شوارع بلا دعاية: هل تؤجّل الانتخابات العراقية؟

على بعد نحو 70 يوماً من موعد الانتخابات العراقية، تخلو العاصمة العراقية بغداد، كما معظم المدن الرئيسة الأخرى، من أي مظاهر تدل على أن الاستحقاق الانتخابي سيجرى في موعده. أحزاب مقاطعة، ودعايات خجولة وشوارع خالية حتى من إعلانات “مفوضية الانتخابات العراقية” التي تحث فيها على المشاركة في الاقتراع، وجمهور منقسم بين خائف من التزوير ومتردد في المشاركة. وكل ذلك يحدث في ظلّ تفلّت أمني بفعل “سلاح منفلت” موجّه إلى رقاب المنافسين الجدد.

من ثلاث مدن انتخابية كبرى- بغداد والموصل والبصرة- استُطلعت آراء عراقيين بشأن مشاركتهم في الانتخابات، وعلى رغم أنهم لم يُظهروا أية حماسة للمشاركة، إلا أنهم يشككون في أن تجرى انتخابات “نزيهة” في موعدها المقرر في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

“لا بوادر أمل جديدة تلوح في الأفق قبل أقل من ثلاثة أشهر على الانتخابات”، بهذه الكلمات يجيب المواطن أحمد التميمي (37 سنة) عندما سألناه عن مشاركته في عملية الاقتراع وأهميتها ويضيف: “التدخلات الحزبية في عمل المفوضية ما زالت موجودة، وقد تعيدنا إلى سيناريو انتخابات 2018 التي شهدت عمليات تزوير وتلاعب بنتائجها”. ويشير إلى أن “السلاح المتفلّت بات أكثر تفلّتاً، لا سيما أن المظاهر المسلحة وصلت هذه المرة إلى المنطقة الأكثر تحصيناً في بغداد، المنطقة الخضراء”. لكن التميمي، الذي يعيش في بغداد، أكبر المدن الانتخابية بــ”69 مقعداً انتخابياً”- يؤكد أنه “لا يوجد أمل بالتغيير إلا عبر صناديق الاقتراع؛ فالمشاركة الواسعة وحدها لا المقاطعة قد تنتج طبقة سياسية جديدة، لعلها تكتب الخلاص لمعاناتنا المستمرة كعراقيين”.

من فوق ركام منزله في الموصل- المدينة التي مزقتها الحرب- يؤكد يونس النعيمي (46 سنة) أنه “لن يشارك في الانتخابات؛ لأنها لن تغير شيئاً من الواقع المزري منذ 18 عاماً”. فبالنسبة إليه “الوجوه والأحزاب والكتل ستبقى ذاتها، وسيستمر مسلسل نهب العراق وخيراته وتدمير الإنسان”. والموصل هي ثاني أكبر المدن الانتخابية بـ 31 مقعداً، لكن التميمي لا يرى إمكانية تغيير في السيطرة على المقاعد لأن “الاقتراع فيها غير نزيه بنسبة كبيرة، والجماعات المسلحة أحكمت سيطرتها عليها وتتحكم منذ تحريرها من داعش الإرهابي بمصيرها إدارياً واقتصادياً”، ويختم بعبارة: “لا يوجد شيء اسمه انتخابات”.

ويطالب المواطنون الحكومة بتقديم ضمانات حقيقية لنزاهة الانتخابات المبكرة التي طالب بها حراك تشرين، بهدف إصلاح الوضع السياسي الذي يشهده العراق منذ 18 عاماً، بعيداً عن السلاح المنفلت والمال السياسي.

معركة انتخابية ضد الميليشيات

في جنوبي العراق، يبدو النبض مختلفاً. كثيرون هناك يجدون معركة الانتخابات طريقاً نحو التغيير. وعلي الساعدي، وهو مواطن من البصرة ثالث أكبر المدن الانتخابية (25 مقعداً)، يتنافس عليها نحو 240 مرشحاً ومرشحة.

ويقول الساعدي إن الانتخابات المقبلة تمثل معركة حقيقية لصعود قوى سياسية جديدة غير الحرس التقليدي القديم، “وهذا يحتم علينا المشاركة بقوة، لكن الأهم هل أصواتنا ستكون في مأمن وبعيدة من أيدي المزوِّرين والمتلاعبين بالنتائج؟”، يسأل ثم يجيب: “أشك في ذلك؛ بسبب انفلات السلاح وفشل الحكومة في السيطرة عليه، بدليل جرائم الاغتيالات التي تكاد تسجل يومياً في البصرة”. هي معركة انتخابية ضد الميليشيات والقتلة، عملياً، ومعروف، بحسب الساعدي، أن القوى المسلحة هي المتحكمة بمسار الأحداث ومقدرات محافظته، وبالتالي “من السهل عليها أن تفعل ما تريد لتحافظ على مكاسبها، وإن استدعى ذلك تصفية مرشحين أو حرق صناديق اقتراع أو تغيير النتائج”.

وبحسب أرقام من المفوضية العراقية، فإن الانتخابات المقبلة يشارك فيها حوالي 3249 مرشحاً يمثلون 21 تحالفاً و167 حزباً، بينهم مستقلون، للتنافس على 329 مقعداً في البرلمان العراقي. وعلى رغم إغلاق مفوضية الانتخابات باب الانسحابات أمام القوى السياسية المصادق عليها فإن ذلك لم يمنع 3 تحالفات و8 أحزاب من إعلان مقاطعتها الاقتراع المقبل، والتحالفات هي “سائرون” بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وتحالف “المنبر العراقي” برئاسة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، وكذلك “البيت الوطني” وهو تكتل سياسي أنتجته أكبر حركة احتجاجية شعبية عام 2019.

أما الأحزاب الثمانية فمن أبرزها “جبهة الحوار الوطني” بزعامة صالح المطلك و”الحزب الشيوعي”، و”حزب التجمع الجمهوري”، و”حزب الدعوة تنظيم الداخل”، وحزب “المرحلة” المدعوم من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وحزب “أبناء النهرين” أحد أحزاب الحراك الشعبي. يشارك في الانتخابات المقبلة حوالي 3249 مرشحاً يمثلون 21 تحالفاً و167 حزباً، بينهم مستقلون، للتنافس على 329 مقعداً في البرلمان العراقي.

المفوضية: لم نستلم أي طلب بالانسحاب

تقول المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات جمانة غلاي إن المفوضية “لم تتسلّم أي طلب انسحاب رسمي من الانتخابات، على رغم إعلان عدد من القوى السياسية مقاطعتها الاقتراع”، مشيرة إلى أن “باب الانسحابات أغلق في 20 حزيران/ يونيو الماضي وفق ضوابط وسياقات حددتها المفوضية”.

وتضيف: “نحن ماضون في عملية الاقتراع ولا تأجيل لموعدها المحدد في العاشر من تشرين الأول، وقد شرعنا في طباعة لائحة في المرشحين التي تتضمن 3 آلاف و249 مرشحاً”.

ويصعب التكهن حول تأجيل الانتخابات العراقية في ظل وجود مرسوم جمهوري بإجرائها وقرار برلماني بحل نفسه قبل ثلاثة أيام من الموعد المقرر، وتأكيدات رسمية وإصرار حكومي على إجرائها في موعدها، لكن كثراً من السياسيين يرجحون أن تؤجّل بسبب الوضع الأمني.

ومع تصاعد الاستهدافات التي تتعرض لها المنطقة الخضراء والبعثات الدبلوماسية، يقلل رئيس مركز “التفكير السياسي” إحسان الشمري من خطورة الأوضاع الأمنية وتأثيرها في الاقتراع: “قد تربك الاستهدافات المشهد الأمني، لكنها في النهاية لن تؤثر في سير العملية الانتخابية”.

ويضيف الشمري “إن الأوضاع الحالية أفضل بكثير مما شهده العراق في 2014 حين سيطر داعش على مدن عدة، والأوضاع الأمنية ليست مبرراً لتأجيل الاقتراع، وإن الاستهدافات هي لحسابات خارجية وداخلية لكن تأثيرها محدود”.

وبعيداً عن مبررات القوى الكبرى في مقاطعتها الانتخابات، ووسط انتشار “السلاح المتفلّت” و”المال السياسي”، يطالب العراقيون بتوفير بيئة انتخابية ترتكز على معايير النزاهة والعدالة وتحقق إرادة الناخبين في اختيار ممثليهم، بعيداً من التزوير والتلاعب بأصواتهم، لا سيما أن الاقتراع المبكر جاء بقرار من “سلطة الشعب” المتمثّلة في أكبر احتجاجات شعبية شهدها العراق حملت مشروعاً لـ”هدم النظام السياسي الهش المبني على المحاصصة والفساد والقتل”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here