لا يستوحشنك طريق الحق على قلة سالكيه

لا يستوحشنك طريق الحق على قلة سالكيه

مقولة رائعة صالحة في كل وقت وحين قالها الامام علي كرم الله وجهه. تختصر لنا الكثير من التجارب وتؤكد بان السير على الطريق المستقيم وعلى الحق والصدق والامانة والوفاء والاخلاص صعب السلوك وسوف يتخلى الكثير بعضهم من اول الطريق واخرين من منتصفه واخرين قبل نهايته. فالانسان صبره محدود. واحيانا الصدع بالحق لا يبقي لك صديق.
هذه سنة الله في خلقه. فقد انحرف بني إسرائيل عن طريق الحق بعد غياب نبيهم موسى اربعين يوما فقط. اذ اتخذوا العجل الها لهم ولم يأبهوا بتحذيرات النبي هارون اخ موسى الذي كان معهم. فشل ايضا بني إسرائيل في الامتحان مع ملكهم طالوت قبل مقاتلة عدوهم جالوت. لم يبق معه الا القليل من المؤمنين الصابرين على قضاء الله والراجين نصره. “فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ”.
كذلك الامر مع رسول الله في معركة حنين اذ اعجب المسلمون بكثرة عددهم الذي بلغ حوالي اثنى عشر الف مقاتل. لقد نسوا بان النصر من عند الله العزيز الحكيم ولا يعتمد على العدة والعدد. فهاجمهم جيش المشركين غفلة من بين الجبال والوديان والشعب فانهزم اغلب المسلمين ولم يبق مع رسول الله الا القليل. لم يعودوا لارض المعركة الا بعد ان سمعوا صوت العباس يناديهم ياهل بيعة الرضوان والشجرة ويا انصار رسول الله عودوا مع رسول الله واثبتوا على الحق. عندها عادوا وانتصر المسلمون نصرا ساحقا. “لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَا​طِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡ‍ٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ. ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ”. فطريق الحق اذن محفوف بالفتن والمخاطر والصعوبات. لن يتمكن من الصبر عليه الا المومنون الذين يرجون لقاء ربهم.
نرى من جهة اخرى في ايامنا هذه كيف انبرت احزاب اسلامية كانت تدعي التقوى وتطبيق الشريعة. كيف شغلتها الدنيا وبريقها فباعت نفسها بثمن بخس للادارة الامريكية وخانت عقيدتها واغوت منتسبيها. فاصبح جمع المال الحرام اكبر همها ومبلغ علمها. بات خوفها من امريكا اكبر من خوفها من الله التي تدعي العبودية له.. ان من يريد سلوك طريق الحق عليه ان يهيء الاسباب لذلك. لكن الاسباب في احيان كثيرة لا تغني شيئا من دون عون المسبب. في حين ان الثقة بنصر الله هي الفيصل والحاسم الذي لا يحتاج الى اسباب لانه ياتي من مسبب الاسباب.
اخيرا فعبر مراحل التاريخ يتبين ان سلوك طريق الحق صعب وبحاجة الى تضحية. فقد ولوجه الانبياء الكرام نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد فضحوا ودفعوا ثمنا باهضا حتى نالوا نصر الله. كل المصلحين الذين يريدون رضوان الله وانتصار شعبهم ينبغي ان لا يستوحشون طريق الحق على قلة سالكيه من الانصار والمريدين. لان اغلب الناس يريدون الثمن المادي قبل او اثناء عملهم مهما كان ذلك العمل. على اهل العقيدة والمبادئ ان يحتملوا ويتوقعوا بان سلوكهم الدائم للسير على الصراط المستقيم سوف لن يبقي لهم بالنهاية صاحب او صديق.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here