عراقيو الداخل و عراقيو الخارج

عراقيو الداخل و عراقيو الخارج : بقلم ( كامل سلمان )

تتردد في مسامعنا بعض الاحيان كلمات تصدر من اعلاميين وسياسين تشكك في مصداقية ولاء وحب العراقيين (الذين تركوا بلدهم في ظروف عصيبة) لبلدهم وشعبهم في حالة غريبة لم نعهدها من قبل الهدف منها النيل من ارتباطهم بهذا الشعب وارتباطهم بهذه التربة و لتقليل اهميتهم المؤثرة في مجرى الاحداث التي شهدتها وتشهدها الساحة السياسية والاجتماعية فعمدوا على تصنيف الشعب الى صنفين هم عراقيو الخارج و عراقيو الداخل مولين الاهتمام لعراقيو الداخل ليس حبا بل نكالا بهم واعتبار عراقيو الخارج اقل اهمية نظرا لعدم تحملهم تبعات الاوضاع القائمة وتركهم للبلد ، في الوقت الذي كانوا يسمون عراقيو الخارج قبل السقوط بالمجاهدين المهاجرين في سبيل الله وكانت اعدادهم انذاك قليلة جدا ولا يمثلون نسبة تذكر من الشعب العراقي متسكعين في هذا البلد او ذاك يتحسرون على لقمة العيش غير قادرين على العمل والانتاج ولم يكن لهم اي بصمة تأثير على الوضع الداخلي وكانوا في عزلة تامة اما اليوم فأعداد العراقيين في الخارج اصبحت بالملايين ومعظمهم يعملون وينتجون وقسم منهم اكملوا دراساتهم العليا وتبوءوا مناصب محترمة يشار اليها بالبنان في البلدان التي استقبلتهم مرفوعي الرأس مطبقين لشعار ارفع رأسك انت عراقي . واما تفاعلهم وتأثيرهم على اخوتهم في الداخل فهذا مالا يختلف عليه اثنان ، اذا مفهوم عراقيو الداخل وعراقيو الخارج لم ينطلق من فراغ بل كلام مدروس ومخطط له لإبعاد شبح العراقيون في الخارج الذين اصبحوا قوة كبيرة لا يمكن تجاهلها لما لهم من اعداد هائلة ولما لهم من قوة ثقافية عالية ولما لهم من امكانات علمية وسياسية واصبحت لهم لوبيات قادرة على التأثير حتى على سياسات الدول التي يتواجدون بها وهذا التأثير ينمو بوتيرة تصاعدية يجب ان يحسب لها الف حساب . فلو اتيحت الفرصة لهذا العدد الكبير من العراقيين لبناء بلدهم الذي حرم من امكانياتهم لتغير الوضع كثيرا ، وكذلك لو اتيحت الفرصة لأخوانهم العراقيون في الداخل للأستفادة من تجارب وأمكانات اخوتهم في الخارج لسارع الطرفان الى تأسيس عراق جديد لا يقل شأنا عن افضل البلدان فالعراقي بطبعه مبدع ومنتج ولكن هؤلاء المتصيدون لوحدة هذا الشعب ممن لا يدرك الجذور العاطفية والاخلاقية للفرد العراقي اينما كان يتصورون الامور كما هي في مخيلتهم التي كانوا عليها ايام غربتهم عن الوطن متناسين ان الدنيا تغيرت ولم يعد للبعد المكاني قيمة حقيقية مع بزوغ عصر التكنولوجيا الرقمية والانترنيت فأصبح كل شيء بالمكشوف وان افعالهم السيئة لا يمكن التستر عليها ولا يمكن حجبها عن اعين المجتمعات التي تنظر بجدية لجميع سلوكياتهم المنحرفة التي تركت البلاد في حالة من الفوضى لم تقارن حتى مع القرون الوسطى من تخلف وانعدام للأمن والخدمات ، وكذلك أخطأوا عندما نسوا ان يذكروا بعض عراقيو الخارج من رفحاويين واصحاب التبليغ الديني وعوائلهم وعوائل السياسين الذين يتقاضون ملايين الدولارات وبجوازات سفر دبلوماسية والحسابات المصرفية المفتوحة ناهيك عن الجنسية المزدوجة لجميع هؤلاء فهؤلاء ليسوا عراقيو الخارج من وجهة نظرهم بل ملائكة الخارج ان عجزوا عن ايجاد التسمية المناسبة لهم .
ان من وجد نفسه في غفلة من الزمن له الوصاية على شعب متألم يأن من جراحاته بالقوة ويصرخ من العذابات سوف لن يجد هذه الوصاية على من ليس قابعا تحت مخالبهم ليس بسبب بعدهم المكاني ولكن بسبب الوعي والتجربة والتشبع بمعاني الحرية والكرامة التي لم يتذوقها اخوانهم داخل البلد ، ولو توفرت الفرصة لغالبية العراقيين الذين مازالوا داخل العراق للهجرة لما بقي من احد يتحمل هذا البؤس المتواصل ولكن لا حيلة باليد ، فماذا سيقول هؤلاء المتقولين عن العراقيين اذا تركوا بلدهم مهاجرين بالجملة هاربين من جحيم الحياة التي يعيشونها حفاظا على كينونتهم وكرامتهم بعد ان تبقى الديار خالية الا لمن عجز عن الفرار ، هل سيسمون الشعب كله بالخائن المتخاذل . لا أستبعد ان نسمع ذلك فالكلام الرخيص يخرج من الافواه الرخيصة بكل سلاسة ويسر .
هؤلاء النفر القليل ليس بمقدورهم تدبير كل مايريدون تنفيذه وليس بمقدورهم ان يقرروا مصير شعب وولاء وحب شعب فهذه اشياء فوق ارادتهم ولابد ان يقوموا بمراجعة شاملة لأنفسهم مخافة السقوط في اوهام اكبر تضلهم عن الصواب وتزل اقدامهم الى الهاوية .
وللتذكير عندما خرج الشعب في مظاهراته المليونية التاريخية التي انطلقت في تشرين خرج معهم عشرات بل مئات الالوف من العراقيين في الخارج تأييدا ونصرة لأخوانهم في الداخل في صورة تلاحمية رائعة الجمال، واستطاعوا ان يسمعوا العالم صدى صوتهم ، فهل انتم ياعراقيو قبل 2003 م عندما كنتم في الخارج استطعتم ان تقودوا ولو مظاهرة واحدة ولو على استحياء لصالح شعبكم خلال عشرات السنين من تواجدكم في بلاد الغربة ، ان لم تكن هذه المقارنة كافية فهناك العديد من المقارنات التي من المعيب ذكرها والسبب لأنكم لا تمتلكون معشار ما يمتلكه العراقيون حاليا من مكانة ورصانة وسمعة وثقافة وعلم واخلاق وحتى الالتزام الديني ، فالعراقيون اليوم ملئوا الدنيا ابداعا ومفخرة لسمعتهم ولسمعة بلدهم الذي جاءوا منه . فأي طرح القصد منه النيل من جبروت الانسان العراقي ستدخل اصحاب هذا الطرح في متاهات كريهة لا يجدر بالإنسان العاقل طرحها او النطق بها مهما كانت ضحالة تفكيره ، لا تعبثوا بما هو ارقى وانبل مكانة ولا تخلطوا الاوراق فهذا جهل أضافي يضاف الى الجهل الذي لازمكم لسنين طوال .
الشيء الذي لا يعرفه هؤلاء الغارقون بالمال الحرام والفساد هو ان الفراغ الذي تولد وتوسع بينهم وبين شعبهم لا يمكن ملئه وهذا اخطر شيء يصل اليه المجتمع في علاقته مع مسؤوليه ، فالتجارب والعبر التي لم تنفع من سبقهم أكيد سوف لن تنفعهم فالذي يتعالى على شعبه ويعتاش على جراحاته سيندم وليعلموا ان العراقيين جميعا في الداخل والخارج يعيشون تلك الجراحات وتلك الهموم التي كنتم انتم السبب من وراء ذلك ، وهم ليسوا صنفان كما سولت لكم انفسكم ان تصنفوه او كما كنتم او كما اصبحتم بعد توليكم للسلطة . فحرمتم الشعب من الحياة الحرة الكريمة وأذقتموه كل مرارة ، فإن أمنتم كراسيكم اليوم من سطوة الشعب فتذكروا سطوة الله الذي يزيدكم في طغيانكم ليحق عليكم القول وسوف تعلمون .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here