وادي النيل وشقيقه وادي الرافدين يستغيثان فهل من مجيب ؟!

وادي النيل وشقيقه وادي الرافدين يستغيثان فهل من مجيب ؟!

احمد الحاج

العالم كله يقف اليوم موقف المتفرج ازاء معاناة كل من وادي النيل وشقيقه وادي الرافدين وهما يستغيثان ويغنيان “عطشان يا صبايا، دلوني على السبيل !” وكأن عطشا وجفافا وتصحرا ماكان ولم يكن،وكأن مفهوم، أو لنقل حلم ، أو مخطط الكيان الصهيوني المسخ ببناء دولة ما يسمى بـ اسرائيل الكبرى الممتدة من وادي النيل الى وادي الفرات بزعمهم استنادا الى نص توراتي محرف أبعد عن سياقه تماما ليترجم لاحقا وتلوكه الالسن خطأ على نحو “ولما تجلى الرب على إبراهام، منحه الأرض المقدسة من النيل إلى الفرات” قد صار أمرا واقعا يجب التعامل معه بجدية على انه وعد سماوي ، بل ويكاد هذا العالم الصامت بموقفه المريب واللامسؤول والمثير للدهشة ،أن يفصح لنا بلسان حاله اكثر من مقاله بأنه جزء لايتجزأ من تلكم المؤامرة برمتها، وأعني بها مؤامرة أزمة المياه وحروبها القادمة لامحالة ” .
هكذا وفي انعطافات تأريخية غير مسبوقة ومن دون مقدمات ولا حسابات ولا خطط ولا برامج ولا مشاريع حقيقية تذكر ،واذا بدول المنبع تسخر من دول المصب وتضطهدها في أعز ما تملك من مشاع اتفقت الاعراف والشرائع والاديان والامم والشعوب على انها ملك مشاع يشترك فيه الجميع من دون استثناء اسوة بالهواء “الماء والكلأ والنار” الموجودة في الطبيعة،واذا ببروتوكولات الدول المتشاطئة وتقاسم المياه تصبح حبرا على ورق في ازمة مياه عالمية واقليمية تحتاج الى وقفات ومشاريع وخطط خمسية وعشرية جادة ومثمرة بعيدا على البيروقراطيات والانتهازيات والاجندات ، وعدم التوقف عند حدود البكاء ، ولا الاكتفاء ببرامج التوك شو والتصريحات والتهديدات وتبادل الاتهامات واطلاق الاستنكارات التي لاتسمن ولا تغني من جوع مجتمعة !
فبعد ازمة سد النهضة وتلاعب اللعين الاثيوبي المتنصر ابي احمد ، بمستقبل وادي النيل وكل من مصر والسودان من خلال سد النهضة المشبوه بما يهدد بالعطش اكثر من 150 مليون انسان اضافة الى تصحر وجفاف الاف الهكتارات الزراعية ، واذا بتركيا وايران تلعبان نفس الدور مع وادي الرافدين حتى ان اطلاقات ايران من مياه انهر” الكرخة والكارون وسيروان ” بلغت صفرا في الايام الاخيرة ما دفع العراق وعلى لسان وزارة الموارد المائية الى الكشف عن الاتي ” لقد تحدثنا مع إيران وتركيا للاتفاق على بروتوكول تقاسم المياه، إلا إننا لم نحصل على إجابة حتى الآن”، مضيفة ، انه “لايمكن أن تبقى الأمور بدون اتفاق بشأن الاطلاقات المائية مع الدول المتشاطئة ولابد من اللجوء الى المجتمع الدولي من أجل تقاسم الضرر واطلاق حصة العراق المائية حسب المواثيق الدولية” واعجب اشد العجب من هذا التصريح المتأخر جدا فهذه مصر والسودان قد لجأتا الى المجتمع الدولي ومجلس الامن فما الذي صنعه لهما ؟ لقد اعادهما صاغرين بخفي حنين الى الاتحاد الافريقي المفلس كليا ، وهذا الاتحاد الهزيل لوحده قصة وعلى قول البغادة “رجل دجاجة ما يحل ” ، او على قول اهلنا في الجنوب العراقي ” ظل البيت لمطيره ، وطارت بيه فرد طيره ” ، ولكأنني بدول المنبع ترد متهكمة على دول المصب ” هذا الموجود اغاتي ، يعجبك اهلا وسهلا ، ما يعجبك الطخ راسك بأقرب سد ، او ارسل وفدا الى مصر والسودان لاقامة مجلس عزاء مشترك للبكاء على الاطلال والانهار والخلجان وعلى ما كان يسمى قديما بالوديان – وادي النيل ووادي الرافدين ، والمايعرف تدابيره ، دجلته وفراته تعزي وتبكي …نيله ، اييييييه !” .
الكارثة انه وفي فصل الشتاء ومواسم الامطار والفيضانات وفي كلا الواديين لايصار الى تخزين المياه التي تغرق قرى بأسرها تحسبا للصيف القائظ ، لايصار الى حفر القنوات ، الى حفر الابار الارتوازية ، الى استثمار المياه الجوفية ، لايصار الى بناء الخزانات والاحواض المائية العملاقة ، الى استحداث البحيرات الصناعية ، الى بناء سدود داخلية ، مجرد مياه متدفقة هائلة تأتي من هاهنا لتذهب هدرا الى هاهناك ، بينما الجماهير المكتظة على حافة الانهر تلتقط السيلفيات لنشرها على الصفحات التي تزدحم بصور الفيضانات وغرق القرى والمدن الحدودية مصحوبة بمقاطع فيديو تيك توكية وانستغرامية وتعليقات ونكات ومسجات فيسبوكية ، وتغريدات تويترية ، لما يسمى بالناشطين العراقيين على مواقع التواصل مشفوعة بالضحك والتهكم والتنكيت المحلي المعروف وهههههه ، خخخخخ ، هئ هيئ هيء ، لأن العراقي تماما كالطيور المهاجرة يرقص – تويست وبريك وماكارينا – من شدة البؤس والحزن والضيم والالم !
معظم العراقيين يتذكرون رائعة السينما العراقية الواقعية فيلم ” الظامئون ” الذي تناول الصراع بين النقيضين في الملمات والظروف الصعبة كالجفاف مثلا ، فبينما كان فريق يناضل من اجل الصمود في الارض والعمل على احيائها وانقاذها بحفر الابار الارتوازية بحثا عن الماء الصالح للشرب ومياه السقي بعد جفاف النهر ، ترى فريقا اخر في نفس القرية يدعو الى هجر الارض العطشى والنزوح الى المدينة هربا بدلا من بذل الجهد واعمال الذهن في البحث عن المياه لتجاوز الازمة وخطر الموت عطشا ، فيما ترى فريقا ثالثا يكتفي بالسخرية من الفريقين ويركن الى الدعة والاستكانة بلا قرار ولا عزيمة بإنتظار ما ستؤول اليه الامور ليقول للغالب ” شبيك لبيك ، عبدك بين ايديك ” ، الا ان الفيلم وبرغم شهرته وواقعيته قد وقع في اشكالية عدم تحديد الزمان والمكان من جهة ، واشكالية عدم بيان اسباب ودوافع ومقدمات هذا الجفاف واذا ماكان قضية اقليمية لها محرضات قومية ، أحقاد تأريخية ، محركات جيو سياسية ، اطماع عسكرية ، ام ان مردها الى كوارث طبيعية ناجمة عن قلة الامطار وانخفاض مناسيب الانهار ، ولعل صراع الاصناف الثلاثة ” الجادون المثابرون المناضلون ..المخذلون المئيسون المثبطون ..الجبناء المستكينون المتذبذبون ” ما تزال قائمة فينا الى يومنا في تعاملها مع كل القضايا المصيرية المحيقة بالبلاد والعباد من كل حدب وصوب ، والتي تتقافذها ارادات ومصالح دول بعيدة وقريبة ..وووالهجر- على قول سليمة مراد – وووالغدر – على قول كاتب السطور – مو عادة غريبة ، لا ، ولا منكم عجيبة ، أعرفت من هذا طبعكم ، كلمن ايردة حليبه !
ولله در شاعر النيل حافظ ابراهيم القائل :
لم تَنْـأ عنهُ – النيل – وإن فارَقْتَ شاطِئَهُ … وقد نأَيْـنـا وإنْ كُـنّـا مُـقيـميـنا!
وقول الجواهري في دجلة :
يا دجلةَ الخير يا نبْعاً أفارقُهُ …على الكراهةِ بين الحين والحينِ
وقول الرصافي في دجلة والفرات :
لا دجلة ياللرزية دجلة بعد ..الرشيد ولا الفرات فرات
حقا وكما جاء في الامثال العراقية الشعبية ” كل الجِمال تعارك الا جَملنا “طابك على صفحة “وبالرمل بارك !
فهذه روسيا قد كان لها موقف مخز حين هددت كل من مصر والسودان بعواقب استخدام لغة التهديد في قضية سد النهضة، اما عن موقف الصين المتراخي جدا وغير المبالي تماما من خطر سد النهضة على كل من مصر والسودان في جلسة مجلس الامن الاخيرة ودعوتها – اي الصين – لحل المشكلة بالتفاوض ومن خلال الاتحاد الافريقي فقظ. فله ما له من خفايا لايعلم بها كثيرون لعل من ابرزها وكما تسنى لي الاطلاع عليها ومعظمها ليس سرا وجلها منشور سابقا الا انه لم يحظ بالمتابعة العربية المطلوبة لإنشغال العرب بصراعاتهم الداخلية فيما بينهم كالعادة ، ان الصين تسهم مباشرة وعبر شركتين صينيتين عملاقتين حكوميتين في بناء سد النهضة حاليا وقد اوكلت للصين حصرا مهمة مد خطوط الكهرباء الى كل انحاء اثيوبيا بمجرد الانتهاء من بناء السد وبداية انتاج الطاقة الكهرومائية منه ، ولأن حجم قروض الصين الى اثيوبيا تبلغ 15 مليار دولار …لأن قيمة الاستثمارات الصينية في اثيوبيا تبلغ 3 مليارات دولار ، ولأن حجم الصادرات الصينية الى اثيوبيا يبلغ 4 مليارات دولار سنويا …ولأن اثيوبيا قد اوكلت الى الصين حصرا مهمة بناء 6 سدود اخرى جديدة غير سد النهضة موضع الخلاف ، ولأن الصين تبني حاليا اطول خط سكة حديد تربط بين اديس ابابا وقاعدة الصين العسكرية البحرية الاكبر في العالم في جيبتوتي المجاورة والتي سيطرت عليها الصين تماما …لأن اثيوبيا اكبر مستورد افريقي للسلاح الصيني !
عندما اطلعت على هذه الارقام المهولة والحقائق الصادمة المنشورة كما اسلفت في العديد من الصحف والمواقع الرصينة ذهلت لأن اضواء الاعلام العربي الفاشل جدا اسوة بالسياسة العربية الافشل، انما يسلط الضوء فقط على الاتفاق النووي الايراني ، وقال روحاني وهدد ترامب ، قال بايدن وتوعد النتن جدا ياهو ، قال رئيسي واضاف رئيسك، تركز على اخبار الفنانين والفنانات الاحياء منهم والاموات ، تركز على تفاصيل الحفلات ، وعلى احدث الموبايلات ، وعلى آخر الموضات والصرعات ، تشدد على فضائح الممثلين والممثلات ، فيما التنين الصيني قد زحف على افريقيا كلها ويكاد ان يكون قد ابتلعها بالكامل حاليا ولم يتبق له سوى اميال قليلة ليدخل الى العالم العربي فيبتلعه كله من المحيط الى الخليج ..وحقا ما قد قيل سابقا ” المتغطي بأميركا عريان وبطران ، والمتغطي بروسيا جوعان وعطشان ” .
ومع كل ما ذكر فسيتم توريط مصر بإرتكاب غلطة ضرب السد ” وغلطة الشاطر بـ 1000″ ..لماذا ؟ لأن اثيوبيا انما تجر مصر حصرا – السودان لاقيمة لها في كل هذه المعادلة بل على العكس فالسودان مستفيدة الى حد ما من سد النهضة من حيث الكهرباء ، ومن حيث درء خطر الفيضانات السنوية عن اراضيها والتي كانت تمنعها من زراعة الاف الدونمات داخل اراضيها اضافة الى تهجير مئات الالوف وغرق عشرات القرى سنويا – اقول ان المتضرر الوحيد والحقيقي هي مصر فقط وستظل اثيوبيا تماطل لحين جر مصر الى ضرب السد بضغط الجماهير وبهدف مبيت خلاصته ” اضغاف مصر وجيشها واخراجها من المعادلة كما اخرجت الجمهوريات القوبة السابقة ، سورية ، ليبيا ، العراق ، اليمن ، السودان ” ولم يتبق غير الجزائر بجيشها القوي وهذه ستجر من خلال فخ الصحراء المغربية والصحراء الليبية …! وبذلك يسدل الستار على الجمهوريات العربية ولا يتبقى غير الملكيات التي – لاتحل ولا تربط – ! اودعناكم اغاتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here