نحن لا نعمل لذواتنا بل للأخرين كذلك

نحن لا نعمل لذواتنا بل للأخرين كذلك * د. رضا العطار

ان الانسان لينتشر فيما حوله وكأن من شأن كل عمل يقوم به ان يخرجه من ذاته لكي ينتقل به الى عالم الاخرين. وليس في وسع المرء ان يحرك دون ان يسجل طالعه الشخصي في العالم الخارجي. ونحن نشعر بان جو الفردية جو محدود خانق ضيق الرقعة فليس في استطاعة واحد منا ان يكتفي بنفسه وانما لا بد من ان يعمل للاخرين، ومع الاخرين وبالاخرين.

صحيح ان كل فرد منا قد يحاول ان ينظم امور حياته بنفسه ولنفسه فقط، ولكنه سرعان ما يتحقق من ان حياة الافراد هي من الترابط بحيث قد يستحيل ان نتصور عملا واحدا لا يتسع في دوائر كبيرة لا تحصى بحيث يصل الى ابعد من الهدف الذي كان يرمي اليه صاحبه – – – وهناك افعال قد تبدو لنا تافهة عديمة الشان ولكن تاثيرها قد يكون اعمق وابعد مدى من كل ما نتوهم اذ قد تبعث الاضطراب والفوضى في حياة يائسة مظلمة او قد تنتزع مجهولا من انانينه ونرجسيته او هي قد تسبب اخطاء وعثرات لدى البعض بينما قد تولد تضحيات عظيمة لدى البعض الاخر ومن هذه الافعال واصدائها تتألف مأساة الحياة الانسانية بكل ما فيها من شرور وخيرات .

ولئن كنا قد ذكرنا فيما سلف ان في (العمل) موضوعية ونسيانا للذات الا اننا نستطيع ان نضيف الى ذلك ان (مجموع اعمالنا) لا بد من ان يجيء فيطبع صورتنا في الوسط الذي نعيش فيه. ومعنى هذا ان الذات تتحقق في العالم الخارجي من خلال الاعمال التي تنجزها والافعال التي تؤديها بحيث انها تصبح مركز اشعاع ذاتي في العالم الذي نعيش فيه.

ولو اننا نظرنا الى افعالنا الخلفية لوحدنا انها ليست مجرد حركات تصدر عنا او استجابات نقوم بها بل هي مظاهر لنيات خاصة نريد ان نحققها او هي تعبير عن مثل عليا نحاول ان نجسدها في سلوكنا العملي. واذا كان للفعل الخلقي حقيقته النوعية التي تميزه عن كل ما عداه من افعال فذلك لانه مظهر لحياة فردية خاصة وتعبير عن طابع شخصي معين – – – ولكن كلا منا حين يعمل (عملا اخلاقيا) فانه يحقق فعله للاخرين وبالاخرين.

وهناك سمة عامة تميز كل نشاط اخلاقي وتلك هي الرغبة الملحة التي تفرض على الناس ان يتواصلوا ويتفاهمو ويتقاسموا عواطفهم ومشاعرهم وافكارهم بحيث يمتد كل منهم بذاته الى الاخرين آملا من وراء ذلك ان يطبع صورته في نفوس الاخرين حتى يكونوا له شهودا ومعاونين – – – والواقع ان الفعل الذي يقوم به الفرد ليس مجرد (عمل خاص) يهم صاحبه وحده دون سواه بل هو (عمل اجتماعي) يتسم بطابع كلي عام لانه يخرج الى الوسط الجمعي الذي يتحقفق فيه فيحدث تاثيره في عقول الاخرين وافئدتهم وشتى جوانب حياتهم.

ولو اننا ضربنا صفحا عن تلك الاعمال التي يقوم بها البشر بحكم الغريزة او العادة او (الرونين) لكان في وسعنا ان نقول : ان معظم الافعال الانسانية هي بمثابة نيات متحققة وقيم اخلاقية ومثل عليا متجسدة، فهي ظواهر اجتماعية هامة لها دلالتها الخاصة في صميم الوسط الخارجي الذي تتحقق فيه واذن فان العمل الذي يقوم به الفرد وان بدا له احيانا عملا فرديا يعنيه هو وحده – هو عمل اجتماعي يقوم بدور المحرك الفعال او المؤثلر القوي في وسط خارجي يضم افرادا اخرين هم على استعداد لتفهم دلالة ذلك العمل ان لم نقل بانهم قد يقعون تحت ناثيره ويعملون بدورهم متوسمين خطاه.

*فلسفة مشكلة الحياة للدكتور زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here