السياسة الخطابية

السياسة الخطابية

للأسف الشديد في أوقات كثيرة نستمع الى البعض من السياسيين وهم يتحدثون بدون أي هدف لتحديد الأمور التي يراد تحقيقها لأنها تفتقر الى اسلوب المحادثة التي تقنع المخاطب والتي تتطلبه ثقافة خاصة تجذب المستمع على ان لا تكون تحمل أهداف صغيرة تخدم هدفاً مرحلياً وإن الواقع المعاصر يتطلب من العقلاء جميعاً أن يعززوا الخطاب الإيجابي في مجتمعاتهم، ما يحفظ الاستقرار، ويصون السلم العالمي، وينزع فتيل التعصب والطائفية والتطرف ولا يحاول الخطيب من خلاله تسلق سلم الديمقراطية تارة، وسلم العلمانية تارة، وسلم الليبرالية أخرى، وتلبس أقنعة دينية وترفع شعاراتها تارات أخرى، فمثل هذه الخطابات و المحادثات لا تعني للسامع من شيء اذا لم تكن تحمل معنى ويتحملها العقل ونجاح أساليب الخطاب لا تبنى بالهوامش والعواطف ، ونوافذ انتشاره وسيطرته، يمكن ان نلمسه من خلال شخص درس أساليب الخطاب وفقه بالسياسة ويكون هوالسبيل للنجاح في جذب مئات الالاف من المتابعين على ان لا يكون عطفياً وبعيد عن الموضوعية وتشارك المواطن بصدق معاناته وحاجاته، ، ولن تنفع اذا لم تكن تضر وستبقى حبراً على ورق و يحاول ويجرّب الإنسان الطموح لتطوير ذاته بتدريب نفسه بنفسِه على التحدّث أمام الجمهور بطلاقةٍ وسحرٍ وجاذبيّةٍ بعد التعلم ودراسة هذا الفن وهذه القدرة تأتي من المعرفة والممارسة، كما أنّها تكون مَلَكة أو موهبة موجودة في الشخص وهو بدوره يطوّرها وينمّيها ، اما اذا فقد الخطيب هذه الخاصية فلاشك سوف يكون فاشلاً، والخطابة السياسية من أصعب فنون الخطابة؛ لأن حركات الأمة هي نتيجة مد وجزر يولده سيطرة الأفراد ، أو الجمهور على الأفراد، فيتبع الخطيب هذه الأمواج آمرًا في القوم أو خاضعًا لرغائبهم، فلا هو واثق بالنجاح ، ولايائس منه كل اليأس.

والخطابة تعرف “كلّ ما يشتمل على كلام أو كتابة يتمّ التفنّن بها لتغمر وجدان السامع،وعندما يُقال خَطَبَ الناس وفيهم وعليهم، أي ألقى عليهم خُطْبة، وخَطب خَطابة، أي أنّه صار خطيباً، أما ( الخَطَّابة ) فهي صيغة مبالغة وتدلّ على ان الشخص كثير الخُطبة، والخطيب هو حسن الخُطبة”.يسعى البعض جاهدين على مدار يوم حياتهم ليصنعوا لأنفسهم اسما ذا شأن من خلال الخطبة إلى الآخرين بهدف إقناعهم بفكرة أو رأيٍ معيّن ليساهم في كسب تأييدهم في هذا الرأي المطروح او ذاك ،دون الاهتمام بالأصول التي يجب ان يسلكها، وقد أسست المجتمعات وأنشئت معاهد لتطوير هذا الفن وإتقانه أقسام خاصة الخطابة وفن الإلقاء في المدارس والجامعات تعلم الناس قواعد هذا الفن وكيفية الوصول إلى تحقيق الهدف بإقناع المستمعين واستمالتهم. تعتبر الخطابة أثرًا من آثار الرقي الإنساني ومظهرًا من مظاهر التقدم الاجتماعي، ولهذا عُنِيَ بها كل الشعوب، واهتمت بها كل الأمم في كل زمانٍ ومكانٍ، واتخذتها أداةً لتوجيه الجماعات، وإصلاح المجتمعات وان مخاطبة الجمهور فن ومهارة تأتي بالفطرة مع الإنسان ويمكن تعلُّمها بالتدريب المستمر، والجدير بالذكر أنَّ مخاطبة الناس لإقناعهم هو أحد أقدم الفنون،

إننا نعيش في عصر الانفتاح الإعلامي الذي أدى إلى انفتاح اجتماعي وفكري عريضين ، وأصبحت قوة الخطاب وجاذبيته والتزامه بالمنهجية العلمية من أهـم أدوات التأثير الفكري وقد تطوَّر مع تطوُّر قدرات الإنسان وتطوُّرالعصور إلى أن تحول في عصرنا الحالي إلى علمٍ قائمٍ بحد ذاته، ولها اهمية فنية في مخاطبة الجمهور . الخطابة هي عملية أو فعل إلقاء أمام جمهور بشكل مباشر. ويُفهم إلقاء الخطب أمام الجمهور عموما على أنه أمر رسمي، يكون وجهاً لوجه أمام الجمهور يخاطب فيه شخص واحد مجموعة من المستمعين. كان فن الخطابة يشكل جزءا من فن الإقناع وفن إيصال المطلب .

ويمكن توظيف الخطابة في تحقيق أغراض خاصة، كالأخبار والإقناع والتسلية.كما يمكن أيضا استخدام أساليب وطرق وقواعد مختلفة حسب سياق الخطاب و فلم تعد هناك حدود لدى الشباب، إذ أصبح يقرأ كل شىء، ويؤمن بأى شىء، ويحتقر أى اتجاهات. ومع كونه فى مرحلة بدائية فى الثقافة، إلا أنه سرعان ما يتبنى بعض الاتجاهات المعاصرة: فهناك من تستهويه أفكار معينة وتؤثر فيه قبول ما هو يعتقده، ويرفض ما هو الاخر والشباب اليوم يختار طريقه بنفسه، غير متأثربالقوى الظاهرة أو الخفية ،و يمكن تقسيم مهارات الخطابة الى ثلاثة اقسام، حيث يعدّ فن الخطابة أحد أهم الفنون التي تقدم المعلومات للناس ، تهدف إقناعهم كلامياً اوكتابياً، وهو فن يشمل تقديم كلام او كتابة بأسلوب فني يغمر وجدان السامع، و قوة تنطوي على القدرة في إقناع الناس وهي نوع من أنواع المحادثات التي ترتبط بشكل وثيق مع الجمهور، وتتأثر وتؤثر بهِ، فهو فن يقوم بمخاطبة الجمهور لكي يؤثر فيهم ويعمل على استمالتهم، ويستخدم وسيلة التحدث شفهياً مع المستمعين بشكل أساسي.ان المتحدث دون ان يعتني بما يصدر عنه اعتناءاً شديداً ،او يختار عباراته انتقاءاً دقيقاً ، ويحرص حرصاً كبيراً على أن يخرج كلامه بدقة وإتقان فلا يكون مقبولا دون ان ينفع سامعيه ويسد – قدر الطاقة لديه – في غلق منافذ الخطأ ، ومع ذلك كله لن يسلم أحد من الخطأ مهما بلغ حرصه ، و المتحدث الذي يملك الجرأة والشجاعة على مراجعة أقوال ، يوضح ما استشكله الناس عليه ، ويعترف بخطئه إن كان ثمة خطأ فهو يدل على نجاحه . لاشك ان الكلمة سلاح ذو حدين، يمكن أن تبني أوطاناً، وتخلق إنجازاً، وتنشر خيراً وتسامحاً واستقراراً، ويمكن أن تهدم وتدمر وتضر، والخطاب الإيجابي من أهم خصائصه أن يسعى لتحقيق المصالح والمنافع للبشر، وجلب السعادة لهم، في أنفسهم وأسرهم ومجتمعاتهم وأوطانهم، وفي علاقاتهم بالمجتمع الإنساني، فكل ما ينافي ذلك مما يجلب المفاسد والأضرار فهو خطاب سلبي، وهذه النظرة الاستشرافية، التي تدرس مآلات الأمور ونتائجها وتُمعن في عواقبها ذات أهمية كبرى، وهي تساعد صُناع الفكر على اختيار الخطاب المناسب، الذي يعزز الإيجابيات ويعالج السلبيات،ومن الخطابات السلبية الخطاب الاستفزازي المنفلت البعيد عن الأسس العلمية والقواعد والمسلمات ، وخطورته تكمن في تهديم الأمن، وضرب نسيج المجتمع من الداخل، وخلق ردود فعلية منفلتة وخطيرة على الفرد والمجتمع، إذ لكل فعل منفلت ردة فعل منفلت مثله

عبد الخالق الفلاح

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here