ثقافة المرأة العربية عبر التاريخ، يكتبها الشاعر نزار قباني !

ثقافة المرأة العربية عبر التاريخ، يكتبها الشاعر نزار قباني ! د. رضا العطار

هذه باقة من الدراسات الحديثة في الثقافة العصرية، تخص عالم المرأة العربية، يكتبها الشاعر نزار قباني، انشرها بغية اثراء الفكر والارتقاء المعرفي بين ابناء الوطن !.

يقول المؤلف : قرأتُ كتاب الأنوثة حرفا حرفا، ولا زلت اجهل ماذا يدور براس النساء.

فالتاريخ يؤكد لنا بان الحضارة الفرعونية والحضارة الاسلامية قد تقدمتا عبر دورهما الانساني الكبير، لانهما كانتا حضارتين اعطتا المرأة (مركزا شرعيا) اعترفت به الدولة بان للمرأة في الاسرة حقوقا. تشبه حقوق الرجل فيها، ولا تتوقف عند حسن النية من جانب الأباء والابناء والاقربين.

اما الحضارات الاخرى فكل ما نالته المرأة فيها من مكانة مُرضية إنما كانت تناله ببواعث عاطفية على حاليها من حميد وذميم.

ففي شريعة (مايو) الهندية كان مقضيا على المرأة بان تموت يوم موت زوجها، وأن تحرق معه على موقد واحد، وظلت هذه الطقوس الهمجية سارية المفعول حتى القرن السابع عشر، اذ منعت من قبل المستعمر البريطاني.

وفي شريعة حمورابي كان مقام المرأة مثل الماشية المملوكة، وكانت هذه الشريعة تفرض على من قتل بنتا لرجل آخر، ان يسلمه بنته ليقتلها، او يملكها اذا شاء ان يعفو عنها.

وفي الحضارة اليونانية القديمة كانت المرأة لا تملك الحرية ولا المكانة فيما يتعلق بحقوقها الشرعية. وقد خلت مجالس الفلاسفة من جنس المرأة، ولم تشتهر منهن امرأة نابهة – الى جانب الشهيرات من الغواني او من الجواري الطليقات. فكان (ارسطو) يعيب على اهل (اسبارطة) كونهم يتساهلون مع نساء عشيرتهم – – ويعزو اضمحلال وسقوط اسبارطة الى هذه الحرية، اي الاسراف في اعطاء المرأة حقوقها.

وفي الحضارة الرومانية كان الرومان يعاملون المرأة كما يعاملها الهنود الاقدمون – – فكانت المرأة هي الضلع القاصر في المجتمع، وظل هذا الشعار في الدولة الرومانية سائدا على مدار التاريخ.

اما الحضارة المصرية القديمة فقد انفردت من بين الحضارات القديمة بأكرام المرأة وتخويلها حقوقها الشرعية التي تقترب كثيرا من حقوق الرجل – – فكان لها ان تملك وان ترث وان تتولى امر اسرتها في غياب من يعولها – – ودامت للمرأة هذه الحقوق على ايام الدول المستقرة بشرائعها وتقاليدها، تضطرب مع اضطراب الدولة وتعود مع عودة الطمأنينة لها.

ثم جاء الاسلام بحقوق مشروعة للمرأة، لم يسبق اليها دستور او شريعة او دين.

فقد رفع الاسلام المرأة من المهانة الى مكانة الانسان المعدود من ذرية آدم وحواء، بريئة من رجس الشيطان. ولعل اعظم الحقوق الشرعية التي كسبتها المرأة في القرآن الكريم لاول مرة في التاريخ الانساني، انه رفع عنها لغة الخطيئة الابدية ووصمة الجسد المرذول – فكل من الزوجين قد وسوس له الشيطان واستحق الغفران بالتوبة والندم.

ومع تراجع التطبيق الاسلامي في العالم العربي في القرون الماضية وفي القرن العشرين على وجه الخصوص، تراجعت مكانة المرأة عما كانت عليه في صدر الاسلام.

فمثلا. اصبحت المرأة في هذه القرون، مصدر الكيد والفتنة وسبب العلة والمسؤولة الاولى عن الخطأ – وقيل لها (انك رُضعت وابليس من ثدي واحد).

هكذا عاد المجتمع العربي الى سيرته الاولى، ايام الجاهلية.

ولا تزال المرأة في انحاء كثيرة من العالم العربي محرومة في الواقع من حق توارث الارض وتملكها – – ولا تزال عرضة لجرائم الشرف والزواج دون موافقتها والعقاب حين لا تتقيد بالتقاليد المتبعة.

انها في الوقت الحاضر تستمد مكانتها الخاصة في الوطن العربي ليس من مسؤوليتها في العمل الانتاجي بل من كونها أمّا وأبنة واختا – – ولكنها مثل الارض، رمز للخصب تعطي اكثر بكثير مما تأخذ. وفي الاذهان انها تحصد وتجني، انما ليس لنفسها.

وكما حرمت المرأة من المسؤولية والاجور لقاء اعمالها في البادية والقرية – ربما فاق حرمانها في المدينة، رغم ما اسبغ على المرأة من مظاهر التحرر.

فكانت نساء الطبقات الفقيرة وما زلن يعملن لقاء اجور زهيدة. اما نساء الطبقات المتوسطة فقد تكاثرن في سلك التعليم والادارات الخاصة والعامة – – اما نساء الطبقة الغنية فكن وما زلن مترفهات دون مشاركة في الانتاج، منصرفات للتسلية والرياضة والسفر وتبادل الزيارات واقتناء الجواهر والازياء الحديثة ورموز الثراء.

وفي معظم الحالات، المرأة هامشية في مراكز النفوذ السياسي والنشاط الحرفي والتجاري والعبادي – – ثم ان عملها خارج المنزل هو امتداد لعملها داخله، فيغلب عليه طابع الخدمة كما في التعليم الابتدائي والتمريض والحياكة والخياطة وحفظ المواد الغذائية.

*مقتبس من كتاب المرأة، اللعبة، ضوؤها الشاعر لنزار قباني، تأليف شاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here