ثقافة التغيير :

 بقلم ( كامل سلمان )
لاحظت من الناس من يهاجر الى بلدان اخرى تاركا بلده الام باحثا عن حياة افضل وأكثر أمانا واستقرارا في دول الغرب مبتعدا كليا عن الشرق واسيا وافريقيا ، وعندما ينال ماكان يسعى اليه ويستقر ويستقوي عوده يقوم بإعادة هيكلية العادات والأفكار التي كانت سببا في تركه بلد الولادة والنشأة ويصبح اكثر حرصا عليها حتى من الذين شردوه في ليلة سوداء بل الأكثر من ذلك يسعى الى توسعتها وفرضها على المجتمع الجديد مستغلا المساحة من الحرية  التي اتيحت له لأول مرة في حياته ولم يتذوقها من قبل متناسيا ان تلك الافكار لا تعمل الا في عقول مثل عقله متوهما بإنه يحمل رسالة الى العالم الجديد وناسيا بإن تلك الافكار ازاحته عن موطن الأباء والأجداد ثم يبدأ تدريجيا بوضع حاجز كبير بينه وبين تلك المجتمعات التي اساسا جاءها متوسلا طالبا الرحمة والعطف ثم يبدأ صراعه مع الذات ويبدأ صراعه مع الأبناء الذين يندمجون مع ثقافة المجتمع الجديد من خلال المدارس وينتهي به المطاف بالعزلة والفشل فينقل صورة الى ذويه في بلد النشأة عن جحيم الحياة في الغرب متسترا عن تمرد الاولاد على افكاره جملة وتفصيلا .
ان ثقافة التغيير اصعب شيء يواجهه الإنسان الجاهل ويعتبرها موتا مبكرا لدينه وشرفه ووجوده ورغم ذلك يبحث عن حياة افضل مع بقاء هذه الثقافة في عقليته ظنا منه بإن التغيير هو ثوب خارجي وطلاء للزينة وحالة للتباهي والتفاخر ، وهكذا وبنفس العقلية خرج الملايين من الناس الى الشوارع مطالبين بالتغيير دون ان يغييروا ما بأنفسهم ضد من ، ضد من يحمل نفس افكارهم التي سببت لهم كل هذه المآسي والالام ، لذلك لا تستغرب ان تنتهي مطالبهم الحقة والباطلة بنفس الوقت الى الفشل الذريع مع اعداد كبيرة من الضحايا والمعاقيين الذين اندفعوا بعاطفة جياشة دون ان يتغيير اي شيء من الواقع .
الحقيقة التي يجب ان يقف عندها اي انسان عاقل هو ان التغيير لا يحصل الا بوجود حركة فكرية ناضجة تتمرد على الواقع المرير ، وهذه الحركة الفكرية يتم بناءها بشكل صحيح في ذات الإنسان بعد ان يتم تحطيم البناء القديم المتأكل وازالته من الوجود الداخلي للأنسان وتنظيف الارضية التي بنيت عليها في دواخلنا وهذا مالا يمكن تحقيقه او الوصول اليه في عقول مسخت تماما ، تلك العقول هي المادة الاساسية لمجتمعاتنا وهي العنصر الأساس في حركة الحياة في مجتمع يكاد يكون المتعلم اكثر جهلا من الانسان البسيط .
الثقافة التي تولد في رحمها الارهاب والقتل والجوع والفقر والحرمان من ابسط متطلبات الحياة ، تولد في رحمها طبقة السادة والأولياء وطبقة المستضعفين أصبحت عزيزة على قلوبنا وفراقها صعب في مشهد لم يعهد لها التأريخ مثيل . اما التخلص منها انتحار ، فتارة نلوم الغرب على ما آلت اليه اوضاعنا وتارة نلوم اسرائيل ودول الجوار وتارة اخرى نلوم انفسنا ثم نلوم الرب وندور هنا وهناك ولا نتجرأ ان نضع اليد على مكان الجرح ونعلنها صراحة هنا مكان العلة ، هنا سبب كل الالامنا ومرد ذلك الموروث الفكري الذي غزا عقولنا لمئات السنين واستحكمت حلقاته في دواخلنا ، هذا الموروث اصبح ابعد الاحتمالات التي نفكر بها او على الاقل نعزوا اليها الجزء الأكبر من ويلاتنا لأنها خط أحمر لايمكن الاقتراب منه او الولوج اليه لأننا غير مؤهلين لهذا المخاض العسير ورغم ذلك نطالب بالتغيير . اي تغيير هذا الذي نبحث عنه ، هل نريد ان نقنع أنفسنا بأن قمة الجبل يجب ان تهبط الى القاع لكي نتسلقها ، قناعاتنا هذه لا تفضي الى شيء ولن تجلب لنا سوى المزيد من التشكي والالم والمزيد من الخسارة ، ولقد جربنا كثيرا وخسرنا كثيرا ومازلنا نجرب ونخسر والجاهل يعثر بنفس الحجر الف مرة .
ان الحياة بطبعها تتغير والإنسان الطبيعي بطبعه يتغير مع متغيرات الحياة ومن يرفض ان يتغير سيجد نفسه خلف الركب وكلما مر عليه الزمن أصبح اكثر بعدا عن المتغيرات وسيدفع ثمن تأخره ورفضه والثمن يكبر مع الأيام مع العلم ان الانسان لقادر عقليا وذهنيا وجسديا ان يلتحق بركب الحياة بمجرد ان تكون له إرادة حرة ، اما الإصرار على البقاء ساكنا فهذه حالة غريبة . فلينظر كل منا الى نفسه هل هو نفسه انسان ماقبل التأريخ هل هو نفسه انسان قبل الف عام هل هو نفسه انسان قبل مائة عام ، لماذا تغير من قبل ولماذا يرفض ان يتغير الآن ، تلك التغيرات التي حصلت في تأريخه كانت تغيرات فكرية وعقلية ولم تكن تغيرات شكلية ، فلماذا الآن يتوقف وهو جزء من حركة الحياة ، فهل كان الأنسان القديم اكثر ادراكا لحاجته الى التغيير ، مالذي ادى الى الانجماد والتيبس الفكري العقيم ، هذه حالة مخالفة لطبيعة الإنسان ويجب تحريكها الى الامام وتوقف الزمن شيء مرفوض مهما وقف بالضد منها اعداد من المجرمين والمنتفعين ، فاليوم يتوقف الزمن وإذا جاء يوم غد ونحن بنفس الانجماد والتوقف فإن زوالنا سيكون حقيقة حتمية وليس وهما او خيال . نعم ان فكرة زوالنا كمجتمع ممكنة بكل المعايير الإنسانية والأخلاقية خاصة ونحن ندخل مرحلة جديدة من التأريخ الكل فيها ينظر الى نفسه والى مصالحه الخاصة فلا أحد سيبكي علينا ولا أحد سينظر الينا او يبالي بما يصيبنا فالحمل حملنا والوجع وجعنا ، فمالم نسارع الى تغيير انفسنا بحثا عن حياة تليق بنا كبشر مثل باقي البشر ونغير كل الأوليات التي اوقعتنا في هذا المستنقع العميق فلن تقوم لنا قائمة .
مستقبلنا ومستقبل اجيالنا مرهون بما نقرره نحن وما نقرره هو ان لا نرضى بهذه الذلة مهما ساندتها الشرائع والتقاليد والموروثات السيئة ، فلتذهب جميعها الى الجحيم اذا سقطت قطرة دم بريئة ، ولنصحو من هذا السبات الطويل وعندما تتغير افكارنا ومفاهيمنا للحياة ستتساقط كل مقومات الواقع المتخلف واحدة تلو الاخرى دون تضحيات ودون الخروج الى الشوارع ، فلقد جربنا كل شيء ولم نجرب ماهو صحيح ولم يبقى امامنا الا ان نجرب الشيء الصحيح الذي كنا نخشاه وقد حان وقته ، فما كنا نخشاه بالامس اصبح هو الحل ، فلنبادر اليه ولنخلع ثوب الخزي ونلبس ثوب الحرية هذا الثوب الذي مكن الانسان من اعتلاء ناصية العز والتقدم ونحن أحق بها .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here