المرأة العربية والفن !

المرأة العربية والفن ! (*) د. رضا العطار

عندما اتكلم عن الفن لا يسعني الا ان اعترف ان شخصية المرأة، هي روح الفن. ولو لم توجد المرأة على وجه الارض، فربما ما كان يوجد الفن. ذلك ان الالهام الفني هو نفسه قد خُلق على صورة امرأة. وان لكل لون من الوان الفن عروسا هي التي تنثر ازهاره على الناس – – – ما من فنان في الدنيا ابدع شيئا، الا في ظل امرأة. وكل ما في المسألة اننا دائما نفرق بين المرأة كشيء يوحى الينا بالجمال وبين المرأة كمخلوق يريد ان يستأثر بكل شئ في حياتنا.

المرأة تمثال من الفضة فوق مكتبي او باقة من الزهور في حجرتي ام قطعة موسيقية في اعمالي، لها عندي كل تقديس واكبار. ولا فرق عندي بين السيدة الحسناء وبين الزهور الجميلة، فكلاهما يحيا ويزدهر في ظل الموسيقى، كما اثبت العلم الحديث ذلك. وهي احيانا كالطفل يلقي من النافذة كل شئ ثمين ويجلس على حافتها يضحك ضحكة الانتصار. ان المرأة اذ تُحطم من جانب فهي تبني من جانب – – – انها كالطبيعة في طبيعتها، وانه لمن المستحيل ان نرى في التاريخ، حضارة قامت بدونها، حيث ان عرشها في مملكة الفن كان دوما اجلى العروش.

فأجمل الفنون الرومانسية الفرنسية انما نبعت تحت اقدام (مدام ريكامييه) وان صالونات السيدات في اوربا ومجالس الشعر والغناء في الشرق عند العرب هي التي اخرجت اجمل ما في الغرب والشرق من شعر وأدب وفن ونغم وغناء. فقد كانت تلك المجالس كالشموس الزاهرة تضم الجواري المثقفات اللائي كن ينظمن اجمل الشعر، فيفتحن اروع الافكار وانبغ القرائح.

ان اليوم الذي تعني فيه العربية باقتناء لوحة زيتية تزين بها منزلها، هو اليوم الذي يزهو فيه عندنا فن التصوير. واليوم الذي تهتم فيه العربية بشراء كتاب جديد للمؤلف الذي تفضله، تجلده وتعرضه عرضا جميلا وتتحدث عما فيه من افكار في مجالسها لهو اليوم الذي يرقى فيه عندنا الفكر والادب والفن كذلك. وان اليوم الذي تكرس المرأة العربية العظيمة همها لايقاظ همم الفنانين وتنشيط الحركة الفكرية لهو اليوم الذي نقترب فيه من المدنية الحقيقية.

نحن في حاجة الى البيت العربي الذي تنمو فيه وتزدهر به كل ملكات الطفل الجميلة.

ان الطفل الاوربي وهو لا يزال جنين في رحم امه تُعزف له الموسيقى في الشهور الثلاثة الاخيرة من مدة الحمل، وانه منذ اليوم الاول من ولادته، حين يستقبل النور فيه لا ينام الا على موسيقى هادئة جميلة، ولم يمضي قليل حتى تقوده امه في عربته الى الحدائق فلا يقع نظره الهادئ في غير وعي على الطبيعة الخلابة بسمائها ونسائمها وجنانها وجداولها وما يكاد يعي ويدرك حتى توضع في يديه كتب مصورة جميلة ملونة للحيوانات والطيور، فيحس الطفل جمال الرسم قبل ان يفقه معنى الرسم ويطرب تناسق النغم قبل ان يعرف معنى الغناء. فلا ينقصه بعدئذ الا ادراكه عن طريق العقل والمنطق. ان مجرد شغف الطفل بالجمال في الاشياء التي تحيط به هو طفرة كبرى في التكوين الروحي الفني للطفل.

يقول كاتب السطور : اثناء اقامتي الطويلة في المانيا في الخمسينيات من القرن الماضي، كنت ارى في بيوت زملائي الاطباء من الالمان، جهاز البيانوا يتصدر صالات الاستقبال، يجلسون اطفالهم اليه تحت اشراف معلم، منذ السادسة من اعمارهم. كي يتدربوا، انهم يعلمون ما لهذا الجهاز من تأثرات تربوية عالية على نفوس ابنائهم، فالموسيقى توجه عقولهم على اطاعة النظم والقوانين، فضلا انها تصقل اذواقهم وتبلور سلوكهم.

ان ابرزعيب فينا، افتقارنا الى الذوق الفني وخاصة ما يتعلق بالموسيقى الكلاسيكية ، التي بدورها تقودنا الى التحسس بقيمة الفن وروعة جماله. كم منا يعتبر وجود الزهور في منزله ضروري كضرورة الطعام والشراب ؟ كم منا يعجب سماع موسيقى غربية هادئة داخل غرفة المطالعة في داره ؟

متى ما نحن وصلنا في دقة مشاعرنا حدا لا نستطيع ان نستغني في حياتنا اليومية من جمال الفن في الالوان والاشكال حق لنا ان نقول اننا سعداء.

ان المرأة العربية ذات الذوق الرفيع، دقيقة الاحساس بكل ما هو جميل، هي نفسها التي يجب ان تعلم ان (الفنان) ليس الا قيثارة وان اناملها الرقيقة وحدها هي التي تستطيع ان تخرج منه اجمل الانغام.

* مقتبس من كتاب تحت شمس الفكر لتوفيق الحكيم مع التعليق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here