سلوك الانسان يتأرجح بين البهيمية والروحانية

سلوك الانسان يتأرجح بين البهيمية والروحانية * د. رضا العطار

لننظر الى ادنى درجة من درجات (العمل) لدى الانسان حتى نقف على طبيعة النشاط البشري باعتباره نقطة تلاقي (البيولوجي) و (الروحي) . وهنا نجد ان اول شكل من اشكال العمل البشري هو ذلك الذي تمارس فيه (النفس) نشاطها او تاثيرها على (البدن)

وهذا ما فطن اليه الفيلسوف الفرنسي المحدث – مين دي بيران – ت عام 1824 حين قال ” (ان تكويننا الاصلي يستند في جوهره الى – قوة عضوية مفرطة تمارس ضغطها على العقبة الاولى التي تلتقي بها الا وهي (الجسم) من حيث هو ( كتلة قابلة للتحرك) وحسبنا ان نمعن النظر الى حالة ( الصحو) نفسها لكي نتحقق من انها تمثل في حد ذاتها شكلا من اشكال (العمل) نظرا لان (اليقظة) تستلزم بطبيعتها حالة الانتباه والنشاط الحيوي، فهي اشبه ما تكون بضغط تمارسه (النفس) على (البدن) حتى تشيع فيه الحياة والحركة – – – فاذن فان امتلاكنا الجسم او البدن هو السبب في ان النشاط العملي عندنا لا بد من ان ينبع دائما من اعماق الفكر او النفس.

والحق ان الانسان (روح متجسد) لا بد من ان يتخذ العمل عنده طابع النشاط النوعي الذي يحتل مركزا وسطا بين الحيوانية الصرفة من جهة والروحانية الصرفة من جهة اخرى. وقد نجد انفسنا احيانا مدفوعين الى القيام ببعض افعال تلقائية او شبه حيوانية ولكننا سرعان ما ندرك ان هذه الافعال لا تخلو من عواطف ومشاعر وانفعالات وحالات وجدانية وغير ذلك من السمات الانسانية الخالصة.

وحين يحقق النشاط الحيوي (عندنا) ما كان يهدف اليه من غايات فانه لا بد من ان يولد لدينا ضربا من الاحساس باللذة او الاشباع دون ان تكون (اللذة) هي الاصل في ظهور هذا النشاط. ولعل هذا ما عبر عنه ارسطو من قديم الزمان حين قال :

( ان اللذة تنضاف الى الفعل كما تنضاف النضارة الى الشباب )

ومعنى هذا ان (اللذة) لا يمكن ان تعد بمثابة الغاية النهائية التي يهدف اليها النشاط الجسمي ما هي اشبه ما تكون بالقرينة التي نستدل منها على ان هذا النشاط الجسمي قد تحقق بالفعل غايته الحقيقية. وكثيرا ما يتحدث الفلاسفة عن نشاط لاوحي خالص يمارسه الانسان الناطق حين ينجح في التحرر من كل قيد جسمي، ولكن الحقيقة ان الفكر البشري لا يمكن ان يقوم في استقلال تام عن كل حركة وبالتالي فان النشاط البشري لا يمكن ان يستغني تماما عن كل جهد عضوي لكي يستحيل الى (نظرروحاني) صرف. ولو قدر لمثل الروحانية الصرفة ان تتوافر لدى الانسان لكانت هذه (الحضرة المباشرة) للروح امام ذاتها هي السعادة بعينها.

لكن الانسان يحتل الوسط بين – الحيوانية الصرفة – وبين – الروحانية الصرفة – لانه مخلوق فاعل يحقق نشاطه في عالم المادة بشئ غير قليل من الجهد والمشقة. وان كان من شان هذا النشاط ان يعود عليه بشئ من المتعة واللذة والغبطة. وليس ثمة عمل يخلو تماما من اي جهد او العوائق. والتغلب عليها يقف – العمل البشري – شاهدا على ان الموقف الميتافيزيقي للانسان موقف – وسط – يمتزج في الفعل بالانفعال ويتلاقى عنده الالم واللذة

*انظر فلسفة مشكلة الحياة لزكريا ابراهيم – جامعة القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here