الطب والشعر/ الأم والإرادة

الطب والشعر/ الأم والإرادة
د. حسن كاظم محمد
تمهيد: في ثمانينيات القرن الماضي، إبراهيم كان أحد مرضى عيادتي وعمره ثمان عشرة سنة. كان وحيداً لأهله ومدللاً. قررت والدته الحنون أن تحميه من ويلات الخدمة العسكرية واختارت لولدها وسيلة غريبة هي السمنة المفرطة. نفذت ذلك بكل إتقان من توفير الوجبات وأغراض أخرى لحين التوصل للهدف المنشود بوزن المائتين وخمسين كيلو غراماً. كان من عادته عند النوم أن ينام على ظهره رافعاً الجزء العلوي من جسمه متقلباً يميناً ويساراً بحذر وبمساعدة والدته. لكنه لسوء الحظ انقلب إلى الجهة اليمنى مرة بعنف مما أدى الى كسر ساعده الأيمن. ومع سمنته المفرطة بدأنا بمعالجة الكسر تحفظياً تفادياً التداخل الجراحي ومشاكله. مرت عدة شهور ولم تحصل عملية الالتئام، وحصلت قناعة لدى المريض وذويه بأن تجرى العملية جراحياً رغم صعوبتها. تم الاستعانة بوسيلة تثبيت داخلي (راسطة) سميكة وقوية وكانت تعادل عظم الفخذ عوضا عن الساعد. تم الأمر كما هو مخطط له، وشفي من معضلة الكسر وكانت الأم ملازمة له وتدعو له بالشفاء العاجل.
زارني بعد عشر سنوات في عيادتي الخاصة شاب وسيم أنيق الملبس معتدل القامة، وعرّفني بنفسه: أنا إبراهيم ذلك المريض جئت موفيا إلى طبيبي الذي أتعبته كثيرا، وبدأ يقص لي ما دارت حوله الأيام من السمنة ومتاعبها، ونجاحه في تقليل وزنه وقوة ساعده وقرب زواجه ونقل لي تحيات والدته وامتنانها. سألني إن كانت هناك ضرورة لرفع البلاتين، وأجبته أن لا حاجة لذلك، مع رجائي بالتوفيق إلى كل من يطمح نحو وفاء الأم، وصدق من قال أن الجنة تحت أقدام الأمهات.
القصيدة:
خَلّصِتْ مِن عَسْكَرَه چانَتْ بَلاءْ
سِمْـنَه أَتْحَـمّلْ قَـضايا الْـزائِـدَه
بَعَـدْ ما كَشِّفَـتْ غَيـْمَه وِنْجِـلَـتْ
سِمْنَة صارَتْ هِيّه حِكْمَه رائِدَه
*****
ساعِـدَكْ يِنْكِسِر بَعْـدَين الْشِفَه
جازَفِتْ بـِلْ حَلْ ومَرّت سائِدَه
گلّي وَزْنَـك نَزِّلـيـته بْيا قرار؟
گال أُمّي أشْرَفَـت عَـلْ مائِـدَه
*****
بَرْهَم اْنْـتَ بَرْهَـنـِتْهْا بِالْوَكـتْ
ماتْگـوم بْخِـطْـوه إِلّه بْـفائِـدَه
مِنْ تَجارِبْ غَيرَك تْعلّم دَرِس
وِمِنُهْـم اْسْـمَع ذِكْرَياتٍ بائِـدَه
******
تِمَنّـيـت الْحِـلِم أَطْـوَل وَعِـيده
هِـيّه اْمِّ اْلوِفَه وْگَــدْهه وقائِـدَه
هِيّه ظِل خَيْمَه وِتْغَـطّي لْجميع
هِيّه حَاضِر هِيّه ماضِي عائِدَه
وإلى اللقاء

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here