مهمة صعبة ومعقدة وذات تأثيرات كبيرة تواجه بايدن بالاتفاق مع إيران

د. سلمان لطيف الياسري

من الصعب توقع تبدلات عاجلة ستطرأ على علاقة واشنطن بالملف النووي الإيراني. المرشح جو بايدن كان مثابراً في التصريح بأنه ينوي العودة إلى الاتفاق الذي وقعته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015 وانسحب منه الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018.

بيد أن الرئيس بايدن، وخلافاً للمرشح بايدن، صاحب قرار عملي وليس صاحب موقف. وقراره محكوم بوقائع سياسية وتقنية لا تحكم بالضرورة الموقف السياسي. فالسياسة شيء؛ والسياسات شيء آخر.

ما خريطة المعنيين بالاتفاق النووي، وما مواقفهم؟

1- أميركا: أ- جددت إدارة بايدن أنها تنوي العودة إلى الاتفاق النووي، بوصفه منصة نحو اتفاق أوسع؛ إذا ما عادت إيران إلى الالتزام بالضوابط التي حددها الاتفاق والتي فاقمت إيران من التفلت منها في الأسابيع الماضية. وتشترط إيران للعودة إلى التزاماتها أن تسقط إدارة بايدن كل العقوبات التي فرضها ترمب، وهو أمر دونه عقبات لا تحصى. فعقوبات ترمب لا تشمل فقط البرنامج النووي الإيراني؛ بل أيضاً عقوبات على صلة بملفات حقوق الإنسان والإرهاب، ومن غير الوارد أن تتراجع إدارة بايدن عنها. نقطة البداية هذه؛ التي تشبه أحجية البيضة والدجاجة، تعني أن وقتاً طويلاً سيمر قبل الوصول إلى ترتيب الأولويات وتصميم خريطة العودة إلى اتفاق 2015، وهذا يوصلنا إلى التصريحات الأخيرة لمسؤولي إدارة بايدن.

ب- خلال جلسة استماع خصصها مجلس الشيوخ الأميركي للبحث في تثبيته، عرض وزير الخارجية أنتوني بلينكن ملامح سياسة الإدارة الجديدة تجاه إيران، وتشارك مع سائليه بعض الاستنتاجات المهمة. يقول بلينكن إن أمام الإدارة الجديدة «طريقاً طويلة» للتوصل إلى اتفاق مع طهران؛ «أطول وأقوى». وشدد على أن الإدارة ستتدارس مع حلفائها في المنطقة أي اتفاق محتمل، «في مرحلة الإقلاع لا في مرحلة الهبوط»؛ أي إنه لا مفاجآت ستفرض على المعنيين بالملف النووي كدول الخليج الرئيسية ومصر وإسرائيل كما كانت الحال مع إدارة أوباما. وأكد بلينكن، كما أكدت رئيسة الاستخبارات القومية أفريل هاينز، أن إدارة الرئيس بايدن ستنظر أيضاً في مسألة الصواريخ الباليستية، و«الأنشطة الأخرى المزعزعة للاستقرار التي تنخرط فيها طهران».

ج- أيضاً؛ وخلافاً للمرشح، لا يستطيع الرئيس بايدن إلا أن يجري تقييماً موضوعياً لحسنات الواقع السياسي في الشرق الأوسط الذي ورثه من ترمب؛ وفي مقدمتها أن العقوبات تعطي أميركا ورقة ضغط جدية على إيران بغية حضها على التوقيع على اتفاق «أطول وأقوى». ومن بين الأصوات الدافعة في هذا الاتجاه، رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر؛ أحد أبرز المحيطين ببايدن وواحد من قلة ديمقراطية عارضت اتفاق 2015، وخاض معركة سياسية قاسية في وجه أوباما.

د- ستكون إدارة بايدن مشغولة بحزمة ملفات ضاغطة؛ أبرزها مواجهة جائحة «كورونا» وتحولات الفيروس الأخيرة، الذي أودى بحياة أكثر من 400 ألف أميركي، وأصاب أكثر من 24 مليوناً آخرين؛ أي ما يفوق خسائر الأميركيين خلال الحرب العالمية الثانية. أضف إلى ذلك الحاجة الملحة للبدء بتنفيذ خطة تحفيز لمواجهة الشق الاقتصادي من تداعيات الجائحة. وفي جعبة بايدن في هذا الخصوص خطة بحجم 1.9 تريليون دولار تستوجب ورشة تشريعية ليست بسيطة، وإن كانت تحظى إلى الآن بدعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري. ليس بلا دلالة أنه وبعد 24 ساعة من تنصيبه؛ وقع بايدن 10 أوامر تنفيذية لمواجهة الوباء. كما تحتل الصين المرتبة الأولى على مستوى التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تواجهها أميركا، بشكل يقزم أي مشكلات وتحديات أخرى كالملف الإيراني.

2- إيران: أ- تتمسك إيران بسقوف عالية تشترط فيها رفع كل العقوبات عنها قبل العودة إلى التزاماتها في الاتفاق النووي، وهو ما عبر عنه مختلف السياسيين الإيرانيين؛ من المرشد علي خامنئي، إلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف.

ب- من سوء حظ إيران أن يتزامن البحث في مستقبل الاتفاق النووي معها مع انتخاباتها الرئاسية المجدولة منتصف العام، مما يجعل من الصعب جداً على أي طرف إيراني أن يقدم على التنازلات الضرورية التي تسهل تجديد الاتفاق، وتفتح الباب أمام تخفيف الضغوط الاقتصادية الخانقة التي تواجهها البلاد.

ج- في حين يبدو التفلت من ضوابط اتفاق عام 2015 الطريق الوحيدة أمام إيران لابتزاز المجتمع الدولي والدفع به نحو إحياء الاتفاق، فإن هذا السلوك يبدو كسلوك من يطلق النار على نفسه. لقد تجاوزت إيران مخزون اليورانيوم المسموح لها به بموجب الاتفاق، بأكثر من 12 مرة، وشرعت في رفع درجة التخصيب إلى 20 في المائة، مما دفع بأوروبا وبأكثر من صوت إلى نعي الاتفاق النووي عملياً.

د- حتى في حال الاتفاق، فإن مفاوضات شاقة وربما طويلة سيتطلبها تنظيم التفاهم على كيفية ورزنامة التخلص من فائض اليورانيوم الذي بات واقعياً بحوزة إيران، دعك من النقلات التقنية في مستوى أجهزة الطرد وتحديث وتوسعة بعض المنشآت النووية.

3- الموقف الإسرائيلي: أ- تتصرف إسرائيل بمزيج من الانفتاح الإيجابي على إدارة بايدن والبعث بالرسائل التي تفيد بأنها لن تسمح لأحد باتخاذ قرار بالنيابة عن أمنها القومي. وتخوض معركة رأي عام شرسة داخل أميركا للتأكيد على مساوئ الاتفاق النووي لعام 2015. وفي هذا السياق؛ نشر السفير الإسرائيلي الأسبق مايكل أورن والباحث يوسي هاليفي مقالاً مهماً في مجلة «ذي أتلانتيك» طرحا فيه سؤالاً غاية في الإحراج على إدارة بايدن مفاده: إذا كان خروج ترمب من اتفاق 2015 مهد الطريق لإيران للحصول على سلاح نووي؛ فلماذا لا يقلق هذا الخروج إسرائيل وحلفاءها في المنطقة؟ ولماذا على إسرائيل وحلفائها أن يقبلوا باتفاقات يقوم بها من يتصرف بأبوية مطلقة وعلى قاعدة أنه يعرف مصلحتهم أكثر مما يعرفونها هم؟

ب- صرح أكثر من مسؤول إسرائيلي حالي وسابق بأن إسرائيل جاهزة للتعامل عسكرياً مع البرنامج النووي الإيراني بمثل ما تعاملت به مع البرنامجين العراقي والسوري عامي 1981 و2007.

ج- تنطلق إسرائيل من موقع أقوى في موقفها؛ لا سيما بعد التوصل إلى اتفاقات سلام وتطبيع مع 4 دول عربية؛ أبرزها الإمارات.

4- السعودية والإمارات: أ- تتمسك السعودية والإمارات والبحرين ومصر ودول عربية أخرى بحقها في التشاور معها بخصوص أي اتفاق نووي مع إيران، كما بحقها في تضمين أي اتفاق، ضوابط واضحة حول البرنامج الصاروخي الإيراني، وملف الميليشيات المذهبية التي تديرها إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وقد انتزعت التزاماً علنياً من الإدارة الأميركية الجديدة حيال البندين. في المقابل؛ ترفض إيران إشراك هذه الدول في أي تفاوض حول البنود المذكورة، وتصر على بحث هذه العناوين في إطار منتديات إقليمية بحتة.

ب- تتمسك هذه الدول بحقها في مواجهة السياسات الإقليمية التخريبية لإيران بالتعاون مع كل الأطراف التي تتشارك معها مصالح أمنية.

ج- بعد اتفاقات السلام والتطبيع باتت دول رئيسية في المنطقة وإسرائيل تتحدث بصوت واحد وعلني، مما يمنح موقفها صلابة لم تكن متوفرة عام 2015، ويجعل تجاوز مصالحها أمراً في غاية الصعوبة.

د- تمنع التفاهمات العربية العلنية مع إسرائيل واشنطن من استفراد أي دولة من الدول المعنية بملفات ابتزاز، بغية انتزاع تنازلات في الملف النووي لغير صالح الأمن الاستراتيجي الجماعي في الشرق الأوسط.

الخلاصة:

أ- دبلوماسية أميركية – إيرانية صعبة وطويلة، إذا ما قُيض لها أن تنطلق أصلاً.

ب- استمرار الجهود الإسرائيلية الأمنية داخل إيران والعسكرية خارج إيران.

ج- مزيد من الإصرار العربي على مواجهة النفوذ الإيراني، والمضي في استكمال إعادة الهندسة الاستراتيجية للمنطقة، ومحاولة توسيع رقعة التفاهمات مع إسرائيل وربما تركيا وروسيا.

د- ردود إيرانية توتيرية في المنطقة على شاكلة إحياء خطر «داعش» في العراق وسوريا، وتصعيد عمليات التخريب ضد السعودية عبر اليمن.

ه- إحكام القبضة الإيرانية أكثر على معظم دول المشرق العربي، كأوراق تفاوض وصناعة نفوذ لإيران، وتعريضها تالياً لمزيد من التهرؤ… فالفاتورة الكبرى ستكون من نصيب دول كلبنان وسوريا والعراق.

التوقعات بأن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، ستدفع باتجاه إعادة إيران للاتفاق النووي، يرجح محللون أن تعيد إسرائيل النظر في خياراتها العسكرية، فيما أبدت السعودية استعدادها لأن تصبح طرفا في أي مفاوضات جديدة.

ووفق تحليلات نشرتها صحف إسرائيلة، الأحد، فإن إسرائيل تخشى عدم تعامل الإدارة الأميركية الجديدة مع إيران بشكل حازم، وعلى عكس تعامل إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي انسحب من الاتفاق في 2018، وأعاد فرض العقوبات على طهران.

وكانت إيران قد توصلت مع ست دول كبرى: الصين، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا وألمانيا، إلى خطة عمل شاملة مشتركة في فيينا عام 2015، لتسوية المسألة النووية الإيرانية عقب 12 عاما من التوتر.

وتريد إدارة بايدن العودة إلى اتفاق 2015 شرط ضمان توقف أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار. حيث كانت إدارة ترامب قد انسحبت منه باعتباره غير كاف لردع أنشطة إيران النووية.

وبحسب تحليل نشرته صحيفة هآرتس، فإن إسرائيل ترى في اتفاق 2015 العديد من نقاط الضعف، حيث تتخوف الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية من آلا تتعامل معها إدارة بايدن بشكل حاسم، وأن تتخلى واشنطن عن سياسة “الضغط الأقصى” على طهران.

وتريد إسرائيل أن يضمن أي اتفاق مع إيران تقويض جهودها في البرنامج النووي، والذي استمرت طهران به حتى بعد فرض العقوبات الأميركية في عهد ترامب.

ونقلت وكالة رويترز قبل تنصيب بايدن عن صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” بأن إسرائيل تدرس ثلاثة خيارات، والتي يؤكد فيها وزير الدفاع بأن “الخيار العسكري أمر مطروح على الطاولة”.

الحديث عن إعادة إيران للاتفاق النووي يعيد ترتيب الحسابات في المنطقة

الحديث عن إعادة إيران للاتفاق النووي يعيد ترتيب الحسابات في المنطقة

وتهدد إسرائيل دائما بأنها ستنفذ ضربات جوية ضد مواقع إيرانية نووية لتثبيط برنامجها النووي، ولكن رغم أن المنشآت النووية شهدت، خلال الفترة الماضية، العديد من الضربات والتفجيرات والحوادث، إلا أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها المباشرة عنها.

في هذا الإطار، قالت، فيليس بينيس، من مركز دراسات “إنستيتوت فور بوليسي ستاديز”، لوكالة فرانس برس “إن موقف بايدن لن يكون راديكاليا في مجال الدبلوماسية”، ولكن “الإجراءات التي اتخذها ترامب هدفت إلى إرضاء العناصر الأكثر تطرفا في المشهد السياسي الإسرائيلي، وإذا لم يقم بايدن بإلغائها، سيتحول الموقف الأميركي إلى وسيلة لتطبيع تلك الحالات المتطرفة”.

السعودية مستعدة للتعاون

السعودية تبدي استعدادها للمشاركة في مباحثات الاتفاق النووي

السعودية تبدي استعدادها للمشاركة في مباحثات الاتفاق النووي

ورغم اختلاف سياسة بايدن عن ترامب تجاه الرياض، إلا أن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، أكد استعداد الرياض مساعدة واشنطن في أي محادثات تتعلق بالاتفاق النووي، خاصة مع نشاط طهران المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة.

وقال لوسائل إعلام سعودية “إن المملكة متفائلة بأن علاقاتها مع إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن ستكون ممتازة”، وأنها ستواصل التفاوض مع واشنطن فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني.

وأضاف أن هناك “تشاورا للوصول إلى اتفاق صلب قوي، إذ سيكون هناك عوامل مراقبة قوية تسمح بالتأكد من تطبيق أي اتفاق يتم التوصل إليه”.

ورغم تفاؤل السعودية باستمرار العلاقات الدبلوماسية القوية مع الولايات المتحدة، إلا أن وزير الخارجية الجديد، أنتوني بلينكن، يريد وضع حد للدعم الأميركي للتحالف العسكري الذي تقوده الرياض في حرب اليمن، المتهم بارتكاب عدة تجاوزات، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.

كما وعدت المديرة الجديدة للاستخبارات الأميركية، أفريل هينز، بالكشف عن تقرير سري بشأن اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، عام 2018 على يد عناصر سعوديين في قنصلية المملكة باسطنبول، في خطوة من شأنها إرباك ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، الذي اعتبره مجلس الشيوخ الأميركي “مسؤولا” عن قتل خاشقجي.

تولى جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة في 20 يناير/كانون الثاني 2021. ومن بين القضايا الساخنة في السياسة الخارجية، توجد مسألة العلاقات مع طهران. هل تختار واشنطن العودة إلى الاتفاق النووي؟ هل ستتمكن من تجاوز المقاومات الإسرائيلية والسعودية؟ شيء واحد يبدو مؤكدًا، لن يطرأ أي تغير أساسي في الملف الفلسطيني، حيث إن اصطفاف البيت الأبيض مع تل أبيب يعد ثابتا في السياسة الخارجية الأمريكية.

تحدث كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان، في أوائل ديسمبر/كانون الأول، عن المقابلة التي خصه بها جو بايدن، الرئيس المنتخب للولايات المتحدة. تحدث هذا الأخير كثيرًا عن القضايا الداخلية بعد حالة الركود الذي تركها دونالد ترامب كإرث. كما تناول القضايا الدولية وأشار إلى أولويتين في هذا المجال. تتعلق الأولى بعلاقات بلاده مع الصين وهذا باختصار ملف ضخم يريد بايدن أن يمنح نفسه الوقت فيه. لكن الأولوية الثانية في نظره مستعجلة، وهي استئناف الحوار مع إيران.

يعتزم بايدن العودة دون مماطلة إلى أحكام ما يسمى “خطة العمل الشاملة المشتركة” التي تم التوقيع عليها مع إيران سنة 2015 من قبل الولايات المتحدة وخمس دول (فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، روسيا والصين) بشأن الحد والمراقبة الدولية للإنتاج الإيراني للمواد الانشطارية ذات الاستعمال العسكري. وتمنع هذه الاتفاقية إيران من تصنيع أسلحة ذرية خلال الخمس عشر سنة القادمة مقابل -بالأساس- رفع تدريجي للعقوبات الاقتصادية الدولية التي تطال الإيرانيين. وهي الاتفاقية التي أدانها ترامب، مما أثلج صدر قادة إسرائيل ودول الخليج العربي، قبل أن يصعد بشكل غير مسبوق في حجم العقوبات المالية على إيران.

الأولوية، العودة إلى الاتفاق ^^^أشار بايدن في البداية بشكل مبطن إلى فكرة العودة إلى هذه الاتفاقية مع وضع عدد من الشروط المسبقة. وقد صرح خلال الحملة الانتخابية في 16 سبتمبر/أيلول 2020 بأنه على طهران القيام بالخطوة الأولى و“العودة إلى الاحترام الصارم للاتفاق النووي”، كأنها ليست الولايات المتحدة التي ولت ظهرها لهذا الاتفاق. كان بايدن يريد خاصة التفاوض في نفس الوقت على تمديد فترة الحظر المفروض على الإنتاج الإيراني لليورانيوم المخصب، وأيضا على تحديد صارم للصواريخ الباليستية المتوفرة لدى الإيرانيين. لكن بعد ستة أسابيع من هذا التصريح، بدا كلامه أقل حدة. لن يتخلى بايدن عن حمل إيران على التفاوض بشأن قضية الصواريخ، لكن تبقى الأولوية القصوى هي استعادة الثقة، ثقة في الكلمة الأمريكية التي يعرف أنها ضعفت بشكل رهيب في إيران.

رغم أنه لا يقول ذلك صراحة، فهو يعلم أنه حتى وإن كانت هناك مقاربات غير معلنة مع طهران جارية بالفعل، فلن تفتح أي مفاوضات جادة دون أن تظهر الولايات المتحدة أولاً بأن عودتها إلى اتفاق 2015 ليست لفظية فحسب. يجب أن يُتبع ذلك بأفعال، بدءًا من رفع العقوبات بشكل فعلي. وفي جوابه لفريدمان، الذي حثه على أن يكون أكثر صرامة مع طهران، رد بايدن بصراحة: “انظر، يقال الكثير عن الصواريخ الباليستية، وخاصة عن سلسلة كاملة من الأشياء [التي يقوم بها الإيرانيون] التي تزعزع استقرار المنطقة. لكن أفضل طريقة لتحقيق نوع من الاستقرار في هذه المنطقة هو التفاوض حول القضية النووية أولا”. لأنه إذا تحصلت إيران على القنبلة الذرية – وهو يعتقد أن ذلك سيحدث إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق – فإن إمكانية الانتشار النووي ستصبح خطيرة بشكل مروع. “وآخر شيء لعين نحتاجه في هذا الجزء من العالم هو توسيع القدرة النووية”.

فضلا عن ذلك، يرى بايدن أنه يجب التصرف بسرعة. لا شيء يضاهي بضعة إجراءات قوية لإقناع طهران بالنوايا الحسنة للإدارة الجديدة. يعقب فريدمان بقلق: أليست هذه مخاطرة؟ يجيبه بايدن بأن العقوبات التي ترفع يمكن أن يعاد فرضها إذا لزم الأمر. بعبارة أخرى، لنبدأ برفعها. إذا سارت المفاوضات بشكل سيئ، فالتراجع ممكن دائما. وهو ينوي المضي قدما رغم أن ذلك “سيكون صعبا”. سيكتشف بايدن قريبًا بالتفصيل الوضع الذي ترك فيه ترامب الملف الإيراني. قبل أسبوع من مقابلته، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، قام كوماندوز يفترض أنه إسرائيلي بقتل علي محسن فخري زاده، الذي قُدِّم على أنه المشرف الرئيسي على البحث النووي العسكري الإيراني. لم يتطرق بايدن في حواره لهذا الحدث. لكنه يعلم بأنه قبل خمسة أيام من جريمة القتل، التقى مايك بومبيو – وزير خارجية دونالد ترامب – برجله القوي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في المملكة العربية السعودية، إلى جانب بنيامين نتنياهو. وقد تم الكشف على الفور عن هذا اللقاء “السري”…

بتنفيذه هذا الاغتيال يكون نتنياهو إما قد أراد أن يُظهر لبايدن بأنه يظل مصمماً على تقويض أية مفاوضات مع إيران، وإما أن إسرائيل تصرفت بناءً على طلب صريح من ترامب. وفي الحالتين، فالقصد من هذا الفعل ليس فقط إظهار للإيرانيين بأن إسرائيل قادرة على ضرب قادتها الأكثر حماية، بل تتمثل الغاية أكثر في إحداث فوضى بهدف تخريب السياسة الإيرانية التي يرغب الرئيس الأمريكي الجديد في تطويرها. وإذا بقي بايدن صامتًا بشأن جريمة القتل هذه فإن العديد من مقربيه كانوا جد قاسيين بخصوصها، إذ غرد بن رودس، نائب المستشار الأمني السابق لأوباما بأنه يرى في ذلك “عملًا شائنًا يهدف إلى تقويض دبلوماسية الإدارة الأمريكية القادمة تجاه إيران”. ووصفها مدير وكالة المخابرات المركزية السابق، جون برينان، بأنها “عمل من أعمال إرهاب الدولة”.

مناورات دونالد ترامب ###هل مازال بإمكان ترامب والمتواطئين معه من الإسرائيليين إحباط طموح بايدن الإيراني قبل تنصيبه في غضون أسبوعين؟ يبدو ذلك غير محتمل. فكما قال مارك فيتزباتريك، المسؤول السابق عن منع الانتشار النووي في وزارة الخارجية الأمريكية، “لم يكن سبب اغتيال فخري زاده إعاقة القدرة النووية الإيرانية، بل كان إعاقة دبلوماسية الإدارة القادمة”. لكن روبرت مالي، رئيس منظمة مجموعة الأزمات الدولية، لا يؤمن بفعالية هذه الطريقة ويرى أن ترامب ونتنياهو لن يتمكنا من “قتل الدبلوماسية”. وبالفعل، لم ترد إيران حتى الآن بعدوانية على مقتل عالمها. ومع ذلك، تبقى العودة إلى علاقة أكثر هدوءا بين الولايات المتحدة وإيران غير مؤكدة. لم يتخل الإسرائيليون والسعوديون وأنصار ترامب في الولايات المتحدة عن السعي لإحباط أي انفتاح من واشنطن تجاه طهران. فهم يعلمون أنه حتى في إيران أصبح الرئيس حسن روحاني، الذي دعا خلال أربع سنوات إلى ضبط النفس في مواجهة “مجنون” واشنطن، في حالة ضعف اليوم، وبأن بايدن سيواجه صعوبات مع رأيه العام بخصوص الرهان الإيراني. لكن فوز نائبين عن الحزب الديمقراطي في ولاية جورجيا في 6 يناير/كانون الثاني يعطي أغلبية لجو بايدن في مجلس الشيوخ، ما سيسهل عمله في عدة ملفات، ما عدا اللف الإيراني، إذ يبقى الكونغرس مناهضا لأي اتفاق نووي مع إيران.

من جهتهم، شرع المسؤولون الإيرانيون في الضغط على بايدن، إذ أعلنوا في 4 يناير/كانون الثاني عودة إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20% والذي فرض عليهم اتفاق 2015 التنازل عنه. وهي طريقة لإبصال الرسالة التالية: إن كانت واشنطن تنوي العودة إلى الاتفاق، فعليها تقديم تعهدات ملموسة. من جهة أخرى، من المقرر إجراء انتخابات رئاسية في إيران في 18 يونيو/حزيران 2021. وإن انتخب صاحب السلطة الرئيسية، مرشد الثورة علي خامنئي، مرشحًا معاديًا للمفاوضات، فإن محاولات جو بايدن لتحقيق اتفاق موسع مع طهران قد تسقط بسرعة. لكن هذا ليس رأي سید حسین موسویان. كان هذا الدبلوماسي الإيراني الكبير سابقا، المقرب من الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني (1989-1997)، متحدثا باسم الوفد الإيراني في المفاوضات الأولى مع الغرب من 2003 إلى 2005، وهو اليوم أستاذ في جامعة برينستون. موسویان مقتنع بعودة محافظ إلى الرئاسة في إيران في غضون أشهر قليلة، لكن هذا لن يضع حدًا لرغبة خامنئي، مهما كانت مخاوفه، في العودة إلى طاولة المفاوضات.

ويصل موسويان إلى تحديد ملامح محادثات واسعة النطاق قد ترضي جو بايدن… والإيرانيين. وقد كتب في موقع ميدل إيست آي أن طهران سترى ابتداءً من الأشهر الأولى للإدارة الجديدة للبيت الأبيض عودة حقيقية لشروط اتفاقية عام 2015، وبالتالي إلى رفع العقوبات. وبعد تحقيق هذه النقطة يمكن أن تركز بقية المفاوضات على الطلبات الأمريكية لتوسيع نطاق الاتفاقية. وفي هذه الحالة، وفقا للأخذ والعطاء، سيكون من اللياقة أن تقوم واشنطن أيضًا بمبادرة، قد يمثل شطب “الحرس الثوري” من قائمة التنظيمات الإرهابية إحداها. وتوقيف العقوبات الاسمية ضد القادة الإيرانيين أخراها.

ثم ستأتي، عاجلاً أم آجلاً، مسألة الصواريخ الباليستية. يريد الغربيون أن تكف طهران عن تجميعها. ويقول موسويان أنه بالنسبة لإيران، يتعين حل المشكلة من خلال “مقاربة متعددة الأطراف”. ويذكر بأن المملكة العربية السعودية تتوفر على العديد من الصواريخ الصينية التي يصل مداها إلى أكثر من 5000 كيلومتر، وبأن إسرائيل تمتلك مئات الرؤوس النووية ولديها 5000 صاروخ أريحا لحملها. وبالتالي ستتم دعوة هذين البلدين وغيرهما إلى مفاوضات متعددة الأطراف. باختصار، نقطة انطلاق الموقف الإيراني بسيطة. إذا تخلت إسرائيل والسعودية والقوى الإقليمية الأخرى أو حدت من عدد صواريخها، فستقوم طهران بعمل مماثل. وإذا رفضت، فلماذا تذعن إيران لذلك؟ مساحة الغربيين للتفاوض ليست منعدمة ولكنها ضعيفة. ولكن الحال كان مماثلا عند بداية المفاوضات النووية (التي استمرت قرابة 15 عامًا).

إعادة تقييم” العلاقة مع الرياض؟من المؤكد أن الرد السعودي والإسرائيلي على مثل هذا الطلب سيكون رفضًا غاضبًا. لكن من خلال القيام بذلك، سيحدث الإيرانيون ثغرة إضافية بين إدارة بايدن وحليفيها الإقليميين. وفي هذا الصدد، بدأت فجوة تظهر بمجرد فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، وهو فوز استقبله نتنياهو ومحمد بن سلمان بقليل من الحماس والدفء. منذ ذلك الحين، وكما كتب عاموس هاريل، المحلل العسكري في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، يتعمد نتنياهو “تسخين الأجواء مع اقتراب دخول بايدن إلى البيت الأبيض”. وقد قامت إسرائيل بموافقة من القاهرة بإرسال غواصة عبر قناة السويس باتجاه الخليج. وأكد نتنياهو أمام طلاب مدرسة الطيران العسكرية أن إسرائيل ستمنع في كل الظروف إيران من امتلاك أسلحة نووية.

يعتزم بايدن العودة دون مماطلة إلى أحكام ما يسمى “خطة العمل الشاملة المشتركة” التي تم التوقيع عليها مع إيران سنة 2015 من قبل الولايات المتحدة وخمس دول (فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، روسيا والصين) بشأن الحد والمراقبة الدولية للإنتاج الإيراني للمواد الانشطارية ذات الاستعمال العسكري.

أما بايدن، فهو ليس من المعجبين بالتحالف الذي أقامه ترامب في الشرق الأوسط والذي من خلاله انضمت مملكات الخليج (وكذلك مصر) إلى المحور الأمريكي-الإسرائيلي في جبهة معلنة مناهضة لإيران. وقد لمح إلى أنه بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض قد يطلب “إعادة تقييم” علاقته بالرياض. وبأنه سيطالب على الخصوص الكونغرس بإنهاء الدعم المالي للتدخل السعودي في حرب اليمن. أما بخصوص علاقته بإسرائيل، ووراء مظاهر الصداقة الراسخة، فإن بايدن الذي شاهد كيف أهان نتنياهو باراك أوباما بنجاح يدرك أنه إذا روج لاتفاق جديد مع إيران سيتعين عليه مواجهة عداء إسرائيلي ربما يكون أكبر من الذي واجهه أوباما. الإسرائيليون، بدءًا من الغالبية العظمى من طبقتهم السياسية، هم أيتام دونالد ترامب. وقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات الأمريكية أن اليهود الإسرائيليين يؤيدون ترامب بنسبة 77٪ (مقابل 22٪ فقط فضلوا بايدن). وبعد انتخاب بايدن، صرّح نتنياهو أنه “لا يمكن أن تكون أية عودة إلى الاتفاق النووي السابق” مع إيران. الفجوة صارخة من الوهلة الأولى.

إذا كان جو بايدن مصمماً على العودة إلى اتفاق مع طهران، يتعين عليه إذن مواجهة الإسرائيليين. أهو مستعد لذلك؟ ماذا سيقدم لهم، إذا اقتضى الأمر، لجعلهم يرضخون؟ يسجل بايدن نفسه ضمن تقليد كان فيه حزبه الديمقراطي تاريخيًا الأكثر تفضيلًا لإسرائيل في الولايات المتحدة، وذلك قبل تشكيل تحالف شبه انصهاري بين اليمين الجمهوري الأمريكي والراديكالي، سواء أكانوا من الإنجيليين أو القوميين، واليمين الإسرائيلي الاستعماري المتطرف، وكلاهما يعرف نموا قويا في بلديهما. حاول سلفاه الديمقراطيان بيل كلينتون وباراك أوباما حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن دون جدوى ولا يعود ذلك لقلة الجهد. وفي كلتا الحالتين، منعت إسرائيل أي اتفاق، برفضها قبول وجود دولة فلسطينية في جميع الأراضي التي احتلتها منذ حرب يونيو/حزيران 1967. وقد اختار الرئيسان الديمقراطيان في كل مرة عدم مواجهة الإسرائيليين. هل يستطيع بايدن أن يفهم بعد كل هذه الإخفاقات وبالنظر إلى استمرار سياسة الاستحواذ وتفكيك الأراضي الفلسطينية التي يقودها الإسرائيليون بشكل ممنهج، بأن “مفاوضات” بين شريكين غير متكافئين على جميع المستويات بشكل غير عادي وتؤدي إلى وجود دولتين “تعيشان بسلام جنباً إلى جنب” قد باتت سرابًا وهميًا؟ مجرد تعويذة (مانترا) ليس لها من مضمون سوى ضمان استمرار الوضع القائم، وبالتالي استمرار الاحتلال العسكري والاستعمار.

إنهاء احتلال فلسطين: هل يمكن لبايدن أن يفهم أن ما هو على المحك الآن ليس “السلام” بل إنهاء احتلال الفلسطينيين؟ أن يفهم أنه ليس لديهم سلاح آخر غير مجرد وجودهم، في حين أن الإسرائيليين، بسبب الإفلات المتراكم من العقاب، عالقون في عقلية استعمارية تمنعهم من التصور بأنفسهم أفقا آخَر غير استمرار هيمنة أبدية على شعب آخر؟ باختصار، هل بمقدور بايدن فهم بأنه لا يوجد سبب يدعو الإسرائيليين للانخراط بمفردهم في عملية توازن بين فكرة التسوية والمساواة في الحقوق والكرامة مع أولئك الذين يضطهدونهم؟ لكي يتم قبولهم بذلك، يتعين إجبارهم. ما عدا ذلك، فلن يتحركوا، بل سيواصلون تخريب كل اتفاق ممكن مدعين بأن الفلسطينيين لا يريدون السلام، مع الاستمرار يوميا في جز القليل مما تبقى لديهم من تقرير المصير. هل بايدن مدرك لهذا الواقع؟ هل هو مستعد لتغييره؟ يبدو ذلك غير محتمل جدا. لم تتوقف حاشيته، خلال حملته الانتخابية، عن تكرار بأنه لن يغير تحت أي ظرف في الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل (3.8 مليار دولار سنويًا من إمدادات مجانية بالأسلحة مرفوقة بإلغاء الديون). وقد كتب بيتر بينارت، الأخصائي في العلوم السياسية ومدير مجلة يهودية تقدمية: “إذا كان الأمر كذلك، فإن ذلك لا يعطي [لنتنياهو] سببًا يُذكر لإعادة النظر في سلوكه الحالي. […] إنه أمر مقلق. مخيف حتى.”

الإشارات التي أرسلها بايدن حتى الآن ليست مطمئنة كثيرا. صحيح أنه قال بأنه سيعيد فتح التمثيل الأمريكي لدى الفلسطينيين وتمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وكلاهما أغلقها ترامب، كما أعلن بأنه سيعيد مساهمة الولايات المتحدة إلى الأونروا، وكالة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة. لكنه رافع أيضا بالاحتفاظ بالسفارة الأمريكية في القدس. وفوق كل شيء، لم يكن يتحدث كثيرًا عن الموضوع الإسرائيلي-الفلسطيني. ولا بد من القول هنا بأن هذه المسالة تراجعت خلال عقد من الزمن بعدة درجات في أولويات السياسة الدولية الأمريكية.

اختيار غير جريء لوزارة الخارجية أخيرًا، بتعيينه لأنطوني بلينكن في وزارة الخارجية، كان من الصعب على بايدن أن يكون أكثر لطفًا مع الإسرائيليين. وقد صرحت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية السابقة لأرييل شارون، وهي من اليمين الوسط، بأنه الخيار “الأفضل” لإسرائيل. وقال دوري غولد، وهو منظّر من اليمين الاستعماري المقرب جدا من نتنياهو بأنه “مطمئن”. بعد بيل كلينتون الذي رفضه اليمين الإسرائيلي، وباراك أوباما الذي كانوا يكرهونه، هاهو جو بايدن، من خلال تسمية بلينكن، يبدو لهم أكثر تفهمًا. بلينكن لم يثن على نقل ترامب للسفارة الأمريكية إلى القدس فحسب، بل قال أيضًا إنه مؤيد “للحفاظ على اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج […] لدفع هذه الدول ليكونوا فاعلين مثمرين في جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية”. هذا “التطبيع” بين إسرائيل والأنظمة الملكية في المنطقة بُني، من بين أمور أخرى، على الفكرة الإسرائيلية جدا المتعلقة بـ“السلام الاقتصادي” مع الفلسطينيين، والذي يفترض أنه يقنعهم بالتخلي نهائيا عن أية مطالب سياسية.

على عكس جزء من الحزب الديمقراطي الذي أصبح يتحرر بشكل متزايد من “العلاقة الثابتة” مع إسرائيل، يجسد بلينكن موقفه التقليدي من القضية الإسرائيلية الفلسطينية. وهذا الموقف كان دائمًا مفيدا لأنصار الاستعمار ويضمن لهم الاستفادة من الإفلات من العقاب. في هذا الصدد ما انفك بلينكن، طوال الحملة الانتخابية لبايدن يؤكد مرارا وتكرارا في المنتديات اليهودية الأمريكية عن “التزامه الراسخ تجاه إسرائيل”. وأضاف أنه في حالة حدوث خلافات مع القادة الإسرائيليين، فإن بايدن “يؤمن بشدة بضرورة إبقاء الخلافات بين الأصدقاء خلف الأبواب المغلقة”. ليس بلينكن هو الذي سيعامل إسرائيل كما عامل دولة أخرى هي أيضاً “صديقة” الولايات المتحدة، أي المملكة العربية السعودية. ففي الوقت نفسه، أعلن بلينكن أيضًا: “سنراجع علاقتنا مع الحكومة السعودية التي منحها الرئيس ترامب صكًا على بياض لسياساتها الكارثية، بما في ذلك الحرب في اليمن، وكذلك مقتل جمال خاشقجي وقمع المنشقين في بلادها”

باختصار، بلينكن الذي لعب دورًا رائدًا في المرحلة النهائية لإعداد الاتفاقية النووية مع إيران في عام 2015، يعتقد أو يريد الإقناع بأن بإمكانه التوفيق بين إعادة الارتباط مع إيران والحفاظ على المصالح الإسرائيلية كما يراها الاسرائيليون ولجم محمد بن سلمان. بعبارة أخرى، فهو ينوي أولاً طمأنة الكونغرس الأمريكي (الداعم بلا شروط لإسرائيل والمعادي جدًا لطهران ولكن أيضًا للرياض). قد يتيح ذلك القيام بسياسة اتِّصال ولكن ليس بدبلوماسية متماسكة.

الصعوبة الرئيسية التي تواجهها إدارة بايدن هي أن التحالف الذي أقامه ترامب في الشرق الأوسط بين كل أولئك الذين يفكرون مثله “بلدي أولاً”، يبدو قائما على مصالح مشتركة قوية نسبيًا. تحالف يجمع دولة، إسرائيل، التي لديها الكثير مما تقدمه لأصدقائها الجدد بدءا من فتح العديد من الأبواب في واشنطن إلى توريد معدات متخصصة للغاية للمراقبة الإلكترونية للمواطنين، وأنظمة أظهر “الربيع العربي” الأخير مدى خشيتها من انتفاضة شعوبها. يبدو هذا التحالف أيضًا أكثر تماسكًا وأسهل للتجسيد من مشروع إعادة توازن القوى بين الأطراف في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، يرى تريتا بارسي، محلل إيراني يعيش في الولايات المتحدة (وهو رئيس سابق للمجلس الوطني الإيراني-الأمريكي)، بأن أمام بايدن خمسة أشهر فقط، إلى غاية الانتخابات في إيران، لتطهير العلاقة الأمريكية الإيرانية من الإرث الذي خلفه ترامب. فإذا تخلى عن ذلك، أو إذا تعثرت المحادثات، كما يقول، فإن هذه العلاقة “ستعرف تدهورا خطيرا مما يزيد بشكل كبير في احتمال نشوب حرب”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here