عودة من بدأ: العملية السياسية تدمّر الدولة العراقية

عودة من بدأ: العملية السياسية تدمّر الدولة العراقية

منذ الاحتلال الغاشم واعوانه الشعوبيين الطائفيين التكفيريين العنصرين. الذين جعلوا من العراق بلد فاشل مدمر اشعلوا فيه النار وسفكوا الدماء واشاعوا الفوضى على نطاق واسع. لقد مر ويمر العراق بمراحل تخريب وتدمير متعمدة شملت كل المرافق الحيوية لبلدنا. من القطاع النفطي الى القطاع المالي والقطاع الاعماري الى الجانب العسكري فالقطاع الصحي والتعليمي. اما القطاع السكاني الديمغرافي فقد تمزق تآلف الشعب الى درجات خطيرة بالتوازي مع تضييع حضارته الانسانية العريقة. ضييع العراق اذن هويته تماما. بات هو البلد الوحيد في العالم على الاطلاق لا طعم له ولا لون ولا رائحة.
فيما يتعلق بالقطاع النفطي فقد الغت حكومة الاحتلال سيطرة الدولة على هذا القطاع الاساسي لحياة العراقيين. فالغت شركة النفط الوطنية لصالح شركات امريكية ووسطاء غير وطنيين. فباتت واردات النفط تحت هيمنة الشركات ودخولها الى الخزينة يمر عبر بنوك عالمية. بات العراق فيه كانه يستجدي من تلك الشركات لدفع الرواتب كل شهر ولا يدري متى تقع الواقعة.
هذه السمسرة العالمية كان لها الاثر الكبير على تخفيض العملة الوطنية العراقية الدينار. اذ فقد حوالي 20% من قيمته امام الدولار. مما اضعف القدرة الشرائية للمواطن الذي يعاني اصلا من ضعف قدرة وارداته امام الغلاء المتصاعد للبضائع الداخلة الى العراق.
اما البنية التحتية الضعيفة اصلا فطيلة الثمانية عشر عاما اهملت تماما ومعها قطاع الاعمار. حتى ان موسسات الدولة لم تجدد وتصان كما يجب. اعتمدت الحكومة على ما بنته العهود السابقة ولم تعمل الدولة اي شي لاصلاح او تجديد قطاع الكهرباء والماء المتهالك.
لقد انهارت ايضا المنظومة الصحية تماما ودخلت الخصخصة المتوحشة حتى على صحة وحياة الناس. فبات اغلبية الشعب يصرفون اموالهم على قطاع طبي فقد الاخلاق. لا يهتم افراده سوى مصالحهم الانانية في الربح السريع. انشاءت مافيات بين الاطباء والمختبرات الصحية والصيدليات لجنى ارباح طائلة على حساب آلآم المواطن.
ان الجانب الخطير في الامر ان هذا النظام اجهز على ما تبقى من قوة النظام التعليمي. الذي يعتبر نافذة المستقبل لصنع جيل جديد ينبغي ان يلحق ببقية الامم وتطورها السريع في عالم لا يرحم الجاهل. لقد تحولت حتى الجامعات العريقة الى اوكار طائفية تثار فيها الخزعبلات واستئصال الاخر. الكليات الاهلية اصبحت في كل مكان تنشر الجهل. لا تقدم علوم رصينة واصيلة ولا تتبع اي معايير مهنية على المستوى العالمي. انما فقط اسست للربح المادي السريع.
اما القطاع العسكري فقد نال حظا كبيرا من التدمير والتخريب المتعمد اذ حل الجيش العراقي واستعيض به بمليشيات طاثفية تكفيرية ولائية لايران. تحمى الحكومة والاحزاب الطاغوتية الحاكمة وتنشر الرعب ضد العراقيين لاسباب طائفية او كيدية او حتى ابتزازية.
لكن الاخطر من هذا وذاك زرع الشقاق والنفاق وسوء الاخلاق لدى ابناء الشعب الواحد. يتقدم العراق سريعا نحو تمزق مجتمعي ليس له نظير في التاريخ. فدشن منذ اوائل عام 2006 عمليات تطهير طائفي زرعت الاحقاد والضغائن. ومزقت هوية العراق العربية الاسلامية المعتدلة. لينحرف منذ ذلك الوقت نحو تبني هويات فرعية متخلفة واسلام لا ينتمي الى الاسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصلنا في نهاية المطاف الى حكومة تعمل المستحيل وبصورة سريعة لتحطيم وتدمير الشعب العراقي بمساعدة فعالة من الاحتلال الامريكي وايران. حكومة تجتهد لخدمة شركات النفط الامريكية عرفانا منها للجيش الامريكي هو الذي منحها السلطه اثر غزوه العراق. حكومة تفتح حدودها على مصراعية للاجانب لاستيراد بضائعها بدون ضرائب وتفسد المنتجات العراقية المحلية. حكومة تدفع الاموال لمصر والاردن وغيرها وشعبها يموت جوعا. ثم تأتي بعمالة غير متخصصة لتساعد اقتصادهما. علما بان العطالة في العراق تزيد عن 40%. حكومة خيرها للاجانب لكن شرها على شعبها فلا توفر لهم اقل الخدمات واهمها كالطاقة الكهربائية. ولا تقدم مساعدات لتشجيع المنتوج المحلي. حكومة اوقدت حروب طائفية وقبلية وارهابية على طول العراق وعرضه. اضافة الى شيوع الغش والخداع والسرقة ومساومة العوائل لابتزاز اموالها. مع تحويل البلد الامن الى بلد تجري على ارضه مطاردات سياسية طائفية عشائرية طبقية.
انه مشهد سريالي لا نراه في العالم اجمع سوى في العراق. فعندما نرى الرئاسات الثلاثة تعمل كل ما في وسعها لارضاء امريكا وايران والسير وفق ما يرسموه لوطننا تشم رائحة الخيانة. فرئيس الدوله العراقية سبق ان صوت لاستقلال كردستان عن العراق. لكنه مع انفصاليته لصالح اقليته القومية يصبح رئيسا للبلاد يامر امريكي. اين الوطنية عندما نرى رئيس الوزراء قبل ايام يحضر عرضا عسكريا لمليشيا الحشد التي توالي ايران بصورة علنية وتاتمر بامرها؟ او اينها ايضا عندما يدافع رئيس البرلمان عن مصالح تركيا وايران والامارات مع الاستقواء بامريكا؟ حكومة العراق لا تدافع عن شعبها وتركته للاقدار ومؤامرات الاجانب وبات لا يفكر بمصالحه احد. في حين تطالبه حكومته بالدفاع عنها وعن مصالح اسيادها الاجانب. ثم حشرته في اتون حروب ارهابية صنّعت من قبل القوى الكبرى. حروب يراد لها ان تحصد اكبر عدد ممكن من الناس وتدمر اركان وقواعد العراق. اخيرا ان شعبنا في نظر قادته ليس الا قطيعا تتلاعب في مقدراته القوى الاقليمية والعالمية.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here