كـي لا تكـون المعـرفة شيئا يشبه الخسـارة !!

كـي لا تكـون المعـرفة شيئا يشبه الخسـارة !!

أمجـد توفيــق

يشكو الكثير من الأدباء والمثقفين من ظاهرة التهميش ، وضعف أو انعدام أي دور ثقافي ينسجم مع قيمة الثقافة ، وأهمية المبدع أو المثقف في الحياة العامة ..

ولكي نكون منصفين ، نقول :

إن الظاهرة صحيحة ، ولكنها ليست ظاهـرة عراقية ، بل إنها تمتد لتشمل الموقف من الثقافة والمثقف في الوطن العربي ، ودول كثيرة ، ومساحات كبيرة من الكرة الأرضية ..

وللأمـر جانبـان :

الأول : ضيق صدور السياسيين ، وصانعي القرار بالفهم أو الرؤية التي تنتجها الثقافة ، لأنها ترفض التجنيد والتوظيف ضمن إطار أداء محدد ، الهدف منه خدمة السلطة وتسويغ قراراتها . فالمثقف الحقيقي مع شعبه .. مع الأفق الإنساني .. مع أن تكون الحياة جديــرة أن تعاش ، وأن تسعد الإنسان ..

الثاني : تخلي المبدع والمثقف عن دوره ، متغاضيا عن حقيقة كون الدور القيادي : استحقاق ، وليس منحة من أحد أو جهة . ويسوغ هذا التخلي بأسباب ومبررات ظاهرها مقبول ، وباطنها يفصح عن زهد بالتضحية ، ورغبة في الحصول على اعتراف وتقدير أقرب ما يكونان إلى طقس يفتقد البناء المقنع ..

لذلك ، فإن انسحاب المبدع والمثقف لا يعني ترك الساحة فارغة أو مكشوفة ، إنه يعني فسح المجال واسعا أمام أشباه المبدعين والمثقفين لاحتلال الموقع والدور ، وإقناع المواطن البسيط بأن الثقافة هي بالضبط السلعة التي يشاهدها أمامه ..

ومن الملاحظ أن صيادي الفرص والدور ، منطلقين من وعي داخلي بهشاشة وضعهم ، يتعكزون على أدوار سياسية وتنظيمات شرطها أن يكون لها حضور في السلطة أية سلطة ..

وتاريخ العالم الحديث يوضح دون لبس أن كل الدول التي تعرضت لغزو أو احتلال ، وجدت في بعض أدبائها ومثقفيها من يمد يده للمحتل ، ويسوغ فعله طمعا في دور أثبت التاريخ ألا أحد استطاع أن يخفي رائحـــة الخيانة عنه ..

وما زال الفرنسيون يستذكرون بكثير من الحزن خيانة المثقفين أثناء الاحتلال الألماني لبلدهم ..

إلى ذلك ، ما هي حقيقة المساحة المتبقية ؟

ما زلت أعتقد أو أقدر أن الثقافة للسياسي قــوة ، والسياسة للمثقف ضعف ..

السياسي شخصية ذات برنامج ، وآليات عمل ، ووعيه الثقافي يضفي على برنامجه الكثير من القوة والإقناع ..

أما المثقف أو المبدع فإن روح الحرية والابتكار لديه أوسع وأشمل من ضيق أي مخطط أو دور مرسوم ، لذلك فإن وضعه السياسي يثلم هذه الروح ويشوشها ..

ولكي لا يكون الأديب والمثقف هدفا سهل المنال أمام شهية السياسيين في توظيفه وتجنيده ، فإن ثوابت الرؤية متسعة الزاوية ينبغي أن تكون واضحة ومعلنة عبر تنظيماته المهنية الحرة ، ولن تكون هذه التنظيمات حرة إذا لم تع دورها وتحصن سياجها ضد أطماع وبرامج السياسة بمعناها المباشر ..

وهي مهمة ليست سهلة ذلك أن أي تنظيم مهني في الوطن العربي والعالم الثالث يشكو من تدخلات لم يصل معها إلى حل ، وليس بإمكانه الوصــــول في ظل الظروف القائمة ..

ومتى كانت مهمة المبدع الحقيقي سهلة ؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here