سياسي العراق بين رمزية الحلاق الثرثار وحقيقتهم المرَّة

سياسي العراق بين رمزية الحلاق الثرثار وحقيقتهم المرَّة

في فترة ستينات القرن الماضي قرانا في القراءة الخلدونية في المدارس الابتدائية قصة الحلاق الثرثار التي ترجمها الاديب مصطفى لطقي المنفلوطي. لا تزال العبارات الاخيرة للزبون الصيني تطرق اسماعي لتذكرني باحوال السياسة والسياسيين في وقتنا الحالي خصوصا في بلدنا العراق.
اود ان انقل بعض فصول تلك القصة بتصرف. فقد دخل رجل صيني أيام الحرب الروسية اليابانية سنة 1904. حانوت حلاق كان معروفا بالثرثرة أكثر من أفراد طائفته. ليحلق له رأسه وكان بمعيته جماعة من زائريه. فاجلس الزبون على كرسي أمام المرآة. أمسك بالموس وأنشأ يحلق رأسه حلقًا غريبًا لا عهد له بمثله من قبل. فكان يحلق بقعة ويترك إلى جانبها أخرى مستطيلة أو مستديرة وأخرى مثلثة أو مربعة،
فخاف الصيني خوفًا شديدًا وظن أن الحلاق قد أصابه مسّ من الجنون. فأخذ يرتعد بين يديه ولكنه لم يجسُر او يتجرأ أن يسأله عن عمله خشية أن يقوده جنونه إلى ما لا تحمد عقباه. فلما انتهى الحلاق من أشكاله الهندسية ورسومه الجغرافية. التفت إلى زواره وقال لهم كأنه يتمم حديثًا سابقًا لأجل شرح تفاصيل نزاع بين متخاصمين هما الروس واليابانيين.
قال لزواره رسمت لكم مخطط الحرب في رأس الزبون. فصاح قائلا هنا طوكيو وهنا بورت أرثور! ومن هنا سارت السفن الروسية وها هنا الساحل. ومن هنا فاجىء الأسطول الياباني الروس وضربوهم الضربة القاضية. ثم ما برح الحلاق الا ان ضرب رأس الزبون بقبضة يده. فقام الصيني يصرخ غضبًا وأسرع يولول ويهرول بالهرب حاسر مكشوف الرأس إلى خارج الحانوت، وهو يلعن السياسة والسياسيين والروس واليابانيين والناس أجمعين.
نحن اليوم في العراق اصبحنا واضحينا وامسينا نلعن السياسة والسياسين والامريكان والايرانيين والناس اجمعين. بل نلعن حظنا العاثر الذي مكن امريكا من جلب شذاذ الافاق الطائفيين الشعوبيين معها الى بلادنا. اولئك الذين اوصلوا وطننا الى الحضيض في جميع المجالات. حتى جعلوا شعبنا يتحسر على النظام الدكتاتوري السابق.
لقد فعلت امريكا واذنابها بشعبنا اسوء بكثير مما فعله الحلاق الثرثار بزبونه عندما رسم على راسه المربعات والمثلثات والدوائر. لان ذلك الحلاق كان قد فعل فعلته الرمزية في زبونه الصيني في دقائق معدودات وظروف عصيبة فقص شعر رأسه دون ان يجرحه وقد تمكن الضحية بالنتيجة من الهرب منه لاعنا تلك اللحظة التي جاءت به لذلك المكان.
اما قصة حلاق العراق وجلاده فهي حقيقية جرت فصولها منذ اكثر من 18 سنة. فحلاقنا الثرثار وجلادنا هو الجيش الامريكي. زواره ومريدوه وادلائه هم العملاء الطائفيين العراقيين. زبونه وفريسته هو الشعب العراقي. لقد سلم الطائفيون رؤوس العراقيين الى ذلك الحلاق الذي لا يثرثر ولا يحلق شعر الرؤوس انما يقطع الرؤوس نفسها ويمزقها. منذ حوالي عقدين مزق اوطاننا وسرق ثرواتنا. مع كل ذلك فنحن لا نولول ولا نهرول ولا نهرب حاسري الرؤوس للتخلص منه.
عندما لعن الزبون الصيني السياسة والسياسين والروس واليابانيين والناس اجمعين. كان ذلك من هول المشهد وتصرفات ذلك الحلاق المرعبة لشرح مشهد حرب لا ناقه له فيها ولا جمل. انه لم يكن يهتم بسياسة الروس واليابانيين لولا حماقة ذلك الحلاق. اما نحن العراقيون ما عسانا ان نفعل في سياسيين لا نثق بهم ولا يهتموا بشؤوننا. فقد راينا دجلهم وكذبهم ونفاقهم خصوصا الاسلاميين منهم.
زبون الحلاق الثرثار لعن السياسية والسياسيين والروس واليابانيين والناس اجمعين لفعل احمق عابر في حياته. لا ندري ماذا ستكون ردة فعله لو راى سياسي العراق الحاكمين فيه. اذ لم يجمع اي سياسي اخر من العالم اجمع مثالب وعيوب كما جمعه سياسيو العراق من رئاسة الجمهورية او الوزراء او البرلمان الى رجال الدين والقضاء والاعلام. انهم في عمومهم ليسوا عملاء للاجانب فقط وليسوا خونة الوطن والدين فقط وليسوا سراق ومزورين فقط انما خربوا ودمروا البلاد وقتلوا وعذبوا العباد وهتكوا اعراض الناس واشاعوا الطائفية النتنة. ثم يحسبون انهم يحسنون صنعا.
الا يحق لنا نحن العراقيين في مثل هذه الاحوال الماساوية. ان نقوم بثورات اقوى بكثير من الثورة الجزائرية او الفيتنامية او الفرنسية او البلشفية. ماذا يغنى عنا لعن السياسة والسياسين امام اشباه الرجال واشباه النساء من شلة مجرمين ظلمة. اذا ما سببتهم وشتمتهم تضاحكوا فيما بينهم. ثم يقولون في قرارة انفسهم ضد الاحرار من شعبهم كما قال قوم لوط لنبيهم ولآله “اخرجوا آل لوط من قريتكم انهم اناس يتطهرون”.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here