محمد الصدر،  والحكم على أموال الدولة بأنها مجهولة المالك

ولد الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر في الكاظمية عام  ١٩٤٣ واستشهد عام ١٩٩٩ على يد جلاوزة النظام الصدامي في النجف الأشرف، وكان عمره ٥٥ عاما، ودرس على يد مراجع الشيعة كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد روح الله الخميني، والسيد محمد باقر الصدر، وله مؤلفات كثيرة أهمها :

موسوعة الإمام المهدي. وتقسم لأجزاء هي:

  • تاريخ الغيبة الصغرى.
  • تاريخ الغيبة الكبرى.
  • تاريخ ما بعد الظهور.
  • اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني.
  • هل الامام المهدي طويل العمر ام لا ؟

بالإضافة الى كتاب (الرجعة) التي  يتحدث فيها عن رجعة الأئمة الاثني عشر  الى الحياة مرة أخرة قبل يوم القيامة.

وقد اتهم بالمشاركة في (الانتفاضة الشعبانية) عام ١٩٩١ فاعتقل لفترة، ولكن سرعان ما أطلق النظام العراقي سراحه، ليتفاوض معه حول التصدي للمرجعية الدينية الشيعية، في العراق، من أجل سحب البساط من تحت قيادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة السيد محمد باقر الحكيم الذي كان يتخذ من طهران قاعدة له، وكان له دور كبير في انتفاضة ٩١، وقد اتفق  السيد محمد الصدر مع صدام حسين على أن لا يتدخل صدام في شؤون الحوزة والمرجعية كما لا يتدخل الصدر في الشأن السياسي العراقي، وقد اكتسب بذلك حرية في إدارة الحوزة والتصدي للمرجعية، ولا سيما بعد وفاة المرجع السابق السيد أبو القاسم الخوئي عام ١٩٩٣، وقد أعلن الصدر بناء على ذلك بأنه (ولي أمر المسلمين) في مقابل ادعاء الخامنئي (ولاية أمر المسلمين) وبدأ الصدر يقيم صلوات الجمعة في الكوفة وفي سائر أنحاء العراق ، بعد أن كانت هذه الصلاة معطلة عند الشيعة الامامية الاثني عشرية في العراق، بصورة عامة منذ قرون، بحجة فقدانها لشرط الاذن الخاص من (الامام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري، المهدي المنتظر الغائب) مما اكسب الصدر شعبية واسعة، وشكلت صلوات الجمعة ظاهرة شعبية شيعية لافتة، خشي منها صدام ان تنقلب عليه فطلب منه  في مكالمة هاتفية أن يوقف صلوات الجمعة،  ولكنه رفض ذلك، فما كان منه الا ان ارسل جلاوزته لاغتياله اثناء عودته من الصلاة يوم الجمعة ١٩ شباط ١٩٩٩

 

   ومن الواضح ان السيد محمد الصدر كان يعتبر نفسه مجتهدا، بل الأعلم من جميع الفقهاء الأولين والآخرين، كما صرح بذلك في مقابلته مع صحيفة الحياة اللندنية عام ١٩٩٤ وبناء على ذلك فقد اعتبر نفسه (الحاكم الشرعي، وولي أمر المسلمين) وذلك (بالنيابة  العامة عن الامام المهدي)  الذي كتب حوله وحول ولادته ووجوده (الموسوعة المهدوية)  الضخمة المؤلفة من خمسة أجزاء، وبالطبع فقد كان الصدر يؤمن بنظرية الامامة الإلهية لأهل البيت، وانهم الحكام الشرعيون الذين عينهم الله لخلافة الرسول الأعظم (ص) الى يوم القيامة، ولما كان (الامام الثاني عشر الامام المهدي) غائبا في هذا الزمان، فان خلافته تنتقل الى (الفقهاء الشيعة الاثني عشرية).

  وهذه فرضية لم تكن معروفة لدى مؤسسي  الفرقة الاثني عشرية، في القرن الرابع الهجري، وبقية العلماء في القرون السابقة واللاحقة، من الذين كانوا يشترطون صفة العصمة والنص والتعيين من الله في الامام، ويرفضون في ما يسمى بعصر الغيبة، الثورة وإقامة الحكومة، الا عند ظهور الامام الغائب، ولكن الفراغ القاتل الذي وجد فيه علماء الشيعة أنفسهم في ظل الغيبة، دفعهم للتصدي لقيادة الشيعة فابتكروا فرضية (النيابة العامة للفقهاء عن الامام المهدي) وتدرجوا فيها الى ان قالوا بنظرية (ولاية الفقيه العامة) التي تبناها السيد محمد الصدر.

 وقد كان لافتا اعلان الصدر نفسه (وليا لأمر المسلمين) في ظل حكم صدام حسين في العراق، بعد القضاء على انتفاضة شعبان ٩١، وبالرغم من ذلك فقد كان يفتي علنا ويكتب في رسائله الفقهية أن أموال الدولة  المنقولة وغير المنقولة مجهولة المالك، وبالتالي يجوز للناس بصورة عامة الاستيلاء عليها،  ودفع خمسها للمرجع، أو التصدق بشئ منها للفقراء والمساكين، ولكنه كان يؤكد في ظل حكم صدام بأنه لا يأذن بسرقة الأموال من الدولة العراقية ، او حيازتها بصورة غير شرعية.

وهو بالتالي كان يقعد للموقف الشيعي العام بعدم الاعتراف بالدول غير الخاضعة لقيادة الفقهاء المراجع، وبعدم احترام أموالها لأنها  (مجهولة المالك) ويستثني من ذلك حالات معينة، حيث يربط التصرف بأموال الدولة مجهولة المالك باذن (ولي أمر المسلمين  الحاكم الشرعي نائب الامام المهدي) الذي كان يرى تجسيده في شخصه.

 

وقد ذكر السيد محمد الصدر حكم مجهول المالك في أول رسالة عملية له وهي (فقه الفضاء) التي طبعت عام 1990م وفي كتاب (فقه الطب) وكذلك في كتاب (الصراط القويم) و في الرسالة العملية (منهج الصالحين) الجزء الثالث ملحق الموضوعات الحديثة أحكام المصارف.

 

 وقال بصراحة : ان  أراضي وبنايات المدارس والمستشفيات والمستوصفات والمصحات وكثير غيرها من المؤسسات, هي في عالمنا الحاضر, في الأعم الأغلب, من الأموال المجهولة المالك. فيجب تطبيق حكم المال المجهول المالك عليها. ومن جهة المؤلف (أي الصدر): فإنه يجيز هذه التصرفات في حدود ما هو جائز شرعا، بشرط إعطاء أجور رمزية الى المحتاجين المؤمنين، بمقدار معتد به نسبياً. آخذين بنظر الإعتبار مقدار تصرف الفرد في مثل هذه الأموال. هذا حكم غير المنقول من الأموال المجهولة المالك مما لا يمكن للفرد حيازته لنفسه. دون سواها من أشكال المال المجهول المالك” .

فقه الطب القسم الأول مع الطبيب/ خلال الدراسة / مسألة 17 


وقال أيضا ما نصه:
 العمل في الأماكن ذات صفة (المال المجهول المالك) وهي المؤسسات الحكومية عموماً. بما فيها المستشفيات والمستوصفات وغيرها تحتاج الى تطبيق حكم هذا المال كما أشرنا في المسألة (17) من الفصل السابق. سواء بالنسبة الى الأطباء أو الممرضات أو المضمدين أو الخدمة أو الطلبة أو المراجعين أو الأطباء المقيمين أو الإداريين أو أي شخص آخر.

فقه الطب القسم الأول مسألة (28)

 

وبالنسبة للأموال (مجهولة المالك) المنقولة افتى قائلا في مسألة (30): “ حيازة الأموال المنقولة المجهولة المالك مما هو ممنوع قانوناً. منوط بإذن الحاكم الشرعي, ومن ناحية المؤلف فإنه لا يُعطي بذلك إجازة ما دام ممنوعا قانوناً ويكون بمنزلة السرقة عُرفاً وقانوناً، سواء أمكن للسلطة التعرف عليه أم لا.
لا يختلف في ذلك كل مرافق الدولة وما تشرف عليه من الأموال إلا ما كان لضرورة حياته وطعامه وشرابه فإنه مجاز ولكن يشمل حكم الخمس”.

 

وأكد جواز الاستيلاء على الأموال المنقولة في مسألة(31)  فقال: “إذا وقع في يد الفرد من الأموال المجهولة المالك، من غير النقود. أما صدفة أو عصياناً فلا يجب بل لا يجوز إرجاعه إلا مع خوف الضرر بل له عندئذ أن يتصدق بقيمته يوم حيازته ثم يجري عليه حكم المجهول المالك الذي نشير اليه في المسألة التالية.
(32) 
 النقود المجهولة المالك يمكن إعطاؤها للحاكم الشرعي أو التصرف بها بإذنه. ومن ناحية المؤلف فإنه يجيز التصرف بها بشرط أن لا تكون من ظلم ولا الى ظلم ولا على شكل السرقة (التي أشرنا إليها في المسألة “30 “قبل قليل) ويقول عند قبضه للمال:(أقبضه نيابة عن الحاكم الشرعي, وأتملكه لنفسي) فيدخل في ملكه ويكون حسابه حساب أمواله الأخرى في جواز التصرف ووجوب الخمس وغير ذلك”.

 

   وذكر السيد محمد الصدر في كتاب (الصراط القويم) في نهاية كتاب الخمس مانصه:
“ولو كان مردداً بين عدد غير محصور, فهو مجهول المالك ويجوز فيه أمور: منها: التصدق به عن أصحابه الواقعيين ومنها تسليمه الى الحاكم الشرعي. ومنها قبضه قبضاً شرعياً بإجازة مسبقة من الحاكم الشرعي وذلك بأن يقول:  (أقبضه نيابة أو وكالة عن الحاكم الشرعي أو عن فلان ويسميه ثم يقول: أتملكه لنفسي أو أتصدق به على نفسي وما جرى مجراه) فإن فعل ذلك كان المال بحكم سائر أمواله المملوكة.

والإجازة العامة موجودة من قبل هذا المذنب  (الصدر) بشرط أن لا يكون من ظلم أو يؤول الى ظلم لا يختلف في ذلك سائر أشكال مجهول المالك ما لم يكن له شكل السرقة) الصراط القويم كتاب الخمس.

 

وجاء في الرسالة العملية (منهج الصالحين) الجزء الثالث ملحق الموضوعات الحديثة أحكام المصارف/ أحكام عامة:
 مسألة 1301” يُوجد من قبلنا إذن عام في التصرف بمجهول المالك سواء مما يُسحب من المصارف أو غيره كرواتب الموظفين وأجور العمال وغيرهما وذلك في مرحلتين:
المرحلة الأولى: اننا نشترط أن لا يكون المال المقبوض ( من ظلم ولا الى ظلم ولا على حد السرقة) يعني أنه لم يتم الحصول عليه بظلم ولا أنه يُصرف في ظلم أو حرام ولا أنه من قبيل السرقة من مجهول المالك أو من الدولة فإن هذا خارج عن الإذن وما اجتمعت فيه الشرائط الثلاثة فهو مأذون فيه.
المرحلة الثانية: أن يقول الفرد حين يقبض المال (أقبضه نيابة “أو وكالة” من الحاكم الشرعي “أو يذكر اسمه” وأتملكه لنفسي). فإذا قال ذلك أصبح المال ملكاً له كأحد ممتلكاته فإن كان لديه رأس سنة للخمس, صرف منه على مؤونته فإن بقي منه باق في رأس السنة دفع خمسه, وإن لم يكن له رأس سنة وجب دفع الخمس فوراً. وجاز تصرف الفرد في الباقي . إنتهى

 

وكان السيد محمد الصدر قد ذكر حكم مجهول المالك في أول رسالة عملية له وهي (فقه الفضاء) التي طبعت عام 1990م  
فقال ما نصه:
“القسم الثالث: المكان المجهول المالك ولا تصح الصلاة فيه إلا بإذن الحاكم الشرعي الذي قد يكون مع إشتراط دفع البدل وقد يكون بدونه. وهذا متحقق في ممتلكات الدولة من عمارات ووسائط نقل على اختلافها بما فيها المركبات الفضائية والسفينة الفضائية وغيرهما. فلو صلى في المكان المجهول المالك, بدون إذن الحاكم الشرعي فالأحوط إعادة الصلاة وقضائها, إذا كان هو صاحب اليد عليه. وإن لم يكن هو صاحبها فالأحوط الإعادة دون القضاء. وليس لصاحب اليد الإذن بإستعمال المكان المجهول المالك) فقه الفضاء كتاب الصلاة مكان المصلي”.


 ويعلق الكاتب مؤيد عطوان في مقال له  بعنوان (مجهول المالك في فقه السيد محمد الصدر) في موقع كتابات، بتاريخ ٢٠ حزيران ٢٠١٧ بما يلي:

إن أحكام مجهول المالك سارية المفعول ومطلقة وليست مقيدة بدولة معينة أو مكان معين أو زمان معين لحين ظهور دولة الحق المنتظر أرواحنا لمقدمه الفداء عندها يكون بيان الأحكام الشرعية للإمام المهدي نفسه التي تمثل الشريعة الواقعية التي يعلمها (عليه السلام) بعلمه اللدني كما لا يخفى”.

 

   ويبدو ان هذا الموقف من أموال الدولة واعتبارها (مجهولة المالك) قد لعب دورا كبيرا في ظاهرة النهب العام لأموال وممتلكات الدولة العراقية  عند سقوط نظام صدام حسين عام ٢٠٠٣، وما بعد ذلك ، تحت مسمى (الهيئات الاقتصادية) التي شكلتها الأحزاب الحاكمة في العراق  لكل حزب في كل وزارة. 

 

 

وقد أصدر زعيم التيار الصدري مقتدى محمد الصدر، فتوى  مشابهة لفتوى أبيه، بالرغم من أنه لم يعلن حتى الآن حيازته على درجة (الاجتهاد) فقال جوابا على استفتاء  من أحد أتباعه ( رياض حنون) يقول فيه: “… ظهر في الآونة الأخيرة عند البعض التداول بالعملة الصعبة… حيث يشتري جواز السفر بسعر ١٠٠٠٠ دينار ويقوم هذا الشخص باستلام مبلغ من المصارف الأهلية مقابل الجواز ٥٠٠٠ دولار فما رأي سماحتكم في العمل في هذا المجال؟ ” فكان جوابه  كما يلي:

” بسمه تعالى

أموال مجهولة المالك، راجع الحاكم الشرعي

التوقيع والختم مقتدى الصدر

١ محرم الحرام ١٤٢٥” 

وقد نشرت هذه الفتوى في (منتدى جامع الأئمة الثقافي، قسم آل الصدر النجباء، بيانات واستفتاءات السيد القائد مقتدى الصدر نصره الله،

الأموال المجهولة المالك،  استفتاء بتاريخ ٦/١١/ ٢٠١٣)  

 

وقد طور أحد تلامذة السيد محمد الصدر، وهو الشيخ محمد اليعقوبي، الذي أعلن مرجعيته بعد سقوط النظام الصدامي، الموقف من أموال الدولة العامة، ولاسيما في العراق الذي اصبح خاضعا لولاية (الفقهاء المراجع)  فقال اليعقوبي: ” عندما لا يكون النظام السياسي قائما على أساس الإسلام ولا يكون الفقيه مبسوط اليد، فانه يأذن بتصرفات الحكومات القائمة في حدود ما فيه حفظ النظام الاجتماعي العام وعدم مخالفتها للشريعة فتكون تلك الحكومات بمثابة الوكيل عنه في هذه التصرفات، وهو المالك الحقيقي لها، لذا يشترط استئذانه في هذه التصرفات، ويترتب على ذلك ان كل ما جرت عليه يد الدولة من أبنية ومؤسسات واستثمارات وغيرها فملكها الحقيقي هو الامام ويحتاج التصرف فيها الى اذن من نائب الامام وهو المرجع، وليست هي من مجهول المالك أو من المباحات العامة التي تملك بالحيازة ووضع اليد.

مسألة ٣١: من رسالته العملية (سبل السلام، العبادات) الطبعة الثانية، مؤسسة البديل بيروت لبنان، ٢٠١٠م ١٤٣١هـ 

احمد الكاتب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here