رحلة الإلهة إنانا إلى العالم السفلي

بقلم : عضيد جواد الخميسي                                                                             

نزول إنانا الى العالم السفلي ؛ هي قصيدة سومرية يعود تاريخها إلى عام ( 1900-1600 ق.م) . حيث تؤرخ قصة “إنانا” ملكة السماء و الإلهة العظيمة في رحلتها من السماء إلى الأرض ، وصولاً إلى العالم السفلي أو عالم الأموات ؛ وذلك في زيارة لأختها الأرملة ” إريشكيگال ” ملكة الموت . تبدأ القصيدة بمقطعها المشهور :

من السماء الشاسعة ؛ هي سمعت الأرض الواسعة

من السماء الشاسعة ؛ الإلهة سَمعت الأرض الواسعة

من السماء الشاسعة ؛ إنانا سَمعت الأرض الواسعة

(و ولكستين – كريمر ص 52)

ثم تستمر القصيدة في وصف نزول إنانا إلى العالم السفلي مصطحبة معها خادمتها ومستشارتها المخلصة والأمينة ”  نينشوبور “، في جزء من رحلتها إلى الأرض .

ملخّص القصة

ترتدي إنانا أجمل ثيابها وتضع تاج السماء فوق رأسها ، والقلادة حول رقبتها ، و تلبس رداءها المرّصع بالجواهر، و خاتمها الذهبي ، ومن ثمّ تحمل صولجانها ، وعصا القوّة في يدها .

قبل دخولها عالم الأموات ؛ تعطي إنانا إرشاداتها إلى خادمتها نينشوبور ، وتشرح لها سبل مساعدتها إن فشلت في العودة مثلما كان متوقعاً . وعند وصولها إلى أبواب العالم السفلي ؛ تطرق إنانا بصوت عال طالبة الدخول .

يسألها “نيتى” قائد الحرس : من تكون ؟، تجيب إنانا :” أنا إنانا ، ملكة السماء”. يسألها نيتي مرة أخرى : لماذا ترغبين في الدخول ؟”هذا المكان لا يعود منه ، كل من قدِمَ إليه “. أجابت إنانا :

بسبب أختي الكبرى  إريشكيگال

مات زوجها گوگولانا ؛ ثور السماء ، وجئت لأعزّي

وأحضر طقوس الجنازة

( و ولكستين ـ كريمر ص 55)

طلب منها نيتي في البقاء حيث هي ،  ريثما يذهب للتحدث مع إريشكيگال .

عندما نقل نيتي الأخبار إلى إرشگيگال ، من أن أختها إنانا تنتظر عند الأبواب ، كان ردّ فعل ملكة الموت قد بداغريباً :

” لقد ضربت فخذيها ، وعضت شفتيها . و حملت الأمر في قلبها وأقفلت عليه ” (و ولكستين و كريمر ص 56) .

لا يبدو أن إريشكيگال كانت مسرورة لسماع خبر حضور أختها عند البوابة ، وتجلّى استيائها أكثر ؛ عندما تخبر نيتي في اغلاق البوابات السبع للعالم السفلي بوجه إنانا ، على أن يسمح لها في الدخول لبوّابة واحدة في كل مرة ، ويطلب منها إزالة واحدة من كسوتها الملكية عند كل بوابة . فعل نيتي كما أمرت به إريشكيگال  . عند كل واحدة من البوابات السبعة ، تجردت إنانا من تاجها ، قلادتها ، خاتمها ، صولجانها ، وحتى ملابسها ، وعندما سألت إنانا ؛ نيتي : لماذا هذه الإهانة ؟ أخبرها :

الهدوء ؛إنانا ؛ سُبل العالم السفلي مُحكمة

لا يجب التشكيك فيها

( و ولكستين ـ كريمر ص 58 ـ 60)

تدخل إنانا قاعة عرش أختها إريشكيگال “عارية مطأطأة الرأس ” ، وتتوجه في سيرها نحو كرسي العرش ، فجأة :

حاصرها آنونا ، قضاة العالم السفلي

وأصدروا حكماً ضدّها

ثم رمت إريشكيگال على إنانا ، “عين الموت “

والتي أصدرت ضدها عقوبة الآلهة

“كلمة الغضب”

تلفّظت بها ، “صرخة الذنب “

ضربتها

تحولت إنانا إلى جثة هامدة

قطعة من اللحم المتعفن

وعلّقت بخطّاف على الحائط

(و ولكستين ـ كريمر ص 60)

بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال وخادمتها في الانتظار، تتبع نينشوبور الأوامر التي أعطتها إياها إنانا ، وتذهب إلى الإله “إنكي ” والد إنانا للحصول على المساعدة ، فيخصص اثنين من الـ “گالا ” ( عفاريت شرسة وشريرة ) ، واثنين من العفاريت الخنثية ، لمساعدتها في إعادة إنانا إلى الأرض . تدخل الـ (گالا ) إلى العالم السفلي “مثل الذباب” ، اتباعاً لتعليمات إنكي الصارمة ، حتى أصبحوا قريبين جداً من إريشكيگال . وكما يبدو ان ملكة الموت كانت في محنة :

لم يكن هناك أردية  كافية تغطي جسدها

كاشفة عن ثدييها

شعرها ملفوف حول رأسها مثل الحشيش

( و ولكستين ـ  كريمر ص 66)

بعد ذلك ، تستمر القصيدة في وصف ملكة الموت (إريشكيگال ) التي كانت تعاني من آلام المخاض . تتعاطف الـ (گالا) مع معاناة الملكة ، وهي على استعداد ان تقدم لها أية هدية تطلبها ، وبكل ممنونية .

حسب أوامر وخطة الإله إنكي ، كان مطلبهم من إريشكيگال :

“نتمنى لو تعطينا فقط الجثة التي تتدلى من الخطاف على الحائط” ( و ولكستين ـ كريمر ص 67) .

 لبّت إريشكيگال رغبتهم ، ثم قام جميع الـ (گالا) باحياء إنانا ملكة السماء من الموت ، بعد أن قدموا لها طعام وماء الحياة .

كما في أسطورة “ديميتر و پيرسيفون” اليونانية ؛ فالذي وطأت قدمه عالم الأموات لا يمكن مبارحته بسهولة. وبالتالي يجب العثور على شخص بديل لإنانا يقيم في العالم السفلي . بسبب ذلك ؛ فإن عفاريت گالا التابعة الى العالم السفلي ، قد رافقت إنانا إلى سطح الأرض للمطالبة ببديلها .

في بادىء الأمر حاول العفاريت مع “نينشوبور” خادمة إنانا ، ثم مع أبناء إنانا ، “شارا” ، و”لولال” ، وأيضاً مع مساعدتها في التجميل ” كارا” . لكن إنانا منعت الـ ( الگالا) الإقتراب منهم ، لأنهم كانوا يرتدون ثياب الحزن ، وهم في حداد على موتها الظاهر .

عندما استنجدت إنانا بعشيقها “دوموزي” ، وإذا به “يرتدي ملابسه الزاهية ، بكامل حلّته الجميلة ، جالساً على عرشه المهيب ” ، شعرت إنانا بالغضب منه ، لأنه كان على عكس الآخرين ، فهو لم يكن مهتماً لأمرها ، كما لم يحزن عليها ، عندئذ أمرت إنانا العفاريت في القبض عليه.

ناشد دوموزي إله الشمس “أوتو” وطلب مساعدته ، ثمّ تحوّل إلى ثعبان في محاولة الهروب ، لكن بعد المطاردة قُبض عليه ، وُنقل إلى العالم السفلي . عند ذاك تطوعت أخت دوموزي ” گيشتنانا ” لتحلّ محل أخيها  ، فتقرر أن يقضي دوموزي نصف السنة في العالم السفلي ، و گيشتنانا في النصف الثاني منه. كما هو الحال مع أسطورة “ديميتر وپيرسيفون ” ؛ عندما تم تفسير حصول الفصول الأربعة .

ولكن لماذا علينا أن نستعين بأسطورة طويلة وعريضة ، لمجرّد التبرير في تغير المواسم؟!!

 التفسير الحديث

أتاحت تلك القطعة الشعرية للكتّاب والقرّاء المعاصرين ؛ كمّاً هائلاً من التفاسير لاستنباط معانيها . فأخذ هؤلاء الكتّاب يطبقون مفاهيم نفسية وعلى وجه التحديد ” النظرية اليونغية ـ كارل يونغ ” ( دمج الوعي و اللاوعي في علم النفس التحليلي Analytical psychology ) لاستيعاب معاني القصيدة ؛ باعتبارها أسطورة نموذجية عن الرحلة التي يجب على كل شخص القيام بها للوصول إلى درجة الكمال .

إنانا في هذه القصيدة الشعرية ، كما يقول التفسير النفسي ؛ ليست ” شخصية كاملة ” حتى أنها تبدو ضعيفة لتموت قبل ” نصفها المظلم ” ، ومن ثم تعود إلى الحياة مرة أخرى .

في نهاية القصيدة يؤكد هذا التفسير ؛ من ان إنانا خلال نزولها إلى العالم السفلي ؛ تخلّت عن جميع أفكارها السابقة ، وأصبحت في مواجهة مع “ذاتها ”، من وفاتها وحتى ولادتها من جديد . إنانا الآن كاملة ومدركة تماماً لما يدور من حولها بسبب تلك التجربة .

الكتّاب الذين قاموا بترويج تلك المفاهيم كثيرون ، لدرجة أن تسميتهم ليس له معنى . أي قارئ لذلك العمل الأدبي القديم (رحلة إنانا إلى عالم الأموات) ، سوف يدرك هذا التفسير بسرعة !

ساعدت الأمثلة النموذجية لـ “كارل يونغ ” وأدواته التنويرية في فهم الأساطير القديمة لدى القرّاء المعاصرين (لا سيمّا من خلال مؤلفات الميثولوجي الأمريكي جوزيف كامبل ) ، . وإذا كان هناك اتفاق أو تباين ؛ يجب أن يُراعى في تفسير النصوص : الالتزام الدائم بمحتوى النص نفسه ؛ ومعرفة تفسير الكلمات الموجودة في النص ؛ وترتيب تلك الكلمات ؛ وطريقة التوصيف والحوار . ومهما كانت وجهة النظر اليونغية الحديثة لـ ( نزول إنانا ) ، مثيرة للاهتمام  ومتنورة  ؛ إلاّ أن النصّ لا يثبتها !!

من بين الأخطاء الفادحة الأخرى في تفسير النصّ وفق تلك النظرية ؛ لا يضع في اعتباره السطور الأخيرة من القصيدة ، وهو يتجاهلها تماماً ؛ في حين لها أهمية بالغة في العمل الأدبي لتقييم شخصية إنانا المتناقضة ، وذلك عندما تكيل المديح إلى” إريشكيگال ” ، وليس لـ “إنانا ” :

إريشكيگال المقدّسة ! عظيمة هي شهرتك !

إريشكيگال المقدّسة ! أنا أنشد للثناء عليك !

 (و ولكستين ـ كريمر ص89)

القصيدة تنص بوضوح على نيّة إنانا في رحلتها إلى العالم السفلي ؛ لحضور مراسم جنازة زوج شقيقتها . تلك الزيارة الخاصة الغير المرغوب بها والتي أثارت استياء شقيقتها إريشكيگال ؛ كانت سبباً في صدور حكم الموت بحقها، ومن ثمّ قتلها من قبل شقيقتها بنفسها ؛ من خلال “كلمة الغضب” ، و “صرخة الذنب” ، و “الضربة ” المميتة . بعد ذلك يتم تعليق إنانا على خطاّف ، و وصفت  بأنها ” قطعة من اللحم المتعفن”. تستمر القصة بسرد التفاصيل عن كيفية إنقاذ إنانا من قبل والدها الإله إنكي ، و كيف زُجَّ شخصان ، ” دوموزي وگيشتينانا “في الأحداث ، والاثنان لم يكن لهما أي علاقة بقرار رحلتها الى العالم السفلي ، فينتهي الأمر بهما بدفع الثمن غالياً .

إذا كان القارئ على دراية بملحمة گلگامش السومرية ( 2150-1400 ق.م) ، فإن معرفة  دور إنانا يمكن فهمه بسهولة أكبر في سياق وثقافة بلاد الرافدين القديمة .

في تلك الملحمة ؛ بعد أن قَتل بطلاها ” گلگامش وإنكيدو ” ؛ الوحش “همبابا ” في غابة الأرز ؛ فإن شهرتهما قد أصبحت واسعة .

بعد ان نظّف گلگامش جسده واغتسل ، وارتدى ملابسه الملكية ، جذب انتباه إنانا ( في الملحمة عُرفت باسمها الأكدي / البابلي ـ عشتار ) . هنا تحاول إنانا إغواء گلگامش ليصبح عشيقها ، فهي وعدته بكل الأشياء الجميلة ؛ لكن گلگامش نفرها ؛ مستشهداً بالعديد من عشاقها السابقين والذين تخلصت منهم الواحد تلو الآخر ، لأنهم لم يعودوا مهتمين بها ، و ماتوا جميعهم في نهايات سيئة. إذ قال لها :

” لقد وجَدكِ عشّاقكِ وكأنكِ نحاساً يشتعل في البرد ، وباب خلفي لا يمنع  صراخ الرياح ولا العاصفة ، والقلعة التي تسحق الحامية ، والقار الذي يُسوّد حامله ، و قشرة الماء التي تخدش ناقلها . ” (ساندرز ص 85)

بعد ان واجه إنانا بمقدار البؤس الذي عانوه عشّاقها على يديها ، اختتم گلگامش قائلاً:

 “وإذا أنا وأنت صرنا حبيبين ، ألا يجب أن أخدمك بنفس الطريقة التي خدمك بها جميع أولئك الذين أحببتيهم قبلي ؟ ” (ساندرز ص-87) .

عند سماع إنانا هذا الكلام ؛ تقع في “غضب مرير” ، وتناشد والدها الإله “أنو” (كما فعلت نينشوبور مع إنكي في قصة النزول) مع البكاء والنحيب ؛ بسبب الإهانة التي وجهها گلگامش اليها . كانت إجابة أنو لإنانا : أنها لم تحصل إلا على ما تستحقه ، وذلك بسبب “سلوكها البغيض”(ساندرز، ص 87).

إنانا التي لم تكن تهدأ بأي حال من الأحوال ؛ قد طالبت والدها في أن يبعث ثور السماء ” گوگولانا ” زوج شقيقتها الكبرى ” إريشكيگال ” الى الأرض، كي ينتقم لها من گلگامش . ثم أخذت تهدده في حال لم يُلبى طلبها هذا ؛ بأنها ستلجأ الى كسر أبواب العالم السفلي لتبقيها مفتوحة .

“سيكون هناك ارتباك وفوضى بين الناس الذين هم فوق الأرض ، ومن هم في أعماقها السفلية. سأقيم الموتى ليأكلون طعامهم مثل الأحياء ؛ حينئذ ستكون أعداد الموتى تفوق أعداد الأحياء ”(ساندرز ،ص 87) .

وافق أنو في أن يبعث لها ثور السماء إلى مدينة أوروك  لتحطيم گلگامش . “ينفخ ثور السماء في الأرض ؛ فتتشقق ؛ وتبتلع مائة من الرجال الشباب حتى الموت. مع النفخة الثانية ؛ تشققت الأرض فابتلعت مائتين من الرجال الشباب حتى الموت ”(ساندرز ،ص 88).

ثم انضمّ كل من گلگامش ، وصديقه إنكيدو إلى المعركة مع ثور السماء  فيقتلانه . أظهرت إنانا شدة غضبها من على أسوار أوروك ، مما دفع إنكيدو إلى قطع فخذ ثور السماء الأيمن وإلقائه بها .

“هذا التجاوز من جانب بشر لا يمكن أن تتقبله الآلهة أبداً ، وكان قرارهم ؛ أن إنكيدو يجب أن يموت؛ كي لا يعتدّ أي من البشر بنفسه أكثر مما ينبغي . بعد أيام معدودات ؛ أُصيب إنكيدو بمرض ، ومن ثم مات .” (ساندرز ص 88-95).

تفسير أوضح

إنانا التي لم تُظهر أي اعتبار لمشاعر أختها ، ولا اهتمامها بالثلاثمائة شاب بريء الذين قتلوا بسبب نزواتها ؛ عندما قررت أن تحضر جنازة زوج شقيقتها ، والتي هي كانت المسؤولة عن وفاته .

بمجرد أن يدرك القارئ ؛ من أن إنانا كانت سبباً في وفاة زوج شقيقتها إريشكيگال ؛  فإن ردّة فعل ملكة الموت عند سماع وصولها على أبواب مملكتها ؛ أمر مفهوم للغاية.

قرار القضاة بحق إنانا ، وموتها على أيدي إريشكيگال ، و”كلمة الغضب” ، و “صرخة الذنب” ؛ كانت ردود فعل منطقية للغاية .

في ظل هذا السياق ؛ حيث واجهت إريشكيگال بشكل مباشر؛ الشخص المسؤول عن حزنها العميق ، والذي زاد من شدته ؛ هو حملها وولادتها الوشيكة لطفل ليس لديه أب .

كما هو الحال في ملحمة گلگامش ؛ فإن إنانا كانت قادرة على التلاعب بشخص مثل والدها الإله ” أنو ” في الحصول على ما تريد ، و بسبب انانيتها وغرورها ؛ مات زوج شقيقتها ثور السماء ، وإنكيدو صديق كلكامش ومعه ثلاثمائة شاب . علاوة على ازدراء عشيقها  دوموزي وشقيقته گيشتنانا وتقييد حريتهما ، بينما هي عادت إلى الحياة ، وكأن شيء لم يحدث !.

هذه الحكاية من الأدب الرافديني ؛ عندما يسمعها شخص من الماضي القديم ؛ قد تأخذه بعيداً في معانيها “رحلة رمزية للذات في البحث عن الكمال ”، وهي الدرس القائل “بأن هناك عواقب وخيمة لكل ما يفعله المرء”، وإن ذلك قد يتم عزاؤه ؛ بسبب أشياء سيئة قد تحصل مع الآلهة وكهنتهم ، والنتيجة تنعكس على البشر بسرعة .. وقد يردد هذا الشخص متسائلاً ؛ لماذا يجب أن يكون مصير البشر بائساً على الدوام ؟؟

في بلاد الرافدين القديمة ؛اعتبر البشر أنفسهم شركاء مع الآلهة في تنظيم شؤون الحياة ، وأن الآلهة يعيشون في وسطهم . حيث كان سكن إنانا في مدينة أوروك ، وإنكي في أريدو ، وهكذا بقية الآلهة . لم تكن الآلهة كائنات بعيدة ؛ بل إنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع الحياة اليومية لأهل الأرض ، وما يؤثر على الإله سيؤثر حتماً على هؤلاء الناس وبشكل مباشر . فقد كانت الفكرة القديمة عن الآلهة أنهم يتباينون في المقاصد تجاه البشر ، فلو أن أحد الآلهة كانت نواياه حسنة مع البشر، إلاّ أن إلهاً آخر؛ يمكن أن يحبط أي أمل يتمناه الانسان  .

هناك إشادة صريحة بـ “إريشكيگال ” في نهاية الملحمة الشعرية ؛ بسبب سعيها إلى العدالة في قتل إنانا . إذ لا يمكن إنكار حقيقة العدالة مهماً كان ؛ حتى لإلهة مثل إريشكيگال صاحبة السلطة العليا في عالم الأموات ، وهذا من شأنه قد يخفف من وجع الظلم اليومي ، وخيبات الأمل التي يتعرض لها الناس عند سماعهم لتلك القصة .

رحلة إنانا الى العالم السفلي ؛ هي قصة أحد الآلهة كان يتصرف بشكل سيء . أمّا الآلهة الأخرى ومعهم البشر ، قد عانوا من هذا السلوك الخاطئ . لذا فإن هذه القصة قد نقلت نفس  المفاهيم القديمة من المتلّقي في العالم القديم إلى الإنسان في عالمنا الحديث .

على سبيل المثال ؛ متى ما حصل حادث مأساوي ناجم عن إهمال شخص ما ، أو بسبب تصرّف مسيء له ؛ فإنه كثير من الأحيان يكون القضاء والقدر حاضراً . عند ذاك ؛ ستكون الحياة قاسية جداً ، وغير عادلة أبداً ! .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جيرمي بلاك ـ الأدب السومري القديم ـ مطبعة جامعة أكسفورد ـ 2006 .

صموئيل نوح كريمر ـ السومريون : تاريخ ، ثقافة ، شخصية ـ مطبعة جامعة شيكاغو ـ 1971 .

جويندولين ليك ـ اختراع المدن في بلاد الرافدين ـ بنجين للكتاب ـ 2003 .

دايان و ولكستين ـ صموئيل نوح كريمر ـ إنانا ملكة السماء والأرض ـ هارب بيرنيال للنشر ـ  1983 .

نانسي ساندرز ـ ملحمة گلگامش ـ بنجين كلاسيك ـ 2003 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here