مجهول ___

الكثير من حولي ماتوا، تركوا أحلامهم على ضفاف البؤس و فوهات البنادق، لكنهم عادوا إلى ذويهم و استمتعوا بوداع الأمهات.
عندما كنا صغارا في المدرسة، كان المدير يجمعنا كل يوم خميس، وبعد رفعة العلم، يحدثنا  عن الوطن و من كثرة ما قال عنه ،ظننته أبي.
نحن في قرية منسية لم يسمع بها  أحد، كانت غرف نومنا الضيقة، تنعم بالدفء والحنان. أتذكر عندما عدت من المدرسة، شاهدت جدتي تضع فوق عينيها خرقة سوداء، و تنعى أبي بصوت حزين يكسر صمت الماء و بيوت الطين، في اليوم التالي ايقظتني أمي مبكرا، البستني حزام أبي و قالت : استعد لمواجهة الحياة، حينها عرفت ان السعادة غادرتنا إلى الأبد، وان أبي مات في أرض المعركة.
اكثر ما يؤرقني في هذه الليلة، هو عيد الحب، كتب صديقي سامر إلى حبيبته و قال لي : أخشى من الموت،  اذا خرجت من الحرب سالما، ارجو منك إيصال رسالتي إليها، أخبرها أن مذاق القلبة في تلك الليلة مازال لذيذا في فمي، عندما شاهدته يتلوى من البرد، أعطيته قمصلتي  وفي داخلها كل أوراقي الثبوتية، لا أعرف كيف سارت الأمور في تلك الليلة، وأي حبكة كتبها لنا  القدر ، كلما أتذكره هو القصف الكثيف و طائرات الاباتشي، تحوم فوقنا.
زارني سامر قبل ليلة أو ليلتين، لا أتذكر  الوقت بالضبط، على الأرجح بعد منتصف الليل، شكرني كثيرا  و قال: امك عظيمة، تزورني باستمرار ، تجلب معها الشاي و البسكويت، البخور والشموع، ثم تعطر قبري بماء الورد وتتحدث معي عن طفولتك و في داخلها حزن  عميق، كل ظنها هو انت.
الآن و قد مضى وقت طويل على نهاية الحرب، مازلت ارقد هنا في ارض المعركة، دون أن يلتفت لصراخي أحد، تسافر روحي مع الغيم، أشتاق إلى قريتي، وإلى سنابل القمح وحديث العصافير، ثم أعود وحيدا هنا، مثل لغم أرضي، كلما سحقني أحد، انفجر بالدموع.
حيدر الهاشمي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here