تجربتي مع الفكر الشيوعي الماركسي

[email protected]

بقلم لقمان الشيخ

البداية كانت في خمسينات القرن الماضي
كنت في فترة تطلعي للمعرفة والجديد
من نتاج الفكرالذي بدأ يعم صفوف الطبقة
المثقفة في العراق,وقدانتسبت للدراسة
في معهد الفنون الجميلة في بغداد والذي
كان يظم عدداكبيرامن الطلبة الذين حملوا الفكرالشيوعي ,
وكانوا يعتبرون طليعة الشعب العراقي ,
وكذلك أشهرالشعراء والكتاب,تبنوا
هذا النهج,واعتبروه الفكرالذي يجب
حمله ونشره لبناء ) وطن حر,وشعب سعيد (
هذا الشعارجذبني واستهواني, وقررت ان اتبنى هذا النهج,بايمان وقوة,رغم علمي ,وادراكي أن ذلك قد يسبب لي مشاكل جمة,وخصاما مع السلطة الحاكمة التي
كانت تعتبره تحديا لحكمها,حيث
كانت قد جرت مظاهرات واعتقالات لعدد من
المشاركين فيها وزجهم في السجون
والمعتقلات
وفي 14 تموز,فرحنا بمااعتبرناه ثورة
ضد الحكم الملكي,وتحريرا للعراق من الاستعمارالبريطاني,لكني وفي دواخلي استنكرت عملية التصفية الوحشية للعائلة,من قبل النقيب عبدالستارالعبوسي,لكنه ندم بعدها,ودخل في ازمة نفسية حادة,من حالة تأنيب الضمير,وكان طيف الملك الشاب يلاحقه ليل نهار,وبيده الراية البيضاء ونسخة من القران معلنا الاستسلام والرضوخ الى اوامرالحركة,ومع ذلك اطلق عليه وعلى كل من تجمعوا من سكان قصرالرحاب وابلا من الرصاص ارداهم جميعا.
وفي النهاية لم يستطيع الهروب من تأنيب الضميروالشعورالعميق بفضاعة الامر,فاتخذ قرارابمعاقبة نفسه واطلق على راسه الرصاص ومات منتحرا.

وبعد سيطرة الحزب الشيوعي على مقدرات
البلد بمساعدة الزعيم عبد الكريم قاسم
أصبحت عضوارفي الحزب
الشيوعي العراقي,وبدأت في الدعاية
له,والاتصال بالاهل والاقرباء والاصدقاء من اجل كسبهم الى الحزب من اجل ان
يزداد عدد أعضاءه ومناصريه , بعدها
كلفت كمسؤول عن النشاط الثقافي في مقر
الشبيبة الديمقراطية في مدينة الموصل ,
وكنت حينها معلما لمادة الرسم في مدينة
تلعفر,وكان ذلك من حسن حظي,لانه جنبني المشاركة,أوحتى مشاهدةألأحداث التي جرت في مدينة
الموصل من قتل رهيب,والتمثيل بجثث المناصرين للعقيد عبدالوهاب الشواف,والتي قام بها الغوغاء,في ماعرف بحركة الشواف التي وقعت في 9اذار 1959

وبعدها بقليل سمعت عن خبرترشيحي للدراسة
ضمن برنامج منظمة
الشبيبة الديموقراطية العالمية,والتي كانت تخصص لاعضاء الحزب وتسهيل امردراستهم في احد البلدان الاشتراكية,وقد اخترت بلغاريا,تاثرا بما قرأته من قبل احد من زاروها سابقا من الرفاق,والذي قال,ان بلغاريا,اما حديقة فيها بيوت,أو بيوت فيها حدائق.
وصلت صوفيا عاصمة بلغاريا في اخريوم من 1959,أي في فصل الشتاء,حيث كان البرد قارصا,والجوكئيبا,وقدغطت الثلوج طرقها وتعرت
أشجارها,لكن ذلك الوضع,لم يؤثرعلي نفسيا ,بل كنت اشعربفرح وسرورغامرين,كوني نجحت في تحقيق حلمي بزيارة هذاالبلد الجميل,لكن وعند توجهي الى مقراقامتي’
,فوجئت بأنه كان في بناية تشبه معسكرات الجيش!
وهي عبارة عن عمارة قديمة متهالكة,وفيها كان علي ان أقضي فيها سنين
دراستي الجامعية.
وعند وصولي الى الغرفة التي خصصت لي,كطالب اجنبي جاء ليدرس الفنون الجميلة,فوجئت بأنها عبارة عن غرفة صغيرة,حشرت فيها اربعة اسرة,شاركت فيها ثلاثة من الطلبة البلغار,وقد بدت
على وجوهم كل علامات الفقروالعوز,زعند دخولي الغرفة استقبلوني بنظرات الاعجاب,لما كنت عليه من شكل ومظهروهندام
لم أستطع إيجاد لغة
للتعرف عليهم ,والحديث معهم,لأن اللغة الوحيدة التي كانوا
يعرفونها, هي اللغة البلغارية والروسية ,
وكانت اللغة ألانكليزية التي يمكنني التفاهم من خلالها
غيرمتعارف عليها,ومع ذلك حاولت ان اتفاهم معهم لما لمسته من رغبة منهم
للتقرب الي,والتعارف معهم.
وعند بداية السنة
الدراسية,تعرفت على زميل في القسم الذي
نسبت للدراسة فيه,خصوصا عندما علمت من الاخرين أنه
من الطلبة الموهوبين ,لذا أردت كسبه
كصديق,انذاك كنت تعلمت مبادئ اللغة البلغارية ,
وحاولت التقرب اليه,واخبرته بأني أحمل مبادئ الحزب الشيوعي
وقدعرضت عن انتمائي أمامه,متصوراأنه يشاركني في
الرأي والعقيدة,فاجئني جوابه,عندما قال لي:انك اما
غبي,أوعميلامخابراتيا,انذاك اصابني جوابه بصدمة,لأني بالتأكيد لست عميلا مخابراتيا,لذلك فهويعتبرني غبيا,لأني احمل تلك العقيد بمحض ارادتي
وطبيعي انه لم يؤثرعلي,واعتبرتها رأيه الشخصي
بعد ذلك تعرفت على زملاء عراقيين منهم الاخ حميدمجيد موسى البياتي,والذي اصبح امينا عاما للحزب الشيوعي,وكذلك الصديق العزيزالمرحوم فرات محمد مهدي الجواهري,واخرين,كانوا في الحقيقة عونا لي على الغربة,
بقيت مصراعلى المبدأ الذي أمنت به حتى عام 1967عند قيام
الحرب بين جيوش الدول العربية ودولة
إسرائيل ,التي كانت نتيجتها أنتكاسة
وخسارة للدول العربية,وكنت اعاني من الحزن,بعد ذلك زارنا مندوب الحزب الشيوعي البلغاري,في مؤسسة لتصاميم ألاقمشة في مدينة صوفيا,ليحدثناعن تلك الحرب,وبعد ان تصورت وانتظرت
التضامن من شعب صديق,كانت صدمتي كبيرة
عندما بدأ القول,أن
الحرب كانت بين فريقين , فريق من جهلة
ومتأخرين فكريا وبين طرف مثقف في صفوفه
مجندين من أصول بلغارية,كان لهم الدورفي
النصرعلى جيوش الدول العربية التي وصفها
بالغباء وقلة الدراية وعدم اهليتهم لخوض هكذا حرب,ويقينا انه لم يكن
يعلم أن في صفوف الحاضرين مواطن من فريق
الجهلة والاغبياء,انذاك فاردمي وهممت بالردعليه,عندها نصحني زملاء لي في
المؤسسة يالتزام الهدوء,خوفا علي من عاقبتها
على عملي وإقامتي في بلغاريا,خصوصا انني كنت قد تزوجت من بلغارية,وخلفت ابنا منها,ولم اكن قادرا على العودة الى العراقولاني كنت محكوما غيابيا,منذ 1963,لذلك
أثرت السكوت وقبول نصيحة زملائي,لكنها
كانت صدمة حقيقية,وخيبة امل كبيرة,تركت آثارها السلبية على الفكر
الذي أعتبره مثالي وإنساني,وبدأت حينها مراجعة قناعاتي,والبحث عن الحقيقة.,في نهاية عام 1969,وبعد ان تأكدت من الغاء الحكم الصادر ضدي,توجهت الى العراق,في نيتي العودة نهائيا,العمل في وطني,وبدأت البحث عن
عمل ضمن أختصاصي في تصاميم األقمشة
زرت معملين لصناعة النسيج األاول في مدينة
الحلة والثاني في مدينة الموصل,لكني فوجئت بوجوب الحصول على موافقة امنية,فاستعنت بقريب لي
كان له علاقة بدائرة األامن في مدينة
الموصلووقد أستقبلوني بترحاب,واعلنوا انهم مستعدين لنسيان الماضي
لكن بشرط ان اعلن برائتي من الحزب الشيوعي
,انذاك سوف احصل على عمل ثابت
وأقامه مضمونة لي ولعائلتي,فضلت السكوت
وطلبت منهم التريث من اجل استشارة زوجتي,لكن في دواخلي لم اكن مستعدا لمثل هذه المساومة,ربما لاسباب اخلاقية,لذا قررت العودة السريعة إلى
بلغاريا.
لكن وحال وصولي زارني مندوب من الحزب
الشيوعي العراقي في بلغاريا يعلن تجميدي
من عضوية الحزب,وبسبب عدم بقائي العراق
والالتحاق بصفوف المقاومة فيه
هكذا بكل بساطة وبدون تحقيق,أوسؤال,عن سبب عودتي الى بلغاريا.
كنت مدركا ان ذلك السلوك قام به بعض الاعضاء من الكسالى وضعاف النفوس
نتيجة حسد ,لأني
أصبحت متقدما في مضمارالفن التشكيلي
ومجددا في زخرفة النسيج,ووجدوا في هذا الامرفرصة
لمعابتي,بعد ذلك جاء أحد أفراد البوليس
البلغاري مساء ,ومعه امرابطردي من بلغاريا,رغم اني متزوج من بلغارية,وعندي ابن منها!
ذلك الامرأثار
الرعب في نفوس العائلة,كان الامر قد صدر
من المنظمة الحزبية في مدينة صوفيا.
العمل الدنيء والظالم بحقي وحق العائلة
وبسبب هذا الموقف المحرج,سافرت الى ألمانيا,وفيها بجثت عن فرصة
للعمل,لكني فوجئت بصعوبة تعلم اللغة الالمانية,والتي كانت من اهم شروط العمل, وقررت العودة الى بلغاريا بعد ان نجح احد اقرباء زوجتي ,والذي كان له علاقة
مع مديرشعبة اقامة لأجانب,في الحصول على موافقة لتمديد
أقامي,لكن بقت سلطات الامن تتبع سيرة
حياتي , وفي يوم دعيت للقاء في مقر دائرة
أحوال الاجانب في المدينة,وعند وصولي
المقر,وجدت ثلاثة أفراد من القسم,وحال
وصولي بدء التحقيق معي عن سبب بقائي
ومقداردخلي الشهري ,ولماأجبتهم عن كميته,فوجئت بقولهم: انك تحصل على
مبلغ آخر,وهو إما عن بيع المخدرات,أوتبديل العملة
في السوق السوداء,هذه التهمة
الخطيرة أخرجتني عن سلوكي المعروف في الهدوء
إلى هياج وثورة على هذه التهمة الظالمة
بحقي , وقلت لهم في حالة من فقدان
السيطرة على نفسي نتيجة تلك التهمة الخطيرة
بحقي,اعطوني مسدسا,لانتحرأمامكم,لأني بريء من هذه
التهمة الظالمة
بعدها تحول مجرى الحديث,وتبين قصدهم الحقيقي من توجيه التهم واحراجي,حيث كانت تلك مقدمة ومحاولة
لكسبي لتأدية مهمة,حيث قالوا لي,أنك الوحيد
بين الطلبة العراقيين في بلغاريا الذي لم يتعاون معنا,لذا نأمل أن تكون مخبرا لنا ,
لكنهم في النهاية تركوني لحالي ,بعد ان يأسوا من امكانية تجاوبي معهم, و
خرجت ناقما على ذاك السلوك المعيب , لدولة
كنت أعتبرها حاملة لفكرأنساني,كما كنت قد تعلمت
من الحزب الشيوعي العراقي,والذي كان يردد هذا الشعار في
.نشراته الحزبية
لكن حين خضت التجربة على ارض الواقع تأكد لي أن هذا السلوك,يمثل حكما بوليسيا قمعيا,وان شعار وطن حروشعب سعيد تسبب عند تطبيقه بوطن سجن وشعب تعيس
,وكان من الطبيعي ان الشعوب لن ترضخ الى ابد الابدين,ونمت النقمة حتى انفجرت في عملية ثورة الالمان واسقاطهم لجداربرلين,بعدها تساقطت الانظمة الواقعة
في محيط شرق أوربا.والتي تهيمن عليها الاحزاب الشيوعية,ومنهاالحزب الشيوعي
البلغاري,ليجري الاحتفال
الجماهيري بزوال ذاك النظام,وأنا تحررت من التهديد بإجباري
على مغادرة بلغاريا التي تعودت العيش مع عائلتي
فيها,بل استطعت الحصول على الجنسية
البلغارية,بعد ثلاثون عاما,درست خلالها وعملت وتزوجت بلغارية وخلفت ولدا وبنتا
في النهاية,أبعث رسالتي للشباب الثائرفي
العراق,والذي حتمافي صفوفه شباب من الحزب
الشيوعي العراقي المتجدد,والذي لم يعد
عميلا,أومطيعا لطرف أجنبي يوجه,حيث عرضت تجربتي وسيرة حياتي والتي فيها عبر,ودروس قيمة من ارض الواقع,فليكن الشعار,نريد وطن هدفاواضحا ,وان لاتسمحوا بالمزايدات السياسية,فالعمل هو الاساس,و
بمناسبة حلول يوم 14 تموزوالذي اعتبرته ثورة
في سياق حديثي,وعملت تحت شعاره,قبل أن اتأكد من حقيقة الشعارات ومطلقيها,أعود بعد تلك التجربة لاقول,باني لم اكن مخطيء عندما انتسبت للحزب الشيوعي,وتأييد 14 تموز,لأن الانسان لايحاسب على قراراته التي يتخذها عن حسن نية وفي ضرف زمني وواقع ما,لكن التجارب كفيلة بوضع النقاط على الحروف,ولذلك اقول وبكل ثقة,وتصحيحا لاخطاء الماضي,باني اصبحت اليوم على قناعة تامة بأن
يوم 14 تموز كان أنقلابا دمويا,تسبب بكل
المصائب والكوارث التي عاناها الشعب
العراقي,التي لازالت تبعاتها تزداد سوءا,وخرابا بمرور
الايام.
لذا يجب أعتبار أنقلاب 14 تموز يوم
حداد سنوي

لقمان الشيخ

صوفيا , بلغاريا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here