قطر الحياة قصة قصيرة

قطر الحياة
قصة قصيرة
بقلم / رقية محمد علي
فُتح باب المترو، دخل عدد ليس بالقليل من الركاب، فأصبح المترو بعد دخولهم مكتظًا بالركاب وعادةً ما يقل هذا التكدس بتتابع المحطات، وأحيانا يزداد التكدس في بعض المحطات.
يجلس عابر على مقاعد المترو يتأمل الركاب، فمنهم من يتهامس في هاتفه، ومنهم من يتصفح صفحات الفيس بوك، وآخرون غارقون في همومهم شاردين تمامًا.
وقف المترو في إحدى المحطات فنزل بعض الركاب وصعد البعض الآخر، وهو ما زال جالسًا يُمعن النظر في الدخول والخروج، وبينما هو كذلك وقع نظره على رجل هَرِم لا يقدر على الوقوف، والغريب في الأمر أن حفيده الذي كان يرافقه كان جالسًا على الكرسي ممسكًا بيد جدِّه الواقف، فما كان من عابر إلا أن هبَّ واقفًا مشيرًا إليه بالجلوس في مكانه، جلس الرجل شاكرًا له صنيعه، ثم توقف المترو في محطة جديدة، نزل كالعادة بعض الركاب واستقل المترو آخرون، في تلك اللحظات السريعة كان الرجل الشيخ قد غادر مكانه فجلس عابر على الفور قبل أن يأخذ غيره مكانه.
ما زال يحملق في الحاضرين وكأن وظيفته وشغله الشاغل في هذا المترو هي التحديق في الركاب.
وقع نظره في هذه المرة على امرأة يُمسك بطرف جلبابها أطفال صغار يبدو من هيئتهم البؤس، والفقر، والشقاء .همس أحدهم في أُذن أمه قائلًا: “أمي، أنا جائع”. وضعت الأم يدها مسرعة على فم الصغير حتى لا ينتبه أحدهم، لكن عابر لاحظ ما حدث فعلى الفور أخرج ن جيبه واحدة من الشوكولاتة فأعطاها للصغير وهو يبتسم له، فشكرته الأم بابتسامة حزينة.
وفي المحطة التالية استقل المترو حبيبان، لم يرَ في عيونهما غير السعادة والرحمة والرضا .
وفي محطة أخرى رأى رجلاً وامرأة يتشاجران بالعيون فكل واحد منهما يقذف الآخر بسهام حادة تشع منها الكراهية والبغضاء.
توقف المترو معلنًا عن محطة جديدة وهكذا محطة تلو الأخرى، في كل مرة يرى هو أُناسًا مختلفين منهم السعيد ومنهم الشقي، وما يزال في مكانه لا
يُهِِمُّ بالرحيل.
هَامَ في خيالاته ليتمعن كُنهِ العلاقة بين قطار الحياة وقطار الدنيا كم من تشابه بينهما، في كليهما يمُر الإنسان بمحطات قد تكون مُفرحة أو بائسة، محزنة، لكن لا خيار لنا وحتمًا نمُر بتلك المحطات نصعد إليها تارةً وننزل منها تارة أخرى.
ظل على هذه الحالة فترة ليست بالقليلة، ثم نهض ونزل في إحدى المحطات، وفي أثناء سيره كان يفكر فيما رأى؛ فالبشر على اختلاف أشكالهم وألوانهم يشتركون في شيء واحد هو أنهم جميعهم يمرون بمحطات الحياة المختلفة حتى ينتقلون إلى آخر محطة في حياتهم وهي محطة “الموت” محطة البقاء والخلود.
دار هذا المشهد بخاطره وهو يلفظ آخر أنفاسه ومات على الفور إثر حادث مؤلم بعد خروجه من محطة المترو.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here