وجهان مختلفان للقضاء في العراق

وجهان مختلفان للقضاء في العراق
عبداللطيف الهجول

حين يختل ميزان العدالة
رغم أننا ندعم القرار الذي أصدرته محكمة جنايات كربلاء القاضي بتطبيق حكم الإعدام حتى الموت بحق قاتل مدير بلدية كربلاء عبير الخفاجي، إلا أن هذا لا يمنعنا من تسجيل رأينا في القضاء العراقي، الذي افتقد للإنصاف والعدل في مواجهة جرائم أخرى طالت الشعب العراقي. الحكم القضائي يصدر في العراق بناء على أهمية المجني عليه، سواء على المستوى السياسي أو المدني أو الانتماء إلى طائفة أخرى، وغالبا لا نرى أحكاما مشدّدة، بل إن القضية قد تنسى وتترك في رفوف المحاكم العراقية.

قضية الخفاجي أخذت منحى دعائيا خدمة للقضاء من جهة وخدمة للحكومة العراقية من جهة أخرى.

وفي وقت سابق أعلنت الحكومة العراقية عن إلقاء القبض على فرقة الموت التي قامت بتنفيذ عمليات اغتيال في البصرة ومحافظات العراق الجنوبية ضد ناشطين ومؤثرين في مظاهرات أكتوبر 2019. ولم يتم الكشف أو اتخاذ أي إجراء قضائي بحق المتهمين الذين ثبتت عليهم الجرائم إلى الآن، ولا نعلم سبب التأخير هل هو الإهمال، أم أن السبب هو ارتباط فرقة الموت بميليشيات قريبة من إيران، يخشى القضاء العراقي الاقتراب منها.

منذ سنوات والسلطة القضائية تمر بفترة مظلمة صبغت تاريخ القضاء العراقي، حيث تحوم شبهات فساد حول قضاة وجهت إلى البعض منهم تهم بذلك. ولم يقتصر الأمر على هذا، بل صرّح عدد من أعضاء مجلس النواب العراقي بأن الكثير من ملفات الفساد التي ترسل إلى المحاكم العراقية، سواء من قبل مجلس النواب أو من جهات حكومية أخرى أو من المواطنين، تضيع داخل دهاليز المحاكم وتترك على الرفوف ليعلوها الغبار مع مرور الزمن.

ولكن قبل الدخول في تفاصيل تلك القضايا نعرّج قليلا على بعض القوانين التي تنظّم عمل السلطات القضائية في البلاد، ومن أهمها قانون السلطة القضائية العراقية رقم 26 لسنة 1963، في الباب الأول للأحكام العامة مادة رقم واحد التي تنص على أن تكون المحاكم مستقلة لا سلطة عليها لغير القانون، ولا يجوز لأي سلطة أو شخص التدخل في استقلالية القضاء أو في شؤون العدالة. والمادة الثالثة من نفس القانون التي تنص على أن تسري ولاية المحاكم على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية بما في ذلك الحكومة وتختص بالفصل في المنازعات والجرائم كافة إلا ما استثنى بنص خاص.

المؤسسة القضائية في العراق تحتاج إلى جهود كبيرة حتى تحظى باستقلاليتها التامة، وتستطيع أن تلعب دورها بشكل فعال وتحاسب كل المتهمين مهما بلغ نفوذهم وبلغت قوتهم حتى تحلّ العدالة في البلاد
رغم تلك المواد التي تمنح القضاء العراقي استقلالية، إلا أنه لا يتمتع بالمصداقية عندما يتعلق الأمر بإصدار أحكام في جرائم كبرى. أما إن قام مواطن عراقي عادي بسرقة سلعة تافهة ورخيصة الثمن فإن السلطات القضائية سرعان ما تسارع إلى تطبيق القانون، وغالبا ما يكون الحكم مجحفا وقاسيا بحق ذلك المواطن البسيط. وهذا ما شاهدناه يحدث في قضايا صغيرة لا تستوجب أحكاما كبيرة.

بينما لو قام سياسي بسرقة المليارات من الدولارات وصفقات سياسية مثبتة بالوثائق والشهود، يحال على القضاء ليصدر بحقه حكم مخفف. وهو ما يثبت أن القضاء العراقي مسيّس، ويصدر الأحكام على أساس الانتماءات الحزبية والعلاقات الشخصية ودفع الرشاوى للإفلات من العقاب.

في العام الماضي حكمت محكمة السماوة في محافظة المثنى جنوب العراق بالسجن عاما واحدا على طفل سرق علبة مناديل، بينما تم الحكم على وزير البلديات والأشغال العامة الأسبق لمدة عامين بسبب هدر وسرقة مبلغ بقيمة 25 مليون دولار في عام 2007.

ومن أفضل الحيل التي اتخذها السياسيون وغيرهم للتلاعب بمجريات العدالة وتجنّب الأحكام القضائية، هي حيلة الجنسية الثانية أو جواز السفر الثاني الذي يمتلكه الشخص من دولة أخرى. وأبرز القضايا التي استخدم فيها الجواز الثاني للتهرّب من القضاء، هي ما حدث مع محافظ البصرة السابق الذي هرب عبر إيران إلى أستراليا التي كان يملك جنسيتها.

ويذكر أن بعض السياسيين والمسؤولين والنواب الحاليين والسابقين المتهمين بجرائم ضد الإنسانية وآخرين وجهت لهم اتهامات بارتكاب جرائم قتل وتطهير عرقي في المحافظات السنّية والتورط في التعامل مع داعش ومنظمات إرهابية أخرى، لا يزالون يمارسون عملهم بشكل رسمي وجميع قضاياهم أغلقت تماما من قبل القضاء العراقي.

يبدو واضحا أن المؤسسة القضائية في العراق تحتاج إلى جهود كبيرة حتى تحظى باستقلاليتها التامة، وتستطيع أن تأخذ دورها بشكل فعال وتحاسب كل المتهمين مهما بلغ نفوذهم وبلغت قوتهم، حتى تحل العدالة في البلاد ويتسنى للعراق أن يتقدم إلى الأمام ويواكب الدول المتقدمة.

نأمل من الحكومة القادمة العمل بجدية على تحسين وضع القضاء العراقي وإعطائه الأهمية التي يستحقها. ولتحقيق ذلك لا بد من مباشرة العمل على ذلك بدءا من هذه اللحظة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here