقول (هاي السيارة مالتي سعرها 3 دفاتر يعني 30 الف دولار. دفعت دفتر واحد للمعرض وباقي عليّ دفترين يعني 20 الف دولار).

هذه المرة تفوه الإبن الثاني (أدري يابة على هيجي ديون أنت مراح تتركلنا شي، كلها راح اتروح للديون مالتك). رد عليه الوالد (أعرف إبني.. لكن عدكم هذا البيت تكدرون اتبيعو وتسددون ديونكم.. والله يسهل عليكم إن شاء الله).

الأولاد الثلاثة الذين كانوا يقولون (من عمرنا على عمرك يابة) و(احنة شنسوي بالفلوس بدونك يا بوية) تركوا الغرفة وخرجوا متذمرين وليس ببعيد أن يتبرؤوا من إبيهم الذي ترك كل تلك الديون على عاتقهم.

الجميل في الأمر أن أبو محمد ترك لهم بيتا وقال لهم (بيعوا البيت وسددوا الديون). يعني على الأقل ترك الهم فد شي يبيعوا وما يبقون يجدون بالشارع بعده.

رباط السالفة العراقي شراح يبيع حتى يطلع من وطأة الديون إللي بقى تحتها من سياسات الحكومات السابقة. ديون الكويت ديون النقد الدولي والقروض الداخلية والخارجية ورفحاء ومؤسسة السجناء السياسيين والفضائيين و حدث ولا حرج. اشعدنا نبيعه ما أعرف واحنا نشوف أبونا غركان بالديون.

وخصوصا بعد أن كشف محافظ البنك المركزي علي العلاق أن ديون العراق الخارجية تبلغ نحو 23 مليار دولار، في حين تبلغ الديون الداخلية نحو 40 ترليون دينار عراقي.

اولاد ابو محمد راح يبعون البيت.. شراح انبيع احنه لخاطر الله.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here