نريدها رافعة للتغيير

نريدها رافعة للتغيير

محمد عبد الرحمن

ونحن نقترب من الذكرى السنوية الثانية لانتفاضة تشرين 2019 الباسلة، فان افضل ما نكرم به شهداءها وتضحيات عموم المنتفضين والحراك الاحتجاجي، هو التمعن في ما حصل وأسبابه ودوافعه الموضوعية، واستخلاص العبر والدروس منها كي تكون زادا لقادم الأيام الحبلى بارهاصات التغيير، الذي غدا منذ زمن ضرورة ملحة لإنقاذ البلاد مما هي فيه من سوء وتدهور وخراب، عم جميع مرافق ومؤسسات الدولة ونواحي الحياة .
والمراجعة المطلوبة اليوم لمسار الانتفاضة، لصعودها وانخفاض زخمها بين حين وحين، يتوجب ان تتوقف عند القوى المشاركة والفاعلة فيها، وعند الثغرات والنواقص، والتأكد من سلامة الشعارات المرفوعة والتوجهات ومدى واقعيتها، والابتعاد عن العدمية في هذا الموقف او ذاك، واعلاء شان التنسيق والتعاون بين المنتفضين والمحتجين ومختلف القوى والتنظيمات المشاركة والداعمة، بل والارتقاء به الى درجات اعلى بما يخدم توحيد الخطاب والتوجه وأساليب العمل والحراك. وان يكون ذلك في اطار مراجعة نقدية موضوعية شاملة، تضع في الاعتبار أولا وقبل كل شيء أهمية وضرورة مواصلة السير لتحقيق اهداف الانتفاضة وتطلعات الملايين من العراقيين، الذين تسحقهم تداعيات الازمة الشاملة التي يمر بها البلد ، فيما تهيمن على ثرواته وتنتفع بها اقلية فاسدة وفاشلة .
كذلك ان تعي هذه المراجعة حقيقة ان المنتفضين ليسوا فقط من انتظم في أحزاب واطر سياسية، بل هم أوسع من ذلك بكثير، ما يوجب ان تكون تطلعات الملايين حاضرة عند رسم التوجهات واتخاذ المواقف. وهذا ما يضمن الدعم والاسناد الشعبيين الواسعين، اللذين يشكلان دعامة راسخة لاي حراك يبتغي الظفر وتحقيق المطالب والتطلعات، ومن دونه يقتصر الحراك على جماعات نخبوية.
وفي الذكرى السنوية الثانية للانتفاضة المجيدة يتوجب ايضا وبالحاح ادراك مرامي واهداف القوى المتنفذة الماسكة بالسلطة، لاسيما وان معظمها قد ساهم بهذا الشكل او ذاك في قمع الانتفاضة واراقة دماء بناتها وابنائها، وفي ملاحقتهم ومطاردتهم واعتقالهم وتعذيبهم واختطافهم، والسعي المحموم لتشويه اهداف المنتفضين وإلصاق النعوت بهم، الامر المتواصل حتى اليوم.
فلا يغرّن البعض كلام معسول تطلقه هذا الجهة او تلك، بعكس ما تضمر من حقد دفين على الانتفاضة والمشاركين فيها، خصوصا في هذه الأيام وهي تباشر دعايتها الانتخابية، التي نلمس مدى بعدها عن هموم المنتفضين وعموم أبناء الشعب .
فلا يرتجى خير من هذه القوى المتنفذة، خاصة منها المدججة بالسلاح المنفلت ، وهي التي افرغت مطلب المنتفضين اجراء انتخابات مبكرة من محتواه الحقيقي، وحيث كان يراد منها ان تكون احدى روافع التغيير والخلاص من منظومة المحاصصة والفساد. لكنها لَم تستجب لتنفيذ هذا المطلب الا بعد ان شرعت قانونا للانتخابات يديم سلطتها ونفوذها، ويعيد إمساكها بقرار الدولة السياسي والمالي والاقتصادي والأمني. فالحذر واجب من هؤلاء الذين لن يتوانوا في سعيهم لتشتيت قوى الانتفاضة وادامة فرقتها وزرع بذور الشك والريبة بين المنتفضين، والايقاع بينهم وبين الجماهير الشعبية .
ان الذكرى السنوية الثانية وهي على الأبواب تستحق الاحتفاء بها بكل الاشكال والأساليب السلمية، في المناطق وعلى صعيد محافظات الوطن باسرها، والتفكير باستمرار في إمكانية تجديدها، خصوصا وان أسباب قيامها لا تزال قائمة، بل وتعمق الكثير من جوانبها، وغدت الهوة اعمق بين عموم أبناء الشعب المسحوق والأقلية الحاكمة المتنفذة المتنعمة والمرفهة.
في ذكرى وثبة كانون الثاني 1948 كان شبابها يرددون: “يلله يا شباب نجدد الوثبة”، واليوم نقول ان الظروف الموضوعية مهيئة لتجديد عنفوان انتفاضة تشرين، ونريدها على الدوام ان تكون سلمية جماهيرية تطيح بالمنظومة الحاكمة الفاشلة والفاسدة، وتضع بلادنا على سكة التغيير الشامل وتدشين عملية البناء والاستقرار والحياة الكريمة، في دولة المواطنة والمؤسسات والقانون والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الاثنين 16/ 8/ 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here