فساد الاخلاق وضياع الضمير وموت الشرف سبب الفساد

فساد الاخلاق وضياع الضمير وموت الشرف سبب الفساد

جسار صالح المفتي

يقول الله تعالى فى سورة القلم ((وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى? خُلُقٍ عَظِيمٍ ))ويقول رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام (( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً))ويقول أيضا (( ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخُلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيّ )) رواه الترمذي.

وهذا إن دلَّ على شي‏ء فإنما يدل على أن الأخلاق الكريمة هي الهدف الأسمى من الرسالات السماوية .. لقد جاء المبعوثون بكثير من هذه الأخلاق وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارمها .. وإذا كانت مكارم الأخلاق هدف الأنبياء فمعنى ذلك أن تكامل الإنسان هو الهدف الأسمى من خلقه و لا يكون إلاَّ بواسطة التحلّي بهذه الأخلاق ،والذى جعلنى بعد أن إستيقظت من نومى اليوم أن أكتب فى هذا هو ما أرهه داخل المجتمع من أمور كثيرة غير أخلاقية ، انتشر فيها الغش والتدليس والخداع والنفاق والكذب والتضليل والإستغلال وانعدام الأمانة بين الناس، وانعدمت كذلك الثقة بين أفراد المجتمع الواحد، وأصبحنا بالفعل نعيش عصراً زادت فيه القدرة على قلب الحقائق، وجعل الجهل علماً والعلم جهلاً والمعروف منكراً والمنكر معروفاً والحق باطلاً والباطل حقاً، أصبحنا نعيش زمن يعتريه موت الضمير وانهيار القيم والمبادئ الرفيعة،وكأنهم لا يعلمون إن من أهم المبادئ السامية التي دعا إليها الإسلام وشدد عليها بقوة التحلي بمكارم الأخلاق التي تكسبه احترامه لنفسه و احترام ومحبة الآخرين له .

والفساد الأخلاقي يكون أكثر وضوحا في المجتمعات لكونه يرتبط بالحريات الخاصة وتصرفات الافراد ويتمثَّل بمجمل الإنحرافات الأخلاقية المتعلقة بالسلوك الفردي في إطار المعاملات ، وانتهاكه للقوانين الشرعية والأخلاقية التي يدين بها المجتمع يتجلى ذلك في القيام بأعمال مخلة بالآداب ومخجل ،أو التعرض للحريات العامةوانتهاك الحرمات، وكثيرا ما ينتشر في الأوساط التي تعاني من ضعف الوازع الديني ، مما يؤثر إجتماعيا وسياسيا على المجتمعات ،والمقصود به ارتكاب واحدة أو أكثر من جرائم الكذب والخيانة والتزوير والسرقة والقتل وانتهاك حقوق الناس وأعراضهم ، وتوجيه المجتمع باتجاه الفساد والإنحلال الأخلاقي وغيره، فمن المسؤول عن الفساد الأخلاقي !!؟،أول مسؤول عن الفساد الأخلاقي هو الأسرة: باعتبارها الحجر الأساس والدعامة القوية والمعهد والمدرسة الأم التي يتلقى فيها الإنسان التربية الحسنة ويتعرف من خلالها على الجيد والسيء والصالح والطالح والواجب والممنوع والمسموح والمرفوض وغير ذلك من الأمور، لكنها قد تصبح سببا رئيسيا في ضياع هذا الإنسان عندما يغيب عنها الوازع الديني وتنعدم فيها شروط الإحساس بالمسؤولية والأمن والسلام داخل الأسرة والمجتمع ، باعتبار الأسرة مجتمع صغير يهيؤنا للتعامل والتعايش في المجتمع الكبير،و معاشرة أصدقاء السوء .

والتي قد يلجأ إليها الإنسان اليائس أو الذي يشعر بنقص داخل الأسرة أو إضطهاد أو خلل تربوي ، وذلك إما بحثا عن الدفء والأمان اللذين افتقدهما أو هروبا من المشاكل التي يعجز عن حلها ، فيحاول نسيانها رفقة أصدقاء اختارهم بمحض إرادته ودون تفكير في العواقب ،ومشاهدة القنوات الفضائية الهابضة التي أغلبها مشاهد هاومغرياتها تخل بالمبادئ والأخلاق الفاضلة وتنسي الإنسان تعاليم الدين الإسلامي ، وتفقده احترامه وكرامته ، وتبعده عن طريق الحق والفضيلة، والفساد الأخلاقي هو أساس فساد الحكم والإدارة في المجتمعات ،و هو أساس كل المتناقضات في كل المجالات ،ووهو أساس تفشي الفقر والمجاعة،والفساد الأخلاقي يعني فقدان كافة القيم والمبادئ الأخلاقية ، هو ظاهرة خطيرة جداً تلقي بظلالها على الأفراد والدولة والمجتمع ، وهو أسوأ اشكال الفساد لأنه قد يكون بامكاننا إصلاح الفساد الاداري بإ جراء بعض التعديلات في الأنظمة والقوانين ومساءلة ومعاقبة وإبعاد عناصر الفساد الإدارى، ولكن ليس من السهل إصلاح الفساد الأخلاقي ، لذا فإن للأخلاق دور كبير في تغيير الواقع إلى الأفضل وتطويره ، هذا التطوّر الذي يعني المحافظة على السوكيات والاخلاقيات في التعامل وليس التخلي عنها في سبيل تحيق الأهداف التي نرغبها ،وإنالأخلاق الحسنة هو أعظم ما تعتز به الأمم وتمتاز عن غيرها ، والأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها ، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها وتلفت الأنظار لها ويتحير أعداؤها فيها .

وبقدر ما تنحط أخلاقها وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم ، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره ، وكم ذلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق .

إذا شاعت في المجتمع الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة والعدل والنصح أمن الناس وحفظت الحقوق وقويت أواصر المحبة بين أفراد المجتمع وقلت الرذيلة وزادت الفضيلة وقويت شوكة الإسلام ، وإذا شاعت الأخلاق السيئة من الكذب والخيانة والظلم والغش فسد المجتمع واختل الأمن وضاعت الحقوق وانتشرت القطيعة بين أفراد المجتمع وضعفت الشريعة في نفوس أهلها وانقلبت الموازين ،فهذا أول فساد أخلاقي يريده منا اليهود فالفساد الإداري والمالي والفساد السياسي والفساد ديني كله ينبع من الأخلاق فالأخلاق هي المنبع أو الحاضنه ،نغم قد رفعنا رؤوسنا بين العالم بجهود رجال الأمن في مكافحة الإرهاب والإرهابيين في بلادنا، وأملنا أن نرفع رؤوسنا كذلك بدورهم الفاعل في وقاية مجتمعنا من جرائم الانحلال الأخلاقي ومكافحتها، إذ إن الاعتداء على الآمنين وترويعهم وهتك حرماتهم وأعراضهم وإهدار دمائهم هو جامع الإرهاب، وإن لم يكافح رجال الأمن تلك الجرائم ويحمون المجتمع من شرورها فمن لنا بعد الله غيرهم في مكافحة جرائم الانحلال الأخلاقي.وعلينا أن نثبت قولا وعملا أننا مجتمع يزكى الفضائل ويحارب الرذائل تحت مظلة شعور عام بأن الناس جميعا أمام القانون سواء وأن القيمة الحقيقية للفرد هى عمله وعطاؤه وأن هناك خطا فاصلا بين الحلال والحرام لأن ذلك هو السبيل الأمثل لحماية القيم الرفيعة التى تسد الطريق أمام حيل المعيبين و شريحة الوشاة والدساسين ونقول أن الفساد والإنهيار الإخلاقى الذى ضرب المجتمع من كافة جوانبه هو المعوق الأساسى لكل النواحى فى المجتمعات وهو الذى يأكل الأخضر واليابس .

والواقع الذي لا يُجادل حوله عاقل أن جوهر الفساد هو فساد الأخلاق، وأن سوء الإدارة مجرد مظهر لخراب الضمائر وضعف الوازع الديني وانحطاط الأخلاق.

إنَّ الأنظمة الإدارية في جميع أنحاء العالم وضِعت لتحقيق الصلاح ومحاربة الفساد – على اختلاف في قوة ووضوح تلك الأنظمة – لكنها بلا استثناء – تجرم الفساد، ولكن حين تسوء النية يستطيع الفاسدون التحايل على الأنظمة بطرق مختلفة، والتعاون فيما بينهم على تحقيق مفاسدهم بشكل يصعب الوصول إليه بالدليل، خاصة أنهم يُكوِّنون (شبكة فساد) تتبادل المعلومات وتتعاون على طمس أدلة الإدانة.

الإدارة عمل، والأخلاق نيّة، والنية تسبق العمل وتكيفه (وإنما الأعمال بالنيات) وبالتالي فإن كل أنواع الفساد في القطاع العام والخاص إنما تعود في أصلها إلى فساد الأخلاق وخراب الضمائر وضعف الوازع الديني هنا تتوجه النوايا للحصول على الرشاوي والمكاسب غير المشروعة وتُبنى على ذلك مسارات العمل بما يتوافق مظهرياً مع الأنظمة، ويتوصل فاسدو الأخلاق لتحقيق مصالحهم الشخصية عبر شبكة رهيبة من الفاسدين خُلقياً فيهم من يخطط ومن ينفذ حتى إن أصغر المستفيدين من الفساد يُسمَّى (البيز) وهو الذي يقبض (الرشوة) ليقدمها للفاسدين الكبار الذين احتموا به من حرارة النار الدنيوية مقابل نصيب زهيد.

الاختلاس من المال العام أو الخاص (بما في ذلك أموال المساهمين في الشركات) والغش والتدليس والتحايل بكل صوره، كل ذلك إنما يعود للفساد الأخلاقي فهو الأصل والسبب والجوهر وما الفساد الإداري إلا مجرد مظهر ونتيجة، فالمصاب بالسرطان علته الحقيقية هي السرطان نفسه أما شحوب وجهه ونحول جسمه وفقر دمه وضعف قوته فهي مجرد أعراض لمرض السرطان الخطير.. وفساد الأخلاق أخطر من السرطان.

بدونه تنتكس الكثير من القيم والاخلاقيات، وهو احد اسس تميز الانسان عن غيره من المخلوقات، وهو كلمة حق حيث يجب ان ينصر المظلوم، وهو من يحدو بنا ان وجد ان لا يغرنا بريق ولا يربكنا تهديد، وجوده في جوفنا يجعلنا لا ننثني امام الباطل مهما بلغ بأسه، بدونه يتحول البشر الى اشبه بالحجر الاصم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، انه (الضمير) وما ادراك ما الضمير؟

ينطق الضمير فيدلي برأي او وجهة نظر وماوراء هذا الفعل هو شعور انساني باطني بمثابة المراقب على سلوكيات الانسان ومتحكم بها، يفترض ان يكون مسير الحياة فبعدم وجوده يعني موت انسانية الانسان وهذا ما لا يمكن تعويضه، إذ بفُقدانه، نفقد الميزان الداخلي الذي يميّز بين الخطأ والصواب.

اصحاب التحليل النفسي يقولون بعدم امكانية ان يكون الضمير مطاطي لأنه حين يكون كذلك فأنه يعكس خلل ما فيه وتظهر الشخصية الازدواجية في الافعال والاقوال على حد سواء، فندعوا الخير ونسلك جادة الشر، فالعربي على وجه الخصوص يبالغ في الدعوة الى التزام قيم الصدق والوفاء والايثار ومساعدة المحتاج ونصرة المظلوم كما يدعوا الى الايمان والتعايش مع المختلف ورفض الكراهية وماشاكل من ناحية، ومن ناحية اخرى يغلب على سلوكياته كلها او اغلبها الفساد والكذب والخيانة وتكفير المختلف والانانية والفوضى والنهب والتزوير والمحاباة والنفاق وسواها من الصور المظلمة العاكسة للجانب السيء للإنسان.

الضمير الانساني يعمل كضابط ايقاع لمكونات الشخصية او هو جهاز نفسي تقييمي يقوم بضبط “الأنا العليا” كي لا تضعف أمام الإغراءات الحياتية من نقود او مناصب او جاه او مكانة مجتمعية تغير بوصلة الانسان السليمة، كما انه يوقف “الهو” من الانجرار وراء اشباع الغرائز بحيونة ان جاز ان نطلق عليها، مثيلة الرغبة في اشباع الرغبات بأي ثمن كان واي طريقة كانت، فهو المتعقل بين طرفي النزاع.

إن سكن الضمير شخصيتنا سيمكننا من تمييز الخير من الشر ويرشدنا إلى العدل عن الظلم، ويبين لنا طريق الفضيلة عن الرذيلة، كما وجود الضمير الانساني يعني ان الاخلاق لا زالت تحكم المجتمع، والانسان لايزال يرفض زيف الاقنعة او الاستغناء عن الكيان البشري في عالم مسخت فيه اغلب معالم الانسان السوي وباتت الشكليات الناشزة هي الطافية على السطح.

بمضض نقول اننا نعيش زمناً انقلبت فيه الموازين، واغلب اناسه بلا ضمير ولا اخلاق وتسكت عن احقاق الحق، قد تتوارى عن فساد يستشري ويأكل المكان ويلتهم الادمية، وعمت الاعين عن ابصار الرذيلة، والضمائر غطاها العفن والفساد للمرحلة التي لم يعد يميز كيان الانسان من غيره، والفساد منتشر في جسدنا ويحتاج الى تداخل جراحي لاستئصاله او مضادات قد نستدرك بها ما يمكن علاجه.

وان تكون انسان ذو ضمير حي وقلب طاهر يحمل كل معاني الانسانية في زمن يعج بكل القبائح والصفات السلبية مع ضعف القانون الذاتي وحتى القانون الوضعي فانت صاحب شخصية قوية وارادة جبارة، على عكس من يتمتعون بنذالة تفوق الوصف والتصديق.

من البداهة بمكان ان يحمل الانسان نواة الضمير في داخله يدفعه الى قول كلمة الحق، في اوقات يحصل للضمير ان يدخل في سبات يحتاج من يوقظه او يذكره بما نسيه بفعل حدث معين او مغريات معينة.

حين يحكمنا الضمير يعني اننا لدينا القدرة على ادراك مسؤولياتنا وواجباتنا تجاه الناس وتغليب المصلحة بقول نحن وليس بقول انا، وهذه النحن هي الكفيلة بأن تحمل قضايا وهموم الناس في الافئدة والدفاع عنها او عدم التعدي عليها على اقل تقدير.

غياب الضمير الانساني له اثاره السلبية في الكثير من الصعد، فعلى الصعيد المهني يؤدي غيابه الى تغيب النزاهة في العمل والمصداق غياب الاستقامة والحرص على اداء المهام الموكلة اليه، فالكسل والتماهي ما هما إلا مزيج أعمى لغياب الضمير المهني.

على الصعيد الانساني غياب الضمير يعني غياب الانسانية، وبذا يتحول الانسان الى اشبه بالحيوان يقتل ويسرق في سبيل اشباع حاجاته التي يراها اساسية، فيكون الضمير ممارس لسلطة الفرد الداخلية التي تقف بوجه التبرير في ارتكاب الاخطاء او تخطي حواجز المحرم والممنوع.

على الصعيد القضائي يؤدي غياب الضمير الى غياب العدل وبالتالي اختلال العدالة او انهيارها، فمتى تهاوى القضاء تتهاوى معه اسس العدل ومعالمه، وحينها تحكمنا شريعة الغاب طالما لا يوجد من يردع او يعاقب، مما يؤدي الى الفلتان وغياب سلطة الحق.

على صعيد الامن فأن امن المواطن ينبثق من امن الوطن، ومن دون توافر الطمأنينة الامنية لا يسلم وطن ولايبقى مواطن، فالدولة هي من يفترض ان تصنع الامن وتحافظ عليه، فإذا كانت على رأس الملف ضمائر غائبة حتما ستكون النتيجة غياب الأمن واستشراء الإرهاب.

وعلى الصعيد السياسي يؤدي غياب الضمير او انحساره الى غياب التفكير في مصلحة الشعوب ويعم الفساد، حيث لا مصلح حقيقي والفاسدون كثر كما الحال في العراق الان حيث يحكمنا من لا يمتلكون ضميراً ولا مسؤولية ولا اخلاق، ولاعبي السياسة يتغذون على قوت الفقراء من الناس بدل ان يدعموه وينشطوه.

الخلاصة، ان غياب الضمير الانساني يضع العراقيل الكثيرة في سبيل سعادة الانسان، والحاجة الى اعادة تلك القوة الى النفس البشرية صار ضرورة كي تعود الى رشدها الذي لن يكون بعدم وجود الضمير، فما السبيل الى احضار الضمير ومحو اثار الغياب؟، ومتى سيحضر صوت الحق في الانسان؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here