عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثَّامِنةُ (١٢) [هَل لِلحُمْقِ دَواءٌ؟!]]

                     نــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

   والحمقُ [قِلَّةُ العَقلِ] سببهُ الجَهل وقِلَّة الحِيلة وسُوء التصرُّف.

   هذا يعني أَنَّ دواءهُ العِلم والمعرِفة التي تُنتج حُسنَ التَّفكير والإِنتباه الذي يُنتج حُسن التصرُّف والتَّعامل والذي يُنتج في نهايةِ المَطاف حُسن الإِنجاز وبالتَّالي النَّجاحالذي يتجلَّى في خدمةِ المُجتمع والبناءِ السَّليم على مُختلفِ المُستويات.

   المُشكلةُ إِذن تبدأُ من الجهلِ، والذي يتمظهر بخفَّةِ العقلِ وسوءِ التصرُّف.

   يقولُ تعالى {فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُۥ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فَٰسِقِينَ}.

   إِنَّ من طبيعةِ الطَّاغوت أَنَّهُ يُخطِّط دائماً للسَّيطرةِ على عقولِ النَّاس بأَدواتٍ منها التحكُّم بمصادرِ الثَّقافةِ والتَّعليمِ ليُسيطرَ على طبيعةِ المعلومةِ التي يتلقَّاها المُجتمع.

   ومنها إِلهاءُ المُجتمع بالقيلِ والقالِ وبالتَّوافهِ من الأُمورِ لإِبعادهِ عن التَّفكير بما يؤَثِّر عليهِ بشَكلٍ مُباشرٍ وعلى نمطِ معاشهِ وحقوقهِ وواجباتهِ وعلاقتهِ بالحاكمِ وما إِلى ذلك.

   ومنها، وهي أَخطرها، التَّضليل لصناعةِ رأيٍ عامٍّ مُغفَّل لا يُميِّز بين النَّاقةِ والجَمل من خلالِ الذُّباب الأَليكترُوني الذي يُواصل اللَّيل بالنَّهار لنشرِ الأَخبار المُفبركة والمعلُوماتالمُضلِّلة والمنشورات الصَّفراء التي تنال من كلِّ مَن يدُوسُ على طرفٍ لذيلِ [عجلٍ سمينٍ]!.

   والتَّضليلُ هو الذي يُنتِجُ ظاهرةَ [الذُّيول] (الإِمَّعات) التي تُنتجُ ظاهرةَ [الأَصنام] التي تُعبد مِن دونِ الله تعالى، فترى لكلِّ جماعةٍ صنمٌ هو خطٌّ أَحمر لا يجوزُ لأَحدٍ نقدهُومساءلتهُ وفضحهُ إِذا فسدَ وأَفسدَ أَو فشلَ وتجاوزَ على حقوقِ الآخرين.

   عندها فسوفَ يُصابُ المُجتمع بظاهرةِ عمى القلبِ التي تحوِّلهُ إِلى جِثَّةٍ هامِدةٍ لا يدري إِلى أَينَ يُرادُ بهِ؟! ولِماذا؟! ومَن؟! فلم يعُد يُفكِّر وعندهُ عقلهُ ولم يعُد يرى وعندهُ عينَينِولم يعُد يتدبَّر ليتعلَّم وعندهُ قلبٌ {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْهُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.

   يقولُ تعالى {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ}.

   فهوَ في نهايةِ المَطاف يكونُ مِصداقاً لقولهِ تعالى {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}.

   وإِذا أَراد المُجتمع أَن يتجنَّب كلَّ ذلكَ حتى لا يُصابَ بالحُمقِ فإِنَّ عليهِ أَوَّلاً أَن يُدقِّق في المعلومةِ التي يتعاملَ معها لأَنَّها أَساسُ كلِّ شيءٍ، المعرِفة والبِناء الفكري ومادَّةالإِستنتاج واتِّخاذ القرار والسُّلوك الذي يُنتجُ عنهُ.

   قالَ تعالى {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ} أَي علمَهُ مِمَّن يأخُذهُ كما يقولُ الإِمام المعصُوم (ع).

   ولذلكَ أَكَّد المُشرِّع على وجوبِ التثبُّت من المعلُومةِ أَوَّلاً كأَوَّلِ خُطوةٍ لبناءِ العقلِ وتجنُّبِ الإِصابةِ بالحُمقِ، فقالَ تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَكُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

   ويوصي أَمير المُؤمنينَ (ع) ولدهُ الحَسن السِّبط المُجتبى (ع) بالتَّدقيقِ والتثبُّتِ قبلَ النُّطقِ بالمعلومةِ حتَّى إِذا تبيَّن أَنَّهُ لا يعرف مِنها إِلَّا القليل النَّادر فذلكَ أَفضل وأَسلمفالعِبرَةُ بصحَّةِ المعلُومةِ ودقَّتها وليسَ بكَثرةِ المعلُوماتِ.

   يقولُ (ع) {وَلَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تَعْلَمُ}.

   وأَكثرُ من هذا يقولُ (ع) {لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ فَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.

   وهنا يرسِمُ لنا (ع) مِعياراً نُميِّزُ بهِ [الأَحمق] فإِذا رأَيتَ أَحداً يتحدَّث بكُلِّ ما يَعرف ويَنشر كُلَّ ما يصلهُ من منشوراتٍ ويتناقل كُلَّ ما يسمع ويقرأ ويرى فتأَكَّد بأَنَّهُ[الأَحمق] بعينهِ حتَّى إِذا تلبَّسَ بلَبُوس الفلاسِفة وسبقَ إِسمهُ بمليُون حرفِ [د].

   يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) ينصح الحارِث الهَمذاني {وَلَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ كَذِباً}.

   هذا النُّموذج هو الذي حذَّرنا أَمير المُؤمنينَ (ع) من التَّعامل معهُ لأَنَّهُ يضرَّنا ولا ينفعُنا ويفضحَنا ولا يستُر علينا ويُضعف جبهتنا ولا يقوِّيها.

   يقولُ (ع) يوصي ولدهُ الحسن (ع) {يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ}.

   والذي يريدُ أَن يُكافحَ حُمقهُ فعليهِ أَولاً أَن لا يُكرِّر نفس الأَشياء التي ظلَّ يفعلها لعقودٍ، لأَنَّهُ سيحصد نفس النَّتائج التي ظلَّ يحصدَها طِوالَ تلكَ العقُودِ!.

   فإِذا كُنتَ من الحمقى الذين يصدِّقونَ كُلَّ ما يسمعُون أَو يقرأُونَ فيلزمكَ التوقُّف عن هذهِ الحالةِ.

   وإِذا كُنتَ من الحمقى الذين يستنسِخُونَ ويلصِقُونَ وينشرُونَ كُلَّ ما يصلهُم عِبر وسائل التَّواصل الإِجتماعي فعليكَ تجنُّبِ هذا المرض الفتَّاك.

   وإِذا كُنتَ من الحمقى الذين يتحدَّثونَ ويتناقلُونَ كُلَّ ما يسمعونهُ من الآخرينَ وكُلَّ ما يعرفونهُ فعليكَ الإِنتباه.

   وإِذا كُنتَ من الحمقى الذين يستمِعونَ القَول ثُمَّ يتَّبعُونَ أَسوأَهُ بسببِ العِزَّة بالإِثم والتعصُّب الأَعمى لـِ [القائِد الضَّرورة] الفاسد والفاشل، فيجب عليك أَن تُغيِّر طريقتكَفَوراً لتكونَ من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

   وإِذا كُنتَ من الحمقى الذين يُشاركُونَ في تدويرِ نفاياتِ [العصابةِ الحاكمةِ] تحتَ قُبَّة البرلمان عندَ كُلِّ استحقاقٍ إِنتخابيٍّ فيلزمكَ أَن تنتبهَ هذهِ المرَّة وأَنتَ تستعد للوقُوفِمن جديدٍ أَمامَ صُندوق الإِقتراع.

   أَمَّا إِذا كُنت من الحمقى الذين مازالُوا يُجرِّبونَ [المُجرَّب] منذُ (١٨) عاماً وهُم ينتظرُونَ أَن يتغيَّر الوضع، فأَنت [الحُمقُ] بذاتهِ! وبشحمهِ ولحمهِ.

   كذلكَ إِذا كُنت من الحمقى الذين ينتظرُونَ التَّغيير من دونِ أَن تُغيِّر شيئاً في أُسلوبِ تفكيركَ وطريقةِ تعاطيكَ مع القضايا، فأَنتَ [الحمقُ] بعينهِ!.

   وإِذا كُنت من الحمقى اللذينَ يلهثونَ كالكِلابِ السائبةِ خلفَ مَوكبِ المسؤُولِ الفاسدِ تهتفُ [علي وياك علي] فالحمقُ بريءٌ منكَ! فلقد بززتهُ وتغلَّبتَ عليهِ!.

   ٢ أَيلول ٢٠٢١

                            لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar2

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here