ظاهرة حرق المستشفيات في العراق: فساد حكومي أم قضاء وقدر

ظاهرة حرق المستشفيات في العراق: فساد حكومي أم قضاء وقدر
اعداد: علي سعدي عبدالزهرة جبير
لا يختلف اثنان على أن جائحة الفساد في العراق قد انتشرت في جميع مفاصل الدولة والتي لم تسلم منها المؤسسات الخدمية، وعلى رأس تلك المؤسسات وزارة الصحة، إذ يعاني العراق من نقص في المستشفيات والمستلزمات الطبية والكوادر الطبية وهذه ظاهرة تعود في عهد النظام البائد( صدام حسين)، إلا أنها استفحلت بعد التغيير السياسي الذي حصل بعد عام 2003م.
وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن الحكومة المركزية في العراق أنفقت خلال العشر السنوات الأخيرة مبلغا أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيرا، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الانفاق(161) دولارا في المتوسط، ويوجد في العراق أقل من عشرة أطباء لكل عشرة آلاف مواطن بحسب أرقام منظمة الصحة العالمية، وإن انخفاض نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة يرجع إلى عدم اهتمامه بصحة الإنسان، فضلاً عن غياب القطاع الخاص في المجال الصحي، وذكر وزير الصحة الاسبق(علاء علوان) لرويترز في آب لعام 2019م أن (الوضع الصحي في العراق تراجع بشكل كبير جدا خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية، وأحد أسباب هذا التراجع هو عدم إعطاء أولوية من قبل الحكومات المتعاقبة للصحة في العراق)، واستقال(علاء علوان) الذي سبق أن شغل مناصب عليا في منظمة الصحة العالمية من منصبه الوزاري بعد أن أمضى عاما واحدا في المنصب مستشهدا بفساد لا يمكن التغلب عليه وتهديدات من معارضين لجهوده الإصلاحية(1).
ويعاني القطاع الصحي إهمالاً من قبل الحكومات المتعاقبة، إذ أن قلة التمويل أدت إلى نتائج كارثية في مقدمتها عدم كفاية البنية التحتية من المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية التي تفتقر إلى الإدامة والموارد البشرية والمالية، مما أثر في خلق فجوات كبيرة في الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية، ومن ثم أعباء مالية على فئات الفقيرة والهشة بسبب الرسوم المفروضة على المرضى، وتزايد معدل الإنفاق الشخصي على الصحة، كما برزت ظاهرة التفاوت وعدم المساواة في الوصول إلى الخدمات الصحية، فضلا عن وجود تفاوت في جودة الخدمات الصحية سواء كان بين القطاعين العام والخاص أو على أساس مناطقي
وأن ظاهرة الفساد في القطاع الصحي كان لها آثر على ارواح الناس في العديد من الحالات ابرزها حرق المستشفيات، حتى أطلق البعض على وزارة الصحة بوزارة الموت، إذ شهدت العراق خلال عام 2021م العديد من الحرائق في المستشفيات، أبرزها حرق مستشفى ابن الخطيب المخصص لمرضى كورونا في بغداد الذي راح ضحيته (82 قتيلا و110 مصابين).
أن حرق المستشفيات هي دليل على انهيار القطاع الصحي وغياب دور الدولة في إصلاحه وإعادة تأهيل، وهي واقعة جديدة في سجل طويل من المآسي التي تضرب البلد وتتواصل منذ عقود، في ظل غياب الدولة وانشغال الوزارات والمؤسسات والساسة والأحزاب بصراعات حزبية، فضلا عن الفوضى والإهمال وانعدام الحس بالمسؤولية، الحادث هو أيضا مآل طبيعي للانهيار التدريجي الذي أصاب البنية التحتية في القطاعات الصحية بسبب عقود من الحصار الذي فرض على العراق وفي جانب منع استيراد المعدات واللوازم الصحية تحديدا(2).
وعلى ضوء ذلك قرر رئيس الوزراء العراقي (مصطفى الكاظمي) وقف عمل وزير الصحة (حسن التميمي) والذي استقالة من منصبه فيما بعد، ومحافظ بغداد (محمد جابر العطا) ومدير عام صحة الرصافة، وإحالتهما إلى التحقيق وتعويض ضحايا الحادث، وأثار الحادث موجة من الغضب في جميع أنحاء البلاد، التي تعاني من مشكلات وازمات كبيرة بسبب سيطرة الاحزاب والكتل السياسية واعتماد نظام المحاصصة في العمل السياسي.
ولم تمضي أشهر قليلة على فاجعة مستشفى ابن الخطيب، تكررت المآسي بفجاعة جديد وهي حرق مستشفى الحسين في مدينة الناصرية المخصص لعلاج المصابين بفيروس كورونا، والذي راح ضحيتها وفق البيانات الرسمية لوزارة الصحة (٣٩) شهيد معلوم الهوية و(٢١) شهيد مجهول الهوية ولا زال العدد مستمر، وأكثر من (100) جريح من بينهم كوادر طبية وعناصر أمن، نتيجة انفجار(3) اسطوانات أوكسجين، إذ تحولت أسقف وجدران تلك الوحدة التي أنشأت قبل أشهر قليلة بجوار المستشفى الى ركام تغطيه أثار الدخان، واحتاجت فرق الإطفاء إلى ساعات لإخماد الحريق.
وذكر أحد العاملين (لرويترز) أن المستشفى تعاني من غياب إجراءات الأمن والسلامة الأساسية، وقال (أن المستشفى لا يوجد به نظام للإطفاء ولا حتى جهاز للإنذار من الحرائق)، ومضى يقول لقد شكونا مرارا على مدى الأشهر الثلاثة الماضية وقلنا إن مأساة قد تقع في أي لحظة من (عقب سيجارة) لكن في كل مرة كنا نتلقى نفس الرد من مسؤولي الصحة (ليس لدينا أموالا كافية) (3).
وأثارت الحادثة ردود أفعال غاضبة فخرج المئات أمام مستشفى وهم يهتفون (السياسيين حرقونا)، وتعالت صيحات المحتجين متهمة المسؤولين بالفساد والإهمال وضعف الأمن، وهزت الحادثة الراي العام العراقي والعالمي، وأمام خوف المسؤولين من تحمل تبعات الكارثة نشطت عملية التنصل من المسؤولية ونسبتها إلى طرف مجهول، واتهم (التيار الصدري) في بيانه الأيادي الخبيثة بالتسبب في حريق مستشفى الناصرية، مطالبا الحكومة الاتحادية بأن تأخذ دورها الحقيقي في حماية أرواح المواطنين، معتبرا أن أقل ما يمكن أن تقوم به هو كشف الأيادي الخبيثة التي تسببت بهذه الكارثة الإنسانية ومحاسبتها، وقال الرئيس العراقي (برهم صالح) إن فاجعة مستشفى الحسين في ذي قار وقبلها مستشفى ابن الخطيب في بغداد نتاج للفساد المستحكم وسوء الإدارة الذي يستهين بأرواح العراقيين ويمنع إصلاح أداء المؤسسات، وأضاف في تغريده أن التحقيق والمحاسبة العسيرة للمقصرين هما عزاء أبنائنا الشهداء وذويهم، مؤكدا أنه لا بد من مراجعة صارمة لأداء المؤسسات وحماية المواطنين.
وعقب الفاجعة أوقف رئيس الوزراء (مصطفى الكاظمي) مدير دائرة صحة ذي قار ومدير مستشفى الناصرية كما أعلن حدادا وطنيا لمدة ثلاثة أيام، وتعهدت بمحاسبة المقصرين، وأعلنت الحكومة العراقية خلال الاجتماع الطارئ الذي عقده رئيس مجلس الوزراء (مصطفى الكاظمي)، وضم عدداً من الوزراء والمسؤولين والقيادات الأمنية ناقش أسباب حادثة حريق مستشفى الإمام الحسين في محافظة ذي قار ومعالجة تداعياتها، وخرج الاجتماع بمجموعة قرارات، ضمنها البدء بتحقيق حكومي عالي المستوى للوقوف على أسباب الحادثة، وتوجه فريق حكومي فوراً إلى محافظة ذي قار من مجموعة من الوزراء والقادة الأمنيين لمتابعة الإجراءات ميدانياً، إضافة إلى سحب يد وحجز مدير صحة ذي قار ومدير المستشفى ومدير الدفاع المدني في المحافظة وإخضاعهم للتحقيق، كما اتخذ الاجتماع قراراً بـاعتبار ضحايا الحادث شهداء وإنجاز معاملاتهم فورياً، وتسفير الجرحى الذين حالاتهم حرجة إلى خارج العراق، كما أصدرت محكمة تحقيق النزاهة في محافظة ذي قار أوامر قبض بحق مدير صحة المحافظة وعدة موظفين بعد حادثة حريق المستشفى، وقال إعلام مجلس القضاء، في بيان إن (محكمة تحقيق الناصرية المختصة بقضايا النزاهة أصدرت أوامر قبض بحق 13 متهماً، بينهم مدير صحة المحافظة، على خلفية حادثة الحريق التي طالت مركز النقاء الخاص بعزل مصابي كورونا في مستشفى الحسين التعليمي).
واعتبر رئيس مجلس الوزراء (مصطفى الكاظمي) أن الحادث يؤشر خللاً بنيوياً في الهيكلية الإدارية للدولة العراقية حيث إن تشخيص الأخطاء لا يتم توظيفه ولا متابعته، ويذهب المواطنون ضحايا، وقال خلال رئاسته جلسة مجلس الوزراء، إن (الحاجة صارت ملحة لإطلاق عملية إصلاح إداري شامل، وأهم خطوات الإصلاح هو أن نفصل العمل الإداري عن النفوذ السياسي)، وأضاف(عندما تنجرف السياسة بعيداً عن المبدأ الأخلاقي والالتزام الإنساني، فسنكون تحت سيطرة مبدأ شريعة الغاب بعينها)، وقال (وطنتينا لا تتقبل فكرة أن يتعمد العراقي قتل أخيه من أجل هدف سياسي، ولعنة الله على كل منفعة أو منصب تجعل الإنسان يستهتر ويستخف بدم أخيه، ولعنة الله على كل منفعة سياسية أو مادية تجعل الإنسان يفجر أبراج الكهرباء من أجل إثبات وجهة نظره، وإفشال العاملين من أجل وطنهم)، وأضاف أن (خطوات الإصلاح ومحاربة الفساد التي تتخذها الحكومة تواجه للأسف عرقلة ممنهجة وهجمات إعلامية مع كل محاولة للتقدم إلى الأمام والهدف هو إجهاض الإصلاح وتشويه صورته لكننا ماضون باتجاه هدف خدمة شعبنا).
وغطت هذه الفاجعة على حريق مبنى وزارة الصحة الذي حدثت في نفس اليوم، ولفتت الأنظار عن حادثة قد تكون وراءها جريمة حقيقية بإخفاء ملفات فساد عديدة، إذ إن حريقاً التهم الطابق الرابع بوزارة الصحة وهو طابق متعلق بالملفات الادارية والمالية، وهذا يعني حرق لملفات فساد، وأن الاخير كشف عن اختلالات عميقة في القطاع الصحي العراقي، بعد أن كشفت جائحة كورونا هذا الفساد وأصبحت المستشفيات الحكومية غير قادرة على استيعاب المصابين وعدم توفر أسرة للمرضى، فضلاً عن عدم توفر أجهزة الإنعاش الرئوي، الأمر الذي حذرت المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق من كارثة انسانية في البلاد، واشارت الى إن تردي الوضع الصحي في المحافظات والمدن العراقية نتيجة ضعف وانعدام البنى التحتية الصحية وقلة الدعم الحكومي المقدم للمستشفيات والمراكز الصحية والنقص الشديد في مادة الأوكسجين وعدم توفر المسحات والمستلزمات الوقائية والأدوية مما تسبب بحصول حالات الوفاة للمصابين بفيروس كورونا، جدير بالذكر أن العراق يعيش حالية الموجة الثالثة من جائحة كورونا، إذ بلغت حالات الإصابة أكثر من (9000) ألف حالة يومياً، وبطبيعة الحال سينعكس على الواقع الصحي المتردي في البلاد.
الهوامش:
1. علي سعدي عبدالزهرة جبير، تداعيات جائحة فيروس كورونا على الاقتصاد العراقي، مجلة حمورابي للدراسات، مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بغداد، العدد35، 2020، ص47-48.
2. حسين لطيف كاظم وآخرون، سيناريوهات كورونا في العراق الانتشار- اللقاح- انهاء الاغلاق، مركز الرافدين للحوار، النجف، 2021، ص21-23.
3. قسم المتابعة الإعلامية، مستشفى ابن الخطيب: هل “الفساد” هو السبب وراء الحريق الهائل في المستشفى العراقي؟ – صحف عربية، بي بي سي عربي، على الموقع الالكتروني https://www.bbc.com/arabic/inthepress-56901087، 27/4/2021.
4. نقلاً عن وكالات، السياسيون حرقونا، مؤسسة النبأ المعلوماتية، على الموقع الالكتروني https://annabaa.org/arabic/reports/27781 ، 14/7/ 2021.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here