الاخيار والاشرار في المشهد الأفغاني

محمد سيف الدولة

[email protected]

منذ اللحظات الاولى لسقوط كابول في ايدى حركة طالبان، روج الاعلام الأمريكي والغربي لصورة اعلامية مرعبة تظهر طالبان الشريرة المتوحشة البربرية بمقاتليها اصحاب الذقون الطويلة والملابس الغريبة واغطية الراس غير المعتادة، الذين اقتحموا القصر الرئاسي وجلسوا بهيئتهم الرثة على الأثاث الفاخر من الطراز الفرنسي فى مكتب الرئيس الأفغاني الهارب.

أو صور تظهر الجماهير الافغانية المذعورة من الجحيم المنتظر من حكم طالبان، التى هرولت بالآلاف الى مطار كابول، يستنجدون ويستجدون مقعدا فارغا على احدى طائرات الاجلاء الامريكية والغربية، بل أن هناك من بلغ به الذعر، أن أقدم على افعال أقرب الى الانتحار، فتعلق بعجلات الطائرة المقلعة ليلقى حتفه الحتمي بعد سقوطه منها بعد تحليقها لارتفاع كبير.

***

وبالطبع هناك الصورة البديلة فى الوعي الباطن او الحاضر للرأى العام العالمي من باب القياس والمقارنة، وهى الصورة المعتادة والكلاسيكية للرجل الغربي المتحضر الانيق ذو البشرة البيضاء أو الحمراء والشعر الاصفر والعيون الملونة والذقن الحليقة، ببذلته الافرنجية الفاخرة ورابطة العنق عالية الذوق متسقة الالوان، وكلامه الدبلوماسي المعسول وفصاحته فى اللغات الانجليزية الاوروبية، ومشاعره وتصريحاته الرقيقة التى تبدى القلق الشديد على مصير حقوق الانسان هناك.

***

أين الحقيقة بين الصورتين؛ صورة الاشرار من حركة طالبان، وصورة الأخيار من حكام الغرب المتألمين والقلقين والمشفقين على مصير الشعب الأفغاني المسكين؟

بالطبع لا يمكن لجماعة طالبان قريبة الشبه من الجماعات البدائية فى العصور الوسطى ان تضاهى أو تنافس صورة امريكا قائدة العالم الغربي ودرته، فهي ملكة جمال العالم بلا منازع؛ رائعة الحسن ممشوقة القوام، لا أحد يستطيع ان يضاهيها فى بهائها ورونقها. ولكنه مثل جمال الساحرة الشريرة فى قصة “سنو وايت والأقزام السبعة”، التى تخفى وراء هذا المظهر المبهر البراق كل قبح العالم وشروره.

***

·       ان لنا تاريخا مريرا مع مثل هذه الصور المضللة التى يروج لها الاعلام الغربى؛ فمن ينسى صورة اسقاط تمثال صدام حسين التى غطت على جريمة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فى محاولة لتمرير ادعاءا زائفا بأنه ليس غزوا بل تحريرا للشعب العراقي من حاكم مستبد.

·       أو صورة الاحتفاء العالمي الواسع باتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية التى ضمت السادات ومناحم بيجين وكارتر عام 1979 وهم يتصافحون بحرارة وسعادة بعد توقيع اوراق اول مذبحة عربية رسمية للقضية الفلسطينية.

·       ومثيلتها بين عرفات وكلينتون واسحق رابين عام 1993، التى كان من نتيجتها التنازل عن ارض فلسطين التاريخية واستيلاء (اسرائيل) على مزيد من الأراضي الفلسطينية.

·       أو صور صواريخ المقاومة الفلسطينية (الارهابية الشريرة) التى تهدد سكان المستوطنات الاسرائيلية “الاخيار” مع حجب كامل لصور جرائم الحرب والقتل والابادة التي ترتكبها قوات الاحتلال.

***

·       ولكن بعيدا عن حديث الصور الموجهة والمضللة، فانه من المبكر جدا الحكم على مستقبل الاوضاع فى افغانستان، كما أن الشعب الأفغاني هو وحده صاحب الحق في الاختيار وفى الحكم على حركة طالبان، وهي هل من الاخيار ام من الاشرار.

·       ونحن بالطبع لسنا افغانا ولا طالبانا ولن نكون، ولكننا ومن ناحية أخرى وكشعوب عربية ابعد ما نكون عن الغرب الاستعماري بل اننا على النقيض منه على طول الخط، رغم تبعيتنا العميقة له واستهلاكنا الواسع لمنتجاته واعتمادنا شبه الكامل على تكنولوجيته بالإضافة الى شرائنا لأسلحته. الخ

·       فهو الارهابى الاول فى العالم، الذي استباح اوطان الشعوب وغزا بلادهم وعاث فيها نهبا وفسادا وصنع له تابعين واعوانا من حكامهم، وحين ينهزم ينجو بنفسه ويهرب كالجرذان.

·       كما اننا ايضا لا يمكن ان نكون على الحياد فلدينا كثير من المشتركات بيننا وبين أفغانستان وعديد من بلدان العالم الأخرى مع اختلاف وتباين الثقافات والحضارات، وعلى رأسها اننا جميعا ضحايا لعصور طويلة من الاستعمار والاستعباد والنهب والهيمنة.

·       ولا يمكن ان ننسى او نتجاهل اننا جميعا: عرب وأفغان ومسلمون تصدرنا قائمة الاهداف الامريكية فى العشرين عاما الاخيرة، بعد واقعة تفجير البرجين فى سبتمبر 2001

·       فكلنا محتلون او تابعون او مستهدفون، منا من انتصر وتحرر، ومنا من لا يزال يتملكه العجز حتى يومنا هذا.

·       ولذلك رحبت الغالبية العظمى من الشعوب المقهورة المحتلة او التابعة بانسحاب قوات الاحتلال الامريكية وبانتصار المقاومة الافغانية، ليست لانها افغانية او طالبانية او اسلامية وانما لانها مقاومة، لما في ذلك من بشرى والهام ليوم نأمل الا يكون بعيدا، نرى فيه الصهاينة وعملاء الامريكان والمتعاونين معهم يهرولون هربا من مطارات فلسطين وباقى العواصم العربية.

*****

القاهرة فى 18 اغسطس 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here