حين لا تتسع الديمقراطية لخيمة ام الشهيد !

حين لا تتسع الديمقراطية
لخيمة ام الشهيد !

محمد عبد الرحمن

حق التعبير عن الرأي بالوسائل السلمية، حق يكفله الدستور العراقي وتضمنه الانظمة الديمقراطية الحقة. وهذا يشمل من دون شك طائفة واسعة من اساليب التعبير ووسائله ومنها الكتابة والقول والرسم، وصولا الى التظاهر والاعتصام والاضراب العام، وربما ما هو ابعد إن تمادت السلطات في غيها ولم تستجب لارادة المواطنين.
في بلادنا اختزلت الديمقراطية وضاقت مساحاتها كثيرا في ظل حكم منظومة المحاصصة والفساد وتسلطها، وحصرها الأمر بآلية الانتخابات فقط، التي لم تكن هي الأخرى نزيهة وعادلة، وقد وُجه لها من الطعون ما افقدها الكثير من صدقيتها ومغزاها، خصوصا بعد ان شاع التزوير والمال السياسي وشراء الذمم والسلاح على نطاق واسع.
البعض المتحكم والمتسلط والمتجبر، رسميا وبصورة غير رسمية، وقف منذ البدء موقفا معاديا لأي مظهر من مظاهر الاحتجاج السلمي. فهو لا يطيق أساسا وجود رأي آخر مهما كان، وإن ادعى غير ذلك. وقد سعى بكل الوسائل لقمع أية بادرة رفض او احتجاج، منذ شباط 2011 وصولا الى خيمة ام الشهيد الوزاني في كربلاء .
وحين ضاقت السبل بهذا البعض، ولم تنفع كل الوسائل التي استخدمها، وبضمنها القتل العمد المباشر والاغتيال والتغييب والملاحقة والخطف والسجن والتعذيب وإلصاق التهم وافتعال الدعاوى الكيدية والمحاربة في الرزق والمعيشة، عبر هذا البعض المتضايق والمضغوط عن القبول بالمعارضة: لا بأس، ولكن تحت قبة البرلمان فقط، وفِي داخل مجلس النواب لا غير! عادّا ذلك معارضة مشروعة، اما غيرها فلا ! وهذا يعني عمليا مصادرة حق المواطنين في التعبير عن مواقفهم وآرائهم، المنصوص عليه في الدستور.
ووفق هذا المنطق المعلول والاعوج جرى ويجري التعامل مع حركة الاحتجاج واشكال الحراك المطلبي جميعا، حتى المتعلقة بالحصول على الكهرباء والماء المفقودين هذه الأيام في بلاد الرافدين .
ورغم كل اشكال العسف والقهر والعنف انتفض المواطنون في تشرين 2019، وتواصلت حركة الاحتجاج في محافظات الوطن، وهي مؤهلة لأن تكبر مثل كرة الثلج في أية لحظة. فجذوتها باقية متقدة، يغذيها ويديمها الواقع المرير المأساوي الذي يتفاقم فيه البؤس والجوع والفقر والمرض يوميا، ويخسر الآلاف معركة الحصول على قوت اليوم، حتى اصبحت الكهرباء تُعد في هذا الصيف القائظ سلعة كمالية مقارنة بالحصول على لقمة العيش! هكذا يتحدث المواطنون على الاقل.
مهما قست الظروف والاحوال وتمادى الفراعنة الجدد، فان إرادة الجماهير هي المنتصرة في نهاية المطاف، شاء من شاء وأبى من أبى. وستنتصر إرادة ام الشهيد الوزني في الكشف عن قتلة ابنها الشهيد، وتنتصر معها إرادة أمهات بقية الشهداء، الذين يُقضّون حتى باستشهادهم مضاجع المستبدين والقتلة المجرمين ومن يقف وراءهم! أو لم يصدروا حكما على الشهيد صفاء السراي وهو يرقد خالدا في قبره !
فعن اية ديمقراطية يجري الحديث فيما يضيق المتشدقون ذرعا حتى بالخيمة الزرقاء لأم الشهيد؟
وفي النهاية .. من أين لمن سقطت عنه ورقة التوت وبانت عوراته، ان يشعر بالخجل ويستحي!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الاثنين 28/ 6/ 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here