عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثَّامِنةُ (٧) [الإِنتِظارُ السَّلبِيِّ]

عْاشُورْاءُ

السَّنَةُ الثَّامِنةُ

(٧)

[الإِنتِظارُ السَّلبِيِّ]

نـــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

الإِنتظارُ على نَوعَينِ؛ محمودٌ ومذمُومٌ.

فأَمَّا الأَوَّل؛ فهوَ أَن تنتظرَ [الخليفة] أَو [الزَّعيم] ليَفِيَ بوعودهِ [الإِنتخابيَّة] إِذا كانَ حديثُ عهدٍ بالسُّلطةِ ولم يسبق أَن جرَّبتهُ وخبِرتَ صدقهُ من كذبهِ والتزامهِ من نكُوثهِ.

والثَّاني؛ عندما تُكرِّر معهُ نفس التَّجربة بعدَ خبرةٍ ومعرفةٍ!.

عندما تنتظر منهُ أَن يُصحِّحَ مساراً أَو يُصلِحَ فاسداً أَو يُغيِّرَ وضعاً مُنهاراً وأَنت تعرِفُ حقَّ المعرِفة أَنَّهُ فاسدٌ وفاشلٌ وهو يُمثِّلُ زعيمَ عِصابةٍ وليسَ رجُل خِلافة أَو رجُل دَولة.

إِنَّ أُولئِكَ الذين انتظرُوا ليَرَوا ماذا سيفعلهُ يزيد بن مُعاوية بعدَ أَبيهِ طاغيةَ الشَّام الطَّليقُ ابنُ الطَّليق مُعاوية بن أَبي سُفيان راجينَ منهُ خيراً للدِّينِ والأُمَّة، همُ الذين كانَانتظارهُم مذمومٌ لأَنَّهم كانوا يعرفُونَ جيِّداً مَن هوَ؟! وماذا يُمثِّل؟! كما كانُوا يعرفُونَ تفاصيلَ أَخلاقهِ وسلوكيَّاتهِ، وأَنَّهُ لا يقلُّ سوءاً عن أَبيهِ إِن لم يكُن أَسوءَ منهُ.

كانُوا يعرفُونَ جيِّداً بأَنَّهُ [خليفة] سكِّير يلعب بالقرُود لا يُسبِغُ وضوءهُ ولا يُحسِنُ صلاتهُ ولا يفهم من لُغةِ التَّعاملِ مع [الأَمَّة] إِلَّا لُغة الدَّم والقَتل والذَّبح.

لم يكُن أَحدٌ منهم يجهلهُ، فكلُّهُم خبروهُ، وكلُّهم كانُوا يعرفُونهُ طِفلاً ويعرفُونهُ صغيراً ويعرفُونهُ شابّاً ويعرفُونهُ اليَوم في سِدَّةِ الحُكمِ.

لم يقُل أَحدٌ منهُم للحُسين السِّبط (ع) عندما رفضَ البَيعةَ بأَنَّكَ على خطأ لأَنَّ يزيد رجلٌ مُؤمنٌ مُتَّقي وأَنَّهُ خليفةُ الله ورسولهُ والذين آمنُوا! لا يجُوزُ أَن لا تُبايعهُ فتأثم! أَبداً!.

يعرفُونَ أَنَّهُ فاسدٌ ومُفسدٌ ولذلكَ كانُوا على يقينٍ بأَنَّهُ لا يُمكنُ أَن يُصلِحَ شيئاً من أَحوالِ الأُمَّة، لأَنَّ [فاقد الشَّيء لا يعطيه] كما يقولُونَ.

فلماذا انتظُروا إِذن؟!.

وتمرُّ القرُون ويتكرَّر المشهد، فالذين ينتظرُونَ اليَوم من [العصابةِ الحاكِمةِ] أَن تُغيِّر وتُصلح وهُم يعرفُونها بالتَّجربة والخِبرة بأَنَّها سبب الفساد والفشل منذُ التَّغيير ولحدِّالآن، لا يختلفُونَ كثيراً عن أُولئكَ الذين انتظرُوا من يزيدَ أَن يُغيِّر!.

فلماذا ينتظرُونَ من فاقدِ الشَّيءِ؟!.

إِنَّهُم وبِصراحةٍ ووضُوحٍ آثرُوا الرَّاحة والدَّعة على المُقاومة والرَّفض والتحدِّي! وكُلُّ ذلكَ لحمايةِ مصالحهِم والمُتمثِّلة بالفُتات الذي يتصدَّق بهِ عليهِم [الحاكِم الفاسِد].

والذين نراهُم الآن [يُجدِّدُونَ] العهدَ مع عاشوراء تحتَ رايةِ الفاسدِينَ والفاشلينَ لا يختلِفونَ عن أُولئكَ الذينَ بايعُوا يزيد بذريعةِ حفظِ [بَيضةِ الإِسلامِ] يزيدُ الذي قالَ عنهُالحُسين السِّبط (ع) {وَعلى الإِسلامِ السَّلامِ إِذ قَد بُلِيَت الأُمَّة بِراعٍ مِثلَ يَزيد}.

فالحُسينُ السِّبط (ع) لم ينتظِر ليرى ماذا سيفعَل يزيد! فهوَ لم يُمهِلهُ ولم ينتظِر ليرى! فلقد كانَ مَوقِفهُ الرَّفض المُطلق لهُ ولخلافتهِ ولبيعتهِ ولكلِّ شيءٍ يرتبطُ بهِ.

لم يشأ أَن يُمهِلهُ شيئاً يُذكر من الوقتِ، فالإِنتظارُ بهذا الصَّدد في مفهومِ الإِمام نوعٌ من خداعِ الذَّات، فهوَ يعرفُ مَن يزيد؟ ويعرفُ ماذا يُمثِّل عندما يكونُ في السُّلطةِ[خليفةٌ]؟!.

معنى الإِنتظار هُنا في قامُوس الحُسين السِّبط (ع) يعني خيانةً لعلمهِ وضِحكاً على الذُّقون وتسويفاً لحملِ الأَمانة وشرف الرِّسالة التي قالَ عنها {وَأَنا أَحقُّ مَن غَيَّر}.

وهذا هوَ الفرقُ بينَ الإِنتظارِ المحمُود والآخر المذمُوم.

وإِنَّ عدم قُدرةِ المُجتمعِ على التَّمييزِ المُبكِّر لهذَينِ النَّوعَينِ من الإِنتظارِ هو الذي يدفعُ بهِ إِلى التخبُّطِ في المواقفِ وأَن يدفعَ ثمن التَّغيير والتصدِّي [المُتأَخِّر] رُبما أَضعافاًمُضاعفة.

فمثلاً؛ عندما عادَ البعثيُّون للسُّلطةِ في بغداد عام ١٩٦٨ إِتَّخذَ العراقيُّون جانب الإِنتظار ليرَوا ماذا سيفعلُونهُ في رجعتهِم الجديدة للسُّلطة، وكأَنَّهُم ينتظِرُونَ مجهُولاً! وهُمالذين خبرُوهُم وخبرُوا جرائِمهُم من قبلُ!.

إِنتظارهُم هذا كانَ خطأً بل خطيئةً ورُبما جريمةً، لأَنَّ المُجتمع الذي خبرَ طبيعة وحقيقة البعثيِّين وهُم في السُّلطة عام ١٩٦٣ لم يكُن بحاجةٍ إِلى أَن يختبرهُم مرَّةً أُخرىفيُمهِلهُم وقتاً فَرُبما يغيِّرونَ فيُبدِّلونَ طبعهُم وطبيعتهُم! كما ظنَّ العِراقيُّون.

الإِنتظارُ المذمُومُ هذا منحَ البعثيِّين وقتاً كافِياً لترسيخِ وجودهِم في السُّلطةِ حتَّى باتت مُحاولاتِ إِزاحتهِم عنها باهضةَ الثَّمن جِدّاً، فكانَ الثَّمنُ الذي دفعهُ العراقيُّونَ لهذهِالإِزاحةِ أَن تعرَّضَ العراق للغزوِ والإِحتلالِ بعدَ أَنهارٍ من الدِّماءِ مازِلنا ندفعُ ثمنَ الغزوِ كما ندفعُ ثمن [٣٥] عاماً من سُلطةِ البعثِ الأَسودِ!.

ويتكرَّر المَوقف، فبينما يعرفُ كُلَّ العراقيِّينَ أَنَّ هذهِ العصابةَ الحاكِمةَ التي سيطرت على مُقدِّرات البِلاد منذُ التَّغيير عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن لا يُمكنُ أَن تُغيِّرً شيئاً من الواقعِالمأساوي الذي يعيشهُ البلد فيما إِذا تمَّ استنساخَها في الإِنتخاباتِ النيابيَّة المُرتقَبة، معَ ذلكَ فإِنَّ الكثيرَ منهُم يُفكِّر في منحهِم الفُرصةَ والثِّقةً مرَّةً أُخرى وفي نفسهِ شيءٌمن التَّبريرِ لهُم والإِنتظارِ منهُم أَن يُغيِّرُوا شيئاً وكأَنَّهم مجهولُونَ عندهُ لا يعرفهُم ولا يلمس آثارهُم المُدمِّرة التي يعيشُها العِراق حاليَّاً!.

مَن يُجدِّد لهُم الثِّقة بمنحهِم صوتهُ الإِنتخابي كمَن بايعَ يزيد! سيتحمَّل مسؤُوليَّة الدَّمار القادم والذي مضى على حدٍّ سَواء!.

١٥ آب ٢٠٢١

لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar2

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here