السلطات الرسمية تهيىء الاجواء لتهميش مسلمي فرنسا لاهداف انتخابية

قبل عدة ايام سفر امام مسجد جانفلييه في ضواحي باريس واخر من منطقة جنوب فرنسا لان احدهما: قال ينبغي على المسلم الا يحتفل بنوييل. والاخر قال على المرأة ان تلتزم بالحجاب. ونتيجة لاشاعة الاجواء المعادية للمسلمين فقد اعتدى احد المتطرفين على امام في مدينة بوردو وضربه بثلاثة اطلاقات نارية. كما جرح معه اثنين من المسلمين ويرقدون الان جميعهم في المستشفى.
اجواء متوترة خلقتها السلطات الرسمية منذ تصريحات الرئيس الفرنسي التي شجعت الرسوم المسيئة لرسول الله. والتي تظهره عاريا بصورة مهينة تقشعر منها الابدان. فمن يرى تلك الصور يدرك بسرعة ان الامر ليس له اية علاقة بحرية الراي والتعبير. انما هي مجموعة رسوم مليئة بالاكاذيب والتراهات والشتم والسب التي يعاقب عليها اي قانون. كما لا يمكن ان تقبل بمضامينها اية دولة ديمقراطية في العالم سوى فرنسا.
كما الزمت الحكومة الفرنسية مسلمي فرنسا في تدخل سافر في شؤونهم العبادية ميثاق اذعان وقع عليه مسجد باريس الكبير وتنظيم مسلمي فرنسا سليل الاخوان المسلمين والمجلس الفرنسي للديانة الاسلامية. اذ سبق ان سوقت الحكومة دعايات كاذبة تصف المسلمين بالارهاب دون غيرهم من اليهود او النصارى او الصهاينة او المستعمرين. ثم ابتكرت فرية وصف المسلمين بالانعزالية لارهابهم واجبارهم على الاذعان لكل قرار.
مسلمي فرنسا ينتظرون ظروفا صعبة مع تقدم الايام والاسابيع والشهور الى موعد الانتخابات الرئاسية في نهاية النصف الاول من العام المقبل. ففي كل مرة يقع مسلمي فرنسا ضحية الدعايات الكاذبة حول حقيقة دينهم. ثم تبحث السلطات عن نماذج سيئة لا تمثل الاسلام لتعميمها على الجالية. كل ذلك من اجل ربح اصوات اليمين المتطرف وارضاء الحركات الحاقدة على الاسلام. والتي لا بحسابها احد مهما فعلت من جرائم طالما تهاجم المسلمين فقط.
مسلمي فرنسا اليوم يعانون اولا وقبل كل شيء من مسؤولين فرضتهم الظروف التاريخية. فمسجد باريس الكبير كان اول صرح رسمي يمثل مسلمي فرنسا منذ عشية الحرب العالمية الاولى. بقى هو الممثل الوحيد للمسلمين لفترة طويلة. فمنذ ذلك الوقت ولحد الان تهيمن على قراراته الدولة الفرنسية والجزائر.
لكن فترة ثمانينات القرن الماضي افرزت نشأة اتحاد المنظمات الاسلامية ويسمى اليوم مسلمي فرنسا الخاضع للاخوان المسلمين. اذ اكتسح هذا التنظيم الساحة الفرنسية بتشجيع غربي وخليجي. جمع الكثير من الانصار والتفت المساجد حوله لانه كان يتمتع بتاييد السعوديين والاموال الطائلة للاماراتيين. قام بفعاليات عديدة جلبت له المزيد من الاتباع وعمل مؤتمرات كبرى دعى فيها دعاة مسلمين من كثير من الدول الاسلامية. كانت عموم السلطات الغربية ومنها الفرنسية تشجع الاخوان المسلمين وتحثهم لارسال المجاهدين الى افغانستان انذاك.
هناك ايضا اتحاد المنظمات التركية الذي يخضع لتاثير الدولة التركية وفق اسلام ذو مسحة وطنية يصعب اندماجه مع المسلمين العرب. وهناك ايضا اتحاد المنظمات الافريقية لجنوب الصحراء والساحل. الذي يقلد غالبا الطرق الصوفية التي تعزل السياسة والاقتصاد عن الدين. وهو الاخر تنظيم ذو تاثير قومي وطني محلي صعب الاندماج مع غيره.
لكن من اكبر الضحايا الذين دفعوا ويدفعوا المزيد من العزلة والتهميش هم معتنقي الاسلام الفرنسيين. فالسلطات الفرنسية لا تشجع الا الذين يعتنقون الاسلام الروحي الذي لا يتدخل بالشؤون العامة. انها لا تريد ان يشكلوا نواة لاسلام فرنسي على اراضيها. لانها تريد ان يبقى الاسلام دين المهاجرين العرب الفقراء ولا يشكل دينا وطنيًا كالمسيحية واليهودية. تريد من معتنقي الاسلام الفرنسيين ان يغرقوا في جدل سفسطائي فلسفي حول هل القران هل هو مخلوق ام قديم وهل الانسان مسير او مخير. تريد السلطات منهم البقاء في دراسة بطون الكتب الصوفية الفلسفية. وتقليد بعض الطرق التي تعزل المسلم الفرنسي عن حياته العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لا تزال اليوم الجمعيات الاسلامية الكبرى التي هيمنت على الجالية المسلمة في فرنسا. تتخذ قرارات تبتغي فيها ارضاء السلطات الرسمية الفرنسية ومدارات مصالحها الانانية. لم تضع مصلحة الجالية الا في اخر اولوياتها. يبدو ان السلطات الفرنسية هي الاخرى تفضل التعامل مع مثل هؤلاء المسؤولين الانانيين الذين لا يختلفون كثيرا من الحكام العرب الذين جعلوا مصالح مستعمريهم اهم من مصالح شعوبهم.
تلك الجمعيات تتسابق لخدمة السلطات الرسمية حتى اصبحت ملكية اكثر من الملك فتركت مصالح الجالية للاقدار. لكن من جهة اخرى فان تلك الجمعيات تتصارع فيما بينها صراعا مريرا للحفاظ على مصالحها المادية في بيع اللحم الحلال مثلا او غير ذلك التي تدر عليهم ارباح لا باس بها. تتصارع ايضا فيما بينها للسيطرة على الجالية او التحدث باسمها عبر شراء ضمائر مسؤولي المساجد. فكل فيدرالية تعتبر نفسها الممثل الشرعي للجالية. وتتهم الاخرى بالغلو والتعصب ومعادات قيم الجمهورية. بل صور بعضها الالتزام بشعارات الجمهورية الفرنسية والعلمانية كفرائض اسلامية لا بد منها.
اخيرا ان موقف المنظمات الاسلامية الكبرى كموقف السلطات الفرنسية. حيث لا تريد اسلام متجذر في فرنسا يعتمد على اهل البلد من معتنقي الاسلام. لذلك فهي لا تثق بهؤلاء المسلمين ولم تمنحهم مسؤليات قيادية في جمعياتهم. انهم يخافون ان يفقدوا نتيجة ذلك مصالحهم الذاتية او الحزبية. نتيجة انانية ومصلحية قيادة تلك الجمعيات. فانها في حقيقة الامر لا تريد نشر اسلام حقيقي يقوم به اهل البلد الاصليين.
د. نصيف الجبوري
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here