كيف كنّا نستقبل (مُحرَّم) في الكريعات / الجزء الثالث*

  كنّا قد ذكرنا في الجزئين الأوّل والثاني عن بدايات تأسيس المواكب الحسينية في الكريعات والتي كانت متفرّقة وفي عدة اماكن وغالباً ماكانت تُقام الشعائر الحسينيّة في البيوتات الميسورة أو في المقاهي والطرقات حتّى تمّ بناء (الحسينية الجوادية) عام ١٩٥٢ م وأصبحت الحسينية مكاناً لإقامة المناسبات الدينية المتعدّدة، وكذلك كانت ولا تزال تُقام فيها (الفواتح)
  وعند قدوم شهر محرَّم الحرام يتمّ توشيح جدران الحسينية بالأقمشة السود المُطرَّزة بآيات من القرآن الكريم ونقش أسماء الأئمة الإثني عشر عليها بخيوطٍ مذهبة ، وتعليق اليافطات الكبيرة التي غالباً ماتكون مزهوة بصور أهل البيت الاطهار ورسوم تقريبية عن واقعة الطف الأليمة وتوزيع  النشرات الضوئية داخل الحسينيّة وعلى واجهتها الخارجيّة، ونصب الأعلام المختلفة الألوان ،
  ثمّ تبدأ مراسم العزاء يوميّاً إذ يتجمع أهالي المنطقة قادمين من كلّ أطراف الكريعات، حيث بيت درويش يتجمّعون قربَ بيوتهم ويأتون إلى الحسينية جوْقاً يتبعه جوْقٌ مُردّدين أشعارَ التعزية الجماعيّة بحيث تنتهي كلّ رَدّة بلطم الصدور وفقَ إيقاعٍ حزينٍ مُتناسق، ثمّ تلتقي أجواقُهُم مع أجواق بيت حَمّد ويدخلون الى الحسينية بانتظار قدوم باقي أبناء المناطق الكريعاوية الأخرى، ثم تأتي تباعاً أجواق أهالي الزوية والعلومية، ويكتمل اجتماع الناس بعد صلاة العشائين حيث تغصّ الحسينية بمجاميعِهم، ويبدأ البرنامج بتلاوة آيٍ من الذِكرِ الحكيم وغالباً ماكان يرتّلُ الآيات القرآنية الكريمة، عدّة أشخاص منهم: المرحوم  حسين عبد علي (الدوخه) والمرحوم ريشان ( من بيت أبو شهيب ) والمرحوم عباس المؤمن ،
  بعدها يرتقي المنبر إمّا (المرحوم الملا منصور) أو (الملا عزيز) أو يأتي أحد الاشخاص من خارج المنطقة لإقامة مجلس العزاء، وبعد الانتهاء من المجلس الحسيني يبدأ (اللطم) على وقْعِ القصائد الحسينيّة، وكان من الذين ينعون قصائدَ التعزية:  المرحوم مهدي حسين العلو والمرحوم حسين عبد علي والمرحوم عباس المؤمن والأستاذ محمد علي حسون الحبيب الذي قرأ قصيدةً كان مطلعها (منهج المختار هوّه الرسالة الخالدة) والتي اعتبرها البعثيون الأراذل تهجّماً عليهم وكادت أن تودي هذه القصيدة بحياة (أبو حيدر) لولا عناية الله وتدخّل الأخيار وانتهت المشكلة ،
  وهكذا تستمرّ المجالس الحسينية يوميّاً طيلة أيّام عاشوراء، حيث تبدأ المواكب الحسينيّة بالتزاور فيما بينها منذ اليوم السادس وحتى اليوم العاشر من محرَّم الحرام، إذ يبدأ أهالي الكريعات بزيارة موكب الدهاليك ويتجمّع الكريعاويّون كلهم تتقدّمهم يافطة كبيرة مكتوب عليها موكب أهالي الكريعات رافعين كوكبةً من الأعلام الحسينية يتقدّمهم عددٌ من وجهاء الكريعات الذين يتوسّطهم السيد أحمد رضا الهندي وذلك في موكب مهيب سيراً على الأقدام  حيث الوقار والاحترام المتبادل بين الناس والكلّ يرتدي السواد يخيّمُ الحزن عليهم تعاطُفاً مع مصيبة آل البيت الأطهار، وينبري أهالي الدهاليك الكرام لاستقبال موكب الكريعات يتقدمهم العلّامة السيد محمد علي الأعرجي (قد) ووجهاء منطقة الدهاليك الميامين وسط عبارات الترحيب والمودّة والعناق المُتبادل، ثمّ يبدأ البرنامج الحسيني المشترك، وتتجمع الناس بأعداد كبيرة لدرجة أنّ حشودَهم تملأ الشارعَ العام بحيث لا يكون هناك مجالٌ لسير المركبات، ثم يتقدم الرواديد من أبناء الدهاليك والكريعات بقراءة القصائد الحسينية يتقدمهم المرحوم (حسن سويدان) و (محسن الجراح) و (حسن راضي تاجية) وغالباً ماكان عددٌ من قرّاء الكريعات ينشدون أيضا عدداً من قصائدهم هناك، وتستمرّ التعزية حتى ساعة متأخرة من الليل، وهكذا حتى تُردّ الزيارة من قبل أهالي الدهاليك، وفي الأثناء كان أهالي الدهاليك يغدقون على الوافدين بالطعام والحلويات وعلب السكائر وأنواع الشرابت، وعند العودة إلى الكريعات يقودنا الحاج المرحوم محمد القصاب مهرولاً وهو ينادي بأعلى صوته ( عليين.. علي … إمام المتّقين  … علي … ) والأهزوجة الأخرى (أبد والله ما ننسى حسيناه) والأخرى (ماكو ولي إلاّ علي)..
  في الحلقة القادمة سننتظر أهالي الدهاليك برد الزيارة إلى موكب أهالي الكريعات ونعيش تلك الذكريات التي زرعت في نفوسنا حُبَّ محمد وآلِ محمد، ونحن نترحّم على آبائنا وأجدادنا الذين نوّروا لنا السيرَ على طريق الحق.. طريق الحسين الذي بدى لكل من سار فيه أن يلاقي إحدى الحُسنيين إمّا النصر أو الشهادة … هذه الذكريات استمرّت حتى عام ١٩٦٨ بحيث سنبدأ بكتابة باقي الحلقات من عام ١٩٦٨ تأريخ بناء حسينية الزهراء  تأريخ منع المواكب الحسينية من قبل البعثيين الاراذل أعداء الله وأعداء الحسين والإنسانية، تاركين المجال مفتوحاً أمام الأجيال القادمة  لكتابة الذكريات عن الشعائر الحسينية التي ستبقى الى الابد حتى نلقى الحسين عليه السلام  …..  ….. يتبع الجزء الرابع ….
*جبر شلال الجبوري*
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here