مذابح سيفو نغفر ولا ننسى

مقولة للزعيم الأفريقي الشهير نيلسون مانديلا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا السابق  يقول فيها “نغفر رغم أننا لا نستطيع أن ننسى”.

قبل ان ادخل في اهم الحقائق الخاصة بالإبادة الجماعية لشعوب واقوام عرفت بمذابح سيفو وسفربرلك وسيبا ، سوف نتطرق قليلا على الانسان وعلاقته بالغفران والنسيان لننتقل الى صلب الموضوع مذابح سيفو.

الانسان ذلك الكائن الذي يمتلك الجسد والروح والنفس فالجسد هو الوعاء الذي يحمل الروح والنفس وهو متفق على تعريفه والعلم اكتشف الكثير من اسراره ولازال هناك الأكثر ويشترك فيه الانسان مع الكائنات الحية الأخرى . اما عندما نعرف الروح والنفس فالكثير من التعاريف لا تفرق بينهما ولكن النظرة الدينية لهما وانا اميل لهذا التعريف بان الروح هي التي ترافق الانسان مادام حيا وتحدد علاقته بالله او بأية قوة عظمى يؤمن بها الانسان و بناءا على هذا الفرض فهي خاصية يتميز بها الانسان عن بقية الكائنات الحية . اما النفس فهي التي لها علاقة بحياة الانسان ولها علاقة بديمومة الحياة واستمرارية عمل خلايا الجسم وبالتالي اعطاءه قدرة الحركة والتفكير والاحساس والتفاعل بينه وبين المحيط . اذا النفس هي الذات الإنسانيّة التي تحيا وتموت، والرّوح هي الطاقة الخفية التي تبعث الحياة في الإنسان.

يحتفل الأرمن والكلدان والسريان والأشوريين بهذه المناسبة (مذابح سيفو ) في يوم 24 من شهر نيسان من كل عام وفي هذا اليوم تم اعدام 250 ارمنيا في إسطنبول وكانوا من نخبة المجتمع التركي والارمني التركي من ضمنهم قادة فكر وعلم وكتاب ورجال دين.

 

 وجاءت تسمية سيفو من اللغة السريانية وبالعربية تعني السيف وهي إشارة الى الأداة المستخدمة في القتل والابادة الجماعية. وسميت أيضا بسفر برلك نسبة الى النفير العام والفرمان الذي أصدرته الدولة للشباب من مواليد 1869-1882 للالتحاق بالخدمة العسكرية . ومن اهم الحقائق على هذه المجازر ، حيث تعتبر الإبادة الجماعية للأرمن واليونانيين والكلدان والسريان والأشوريين وبقية المكونات المسيحية للشعب التركي اول إبادة في القرن العشرين ومن تبعات هذه الإبادة انها شجعت هتلر لارتكاب الإبادة بحق اليهود الهولوكوست.

ونظرة سريعة لتاريخ الدولة التركية وعلاقتها بالمكونات والجوار ، كان اول دخول للجيش التركي مملكة أرمينيا في القرن الحادي عشر وأصبحت تحت السلطة العثمانية بالكامل في القرن السادس عشر ولغاية نهاية الحرب العالمية الأولى.

بداية المجازر والابادة لم تكن في عام 1915 بل بدأت مع نهايات القرن التاسع عشر بعد مطالبة الشباب الأرمني المثقف من خريجي الجامعات الاوربية بالإصلاحات والمساواة مما أدى الى غضب السلطان العثماني وتم بين عامي 1894 و1896 قتل حوالي 80 الف ارمني وحرق نحو 2500 امرأة ارمنية في كاتدرائية أورفه. في عام 1915 كان هناك فقط من الأرمن 2.5 مليون واتهم الاتراك الأرمن بتأييد الجيش الروسي وذلك للتغطية على خسائرهم على الجبهة الشرقية. وتم تأجيج الرأي العام على ان الأرمن أعداء الداخل وبدأت حملات تعسفية ضد الأرمن في كل انحاء تركيا. وفي منتصف عام 1915 صدرت الأوامر بترحيل الأرمن من الاناضول ومصادرة ممتلكاتهم وخوفا من التحاقهم بالجيش الروسي القادم من الشرق فقرروا ترحليهم نحو الجنوب ونظمت قوافل وامرت كل الاسر الأرمنية بالالتحاق بها . وسميت هذه القوافل بقوافل الموت وشجعت السلطات التركية الاكراد والأتراك مهاجمة القوافل وقتلهم والاعتداء الجنسي وخطف النساء وسرقة ممتلكاتهم وحاجاتهم البسيطة. لان الأرمن ينتمون للديانة المسيحية فأخذ بجريرتهم المسيحيين من القوميات الأخرى كاليونانيين والاناضوليين والبنطيون والكلدان والسريان والأشوريين.

  اليوم هناك اكثر من 35 دولة تعترف بالإبادة وتخلو هذه القائمة من أي دولة عربية او إسلامية عدا سوريا التي اعترفت مؤخرا في شباط 2020 وبسبب الموقف التركي المعادي من سوريا. الموقف التركي لايزال ينكر ويرفض الاعتراف بالإبادة على الرغم من اعتراف تركيا بالمجازر بعد نهاية الحرب العالمية الأولى مباشرة وتم محاكمة بعض القادة واتهام زعماء حزب الاتحاد والترقي ولكن منذ عام 1921 تبدل الموقف التركي الرافض للاعتراف الى يومنا هذا.

 

ذكر الإحصاء الرسمي العثماني للسكان لعام 1914 أن هناك 13.4 مليون مسلم، و1.2 مليون أرمني، و1.8 مليون يوناني (دون إحصاء 600,000 مسيحي كلداني وسرياني واشوري ، نصفهم في تركيا الحالية)، وسجلوا بشكل متعمد عددًا أقل , كان التقييم العثماني لعدد السكان المسيحيين البالغ 3 ملايين نسمة ضمن الحدود الحالية لتركيا في الواقع كان 4.4 مليون من إجمالي 17.5 مليون. كان تعداد المسيحين الحقيقي يبلغ نحو 25% من السكان في تركيا وكانوا يشغلون ثلث تركيا الشرقي .

وبحلول عام 1924، انخفض عدد السكان المسيحيين في تركيا من 4.4 مليون في عام 1914 إلى 120 الف مسيحي عام 2020 . واذا اعتبرنا ان نسبتهم قبل الإبادة كانت 25% من سكان تركيا وسكان تركيا حاليا 83.6 مليون نسمة فيجب ان يكون عدد المسيحيين ربع هذا العدد 20.9 مليون مسيحي بدلا عن 120 الف مسيحي . فأننا نستطيع ان نغفر لكننا لا نستطيع ان ننسى والغفران يمر عبر ثلاث مراحل الأولى من خلال العقل وهي ان نفصل الفعل عن الفاعل وننظر الى الفاعل كونه مريض ويحتاج الى مساعدتنا وصلاتنا . المرحلة الثانية عن طريق القلب ويتم ذلك بمواجهة كراهيتك وحاول ان لا تختزن هذه الكراهية ومحاولة التخلص منها وعدم كتمها لأنها سوف تظهر من خلال انفعالات وغضب واحباط . ونتذكر بان رفض المسامحة والغفران هي تقلل من انسانيتنا ووكل ما يتعلق بهذه الإنسانية.

المرحلة الثالثة عن الروح والصلاة وخاصة عندما لا تستطيع فعل ذلك بقدراتك الفردية فأننا نحتاج لقوة الله لكي نقهر فيها قوة روح الانتقام والغضب. وان اليوم الذي يعترف بهذه المذابح قادم لامحالة والاعتذار والتعويض هي ابسط الحقوق لشهداء سيفو.

د. عامر ملوكا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here