النظام الرئاسي هل هو المخرج ؟!

محمد عبد الرحمن

منذ فترة وبعض القوى والأحزاب والكتل والشخصيات السياسية، واكثرها من المتنفذة التي حكمت البلاد منذ 2005 ولحد الان، تقدم بين الفينة والأخرى، لا سيما عند اشتداد الضغوط عليها، تصورات واجتهادات لـ “انقاذ” البلد من أزماته واستعصاءاته السياسية وتوتراته الاجتماعية واخفاقاته الامنية، التي كانوا هم قبل غيرهم المتسببين فيها.

ومن تلك الاجتهادات ادعاء بعضهم ان لا مخرج للبلاد من دوامة الأزمات، الا بالانتقال الى النظام الرئاسي، ما يعني الغاء النظام البرلماني المقر وفقا للدستور، المصادق عليه سنة 2005.

منذ الوهلة الأولى لا تبدو تلك المواقف الا هروبا الى امام من استحقاقات ملحة آخذة بالتبلور منذ سنين، ولعل ارهاصاتها الأولى جاءت بعد تظاهرات شباط 2011، وفي ما تلاها وصولا الى انتفاضة تشرين 2019، واستمرار الحركة الاحتجاجية حتى اليوم بشكل او بآخر.

فهل حقا فشل النظام البرلماني في بلدنا ؟ وهل هو فعلا وراء الازمات الطاحنة التي يعيشها البلد، فلا فكاك منها .. وكلما خفتت احداها اشتد اوار أخرى؟

علينا القول ان المأزق حقيقي، وان الكثير من القوى خاصة المتنفذة هي في حيص بيص، ولم تعد مواقفها تقنع حتى أوساطا قريبة منها، ناهيكم عن غالبية بنات وأبناء الشعب الذين ازدادت الهوة بينهم وبين الحاكمين وأصحاب القرار.

وفي رأينا ومعنا كثيرون ربما، ان المأزق ليس في النظام البرلماني، او في الدستور على ما فيه من ثغرات ونواقص وكون بعض مواده حمالة أوجه، ولكن في المنهج الذي بدأه المحتلون واستمرأته القوى المتنفذة، كونه يخدم مصالحها ويديم نفوذها وهيمنتها، ويوفر لها احتكار ما تدعيه من تمثيل مكوناتي . وهنا يدور الحديث عن منهج المحاصصة والطائفية السياسية تحديدا، والذي هو ولّاد للازمات ليس في بلدنا فقط، بل حتى في البلدان الاخرى التي ابتليت به .

وتتوجب الإشارة الى ان توجهات مثل هذه القوى بشأن النظام الرئاسي مبهمة وغير واضحة، وأخذا بنظر الاعتبار طبيعة وبيئة ومنهجية القوى المتبنية لذلك، وخلفياتها البعيدة أصلا عن الممارسة والحياة الديمقراطيتين، فان الدعوات الى نظام رئاسي قد تقترن بذهنية الحاكم الفردي المطلق، والبعض جرب بالملموس وممارساته الفعلية ليست بعيدة عن ذلك.

وهنا يبرز سؤال آخر: هل مثل هذه الدعوات هي رد فعل على استحقاقات رفعتها انتفاضة تشرين والعديد من القوى والأحزاب المدنية والديمقراطية، والمطالبة الشعبية الواسعة بضرورة التغيير، والذي غدا حاجة ملحة وضرورة قصوى، لإنقاذ بلدنا من الانزلاق الى الهاوية؟

ان الحذر واجب ازاء طروحات هذا البعض ومعاركه الدونكيشوتية، التي يسعى من خلالها الى حرف الانتباه وتشتيت الجهد وتضييع البوصلة، التي يفترض بعد تجربة الـ 18 سنة الماضية ان تركز على اهداف واضحة ملموسة، أساسها التغيير .. الذي يتوجب فهمه على انه ليس ترقيعا وتغييرا لهذا المسؤول او ذاك، وفتح ملفات فساد معينة، بل هو أساسا وفِي الجوهر تغيير في المنهج والسلوك والأداء ونمط التفكير، وانه يطول الشخوص ايضا. وهذا ما لا يريده المتنفذون، الساعون بكل وسيلة الى استمرار احتكارهم السلطة وتحكمهم بها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here