عقود خارقة للأعراف والقوانين.. شركات النفط الأجنبية تُكرم العمالة الأجنبية وتذل العراقيين

لم يجنِ أبناء محافظة البصرة من خيرات أرضهم سوى الدمار والخراب والتهجير والامراض ‏السرطانية التي تسببها انبعاثات الغازات من الحقول النفطية المحيطة بمدينتهم، والتي تستحوذ على العمل فيها شركات أجنبية متخصصة، أحكمت قبضتها عليها، عبر جولات التراخيص، المثيرة للجدل.

ولم ينل العامل العراقي من عقود تلك الشركات سوى الاستغلال والتمييز؛ فالعامل الاجنبي يتقاضى أضعاف ما يتقاضاه العامل العراقي من اصحاب الاختصاص والعمل المماثل.

يقول عماد سلمان محسن ـ عامل بصري في احدى الشركات النفطية ـ انه في ظل تفشي البطالة يضطر العاطل لأن يشتغل دون أي شرط أو ضمان.

ويضيف محسن، ان قضية الأجور هي من المشاكل العالقة بين العمالة ‏العراقية والشركات النفطية، مبينا أن “‏العامل الفني العراقي يتسلم مبلغ 1000 دولار بينما يتقاضى الاجنبي ما لا يقل عن 4000 دولار شهريا”‏‎.‎ كذلك فإن ساعات العمل، تختلف هي الاخرى بحسب محسن، إذ تصل الى 12ساعة يوميا ولمدة ستة ايام في الاسبوع، كما لا يملك العامل العراقي عقد عمل قانونيا.

ويشير العامل البصري الى أن شركة (م. ص) الاجنبية ترغم العمالة المحلية على توقيع إقرار شخصي بانه في حالة تخلي الشركة عن خدماته، فلا تترتب على ذلك أية ضمانات أو حقوق قانونية.

وتمنح تلك العقود المجحفة بحق العراقيين، العامل المحلي 22 يوم إجازة في السنة، على ان يستفيد منها بشكل متفرق خلال العام، بينما تمنح العمالة الأجنبية في الشركة 30 يوميا كإجازة لكل شهرين عمل، كما تتحمل الشركة تكاليف أجور السفر الى بلده، بالاضافة الى السكن والطعام. وحين اعترض حيدر فاضل العقابي، عامل آخر، الى جانب زملائه من العمال العراقيين على تفاوت تلك الاجور، بررت الشركة بان للعراقيين ضمانا ‏اجتماعيا، بحسب قوله. ويقول العقابي، ان تلك الشركة تستقطع من اجورهم ما يقارب 25 دولارا عن الوجبة الواحدة من الطعام، والتي هي لا تساوي ‏‏3 دولارات. كذلك تستقطع 100 دولار كأجور نقل، وهي لا تكلف 25 دولارا شهريا، و200 دولار عن تجهيزات معدات السلامة من ‏حذاء وبدلة عمل ونظارة وقفازات وخوذة. وهذه جميعها بحسب حيدر لا تعادل قيمتها 50 دولارا. وتؤكد العقابي، أن نظام عمل الشركة يوفر جميع تلك الأمور مجاناً للعامل الاجنبي، الى جانب صرف بدل ‏خطورة. ويذكر أحد العاملين، ان العمالة العراقية أكثر كفاءة من الأجنبية، مشيرا الى أن أغلب الخبراء الأجانب الذين تستقدمهم هذه الشركات بمرتبات عالية جداً، يعتمدون ‏على الخبرات العراقية المتواجدة في هذه الشركات، التي تتقاضى ربع ما يتقاضاه الأجنبي. ‏

ومنذ العام 2015 تراقب جمعية أمين للإغاثة والتنمية، عمل جولات التراخيص، لتحديد الأضرار التي تلحقها بالمناطق ‏والمواطنين.

وتقول مديرة الجمعية، صفاء أمين، ان “الشركات النفطية تجاوزت حدود العقود معها بسبب عمليات الاستخراج ‏التي لا توفر أية شروط للسلامة في المناطق المحيطة بها، وكذلك تجاوزت الحدود في تعاملها مع ‏العامل العراقي”.‏

وتعد المناطق القريبة في شمالي البصرة وقضاء الزبير الاكثر تأثرا وضررا من عملية استخراج النفط، إذ تعاني تفشي امراض ‏السرطان، كما أثرت انبعاثات تلك الحقول كثيراً ‏على واقع الزراعة وتربية الحيوانات في تلك المناطق.‏ وتؤشر أمين، تنصل هذه الشركات من واجباتها الانسانية تجاه ابناء تلك المدن، كما أنها وعدت في وقت سابق بأنها “ستبني مراكز للكشف المبكر عن الامراض التي تسببها هذه الغازات”.‏

يقول عباس كاظم رباط، رئيس المرصد العراقي لحقوق العمال والموظفين، ان “الأجور المتفق عليها بين الشركات والعامل العراقي مخالفة لشروط العمالة، كونها متفاوتة بين العامل الأجنبي والعامل العراقي”، مشيرا الى ان “العامل الأجنبي تلتزم ‏الشركة بعقد قانوني معه. اما العامل العراقي فترفض اغلب الشركات اطلاعه على العقد، او في ‏بعض الحالات التي سجلناها بالرصد انهم يهددون العامل اما بالتوقيع او الاستغناء عنه”.

ويضيف ان “العامل يضطر لتوقيع العقد برغم الظلم لكنه مجبر على ذلك”.

ووفقا للحقوقي ستار الصالحي، فإن العقود الموقعة مع الشركات ‏الأجنبية تلزم العراق قانوناً ان لا يتدخل بعمل وسياسة هذه الشركات، “لذلك من الصعب علينا ‏محاسبتها بخصوص الأجور والعمالة العراقية وهناك قضايا وصلت حتى لهيئة النزاهة”، بحسب تأكيد الصالحي، لكنها لم تجد حلا مناسبا. ويؤشر الصالحي على تلك الشركات أيضا مخالفة نصوص العمل العراقية، مذكرا بأنه “وفق قانون العمل العراقي المعتمد فان ساعات العمل اليومي لا تتجاوز 8 ساعات، وتدفع أجور إضافية ساعتين لكل ساعة عمل ‏بعد الدوام الرسمي”، مردفا “الا ان هذه الشركات تجاوزت القانون من خلال الطرق الملتوية لتنفذ ‏مآربها التجارية وتذل العامل العراقي الذي لا حول ولا قوة له”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here