لماذا يعادي رجال الدين العلمانية ؟

لماذا يعادي رجال الدين العلمانية ؟ (*) بقلم د. رضا العطار

لماذا يقف رجال المؤسسة الدينية الاسلامية هذا الموقف المعادي والشديد من العلمانية ؟

سؤال يطرح كل يوم ولكننا نجد جوابا عقلانيا واقعيا وشافيا عنه.

هناك اسباب عدة لعداء رجال الدين للعلمانيين، تشمل فيما تشمل تفسيرهم الشخصي ايضا لمعاني العلمانية منها :

1 – ان للمؤسسة الدينية الاسلامية منافع اجتماعية ومالية وسياسية كثيرة من ربط الدين بالدولة، وهم من خلال ربطهم بين الدين والسياسة يهدفون الى ان يصبحوا جزءا من السلطة – ومن المنافع المادية التي تنتفع بها. وقد تحقق لهم ذلك خاصة في بعض دول الخليج. وهذا الوضع كان موجودا في الدولة العربية القديمة. فكما ان الامبراطور البيزنطي استولى على المسيحية واستخدمها لصالحه فكذلك فعل الخليفة في الاسلام بدءا بمعاوية والى اخر سلطان عثماني والى يومنا هذا – وكما نشات في المسيحية مؤسسة دينية تحالفت مع السلطة وعملت لدعمها وشاركتها المال والهلال كذلك كان الامر في الاسلام منذ بداية العهد الاموي وحتى الان.

ولذا فان فصل الدين عن الدولة يشكل تهديدا كبيرا للمؤسسة الدينية، كما يشكل تهديدا للمؤسسة السياسية التقليدية كذلك – فهذا الفصل بين الدين والدولة – فيما لو حصلت المعجزة وتمّ – انذاك يُحيل رجال الدين الى حملة شموع ومباخر ويتحولون الى مواطنين عاديين يعانون من الفقر والاهمال وفقدان الوجاهة الاجتماعية والحرمان من السطوة الثقافية والسطوة السياسية التي يتمتعون بها الان. وبعد ان كانوا وما زالوا من اولي الامر جنبا الى جنب مع الامراء، كما قال ابن تيمية من ان (العلماء والامراء هم اولو الامر ) وهكذا اصبح فرسان الحلبة في العالم العربي والاسلامي الان اما من العسكر واما من رجال الدين – واصبح الكوادر تتخرج اما من الكليات العسكرية اومن المعاهد الدينية.

2 – يقول بعض رجال الدين من ان الذين تولوا ترجمة كلمة العلمانية من المعجم الاوربي الى العربية، لم يفهموا من كلمتي (الدين) و (العلم) ما يفهمه الغربي المسيحي منها – وان الدين والعلم في مفهوم الانسان الغربي متضادان متعارضان – فما يكون علميا لا يكون دينيا وما يكون دينيا لا يكون علميا – فالعلم والعقل يقعان في مقابل الدين والعلمانية والعقلانية في الصف المضاد للدين.

ولكن ما تفسير الشواهد التالية في العالم الغربي المسيحي وفي العالم الاسلامي التي تشير كلها الى تعارض فقه رجال الدين مع العلم وتضاد العلم لهذا الفقه، وان كل واحد منهما يسعى لالغاء الاخر.

– لماذا ما زالت بعض المدارس والمعاهد العلمية التي تشرف عليها الكنيسة في الغرب وخاصة في امريكا تمنع تدريس سائر النظريات العلمية التي فيها رائحة معارضة لتعاليم الدين وخاصة نظرية التطور لداروين التي تدرس في معظم الجامعات الاوربية اليوم، اذا كان لا تضاد بين فقه الدين والعلم ؟

– لماذا ما زال كثير من المدارس في العالم العربي تُحرّم تدريس الكثير من النظريات العلمية التي تعارض نظرية الخلق التي جاءت في القرآن، وعلى راسها نظرية التطور والنشوء لداروين في البيولوجيا ونظريات فرويد في علم النفس، اذا كان لا تعارض ولا تضاد هناك بين فقه رجال الدين والعلم ؟

ونحن هنا نقول فقه رجال الدين وليس فقه الدين نفسه لان رجال الدين هم الذين يحرمون الكثير من المحللات، ويحللون الكثير من المحرمات.

ومن هنا فقد ضجّ المسلمون وضاقوا بهذا كله وتاهوا التيه الاكبر في خضم التفاسير المتضاربة للقرآن، مما اضطر بعض الدعاة المتنورين الى الدعوة الى وقف تفسير القرآن والغاء سائر التفاسير السابقة والاكتفاء فقط بما هو موجود وكان على راس هؤلاء الدعاة جمال البنا، شقيق حسن البنا مؤسس حركة الاخوان المسلمين عام 1926 وزعيمها الحالي الذي اكد ضرورة الغاء تفاسير القرآن التي تقوم به المؤسسة الدينية وتطرح من خلالها افكارا ووجهات نظر، قوله :

( ان الاسلام ليس بحاجة الى من يدافع عنه. فالقرآن باق وثابت، والله تكفل بحفظه. كما اننا نرفض تفسير القرآن، لان تفاسير القرآن اساءت اليه اساءة بالغة وحجبت دوره وجوهره من ان يصل الى النفوس – – – والرسول عليه السلام كان يدعو الناس الى تلاوة القرآن وليس الى تفسيره، والقرآن افسدوه بالتفسير.

* مقتبس من كتاب (سجون بلا قضبان) د. شاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here