فلسفة: ألا تعلم ان الانسان يجد لذة في (التفكير)

فلسفة: ألا تعلم ان الانسان يجد لذة في (التفكير) (*) د. رضا العطار

يتوهم الكثيرون انه لا بد من ان يكون (التفكير) بالضرورة حليف (الشقاء) ولكن الا تدلنا تجارب الفلاسفة على انه قد تكون ثمة (لذة) في (التفكير) نفسه ؟ – – – ان بعض دعاة التشاؤم يأبون الا ان يبالغوا في تصوير (شقاء) الانسان، فتراهم ينظرون الى (الفكر) نفسه على انه (علة) تتضافر مع (العلل الخارجية) للعمل على توفير اسباب الشقاء للانسان ! وحجة اصحاب هذا الرأي ان (الفكر) يزيد من احساس الانسان بعجزه وضعفه وقصوره خصوصا حينما يتحقق المرء من ان كل تأملاته العقلية لا تزيده الا شعورا بالقلق والحيرة والضلال !

الواقع ان العقل البشري حين يحاول استكناه اسرار الوجود وحين يعمد الى البحث عن معنى الحياة فانه كثيرا ما يجد نفسه بازاء الغاز ابدية هيهات لاي فكر متناه ان يفض اسرارها. ومن هنا فانه كثيرا ما يثوب من جولاته الفكرية خائبا وجلا وكأنما هو قد اصطدم بذلك (المجهول) الأزلي الذي لا بد بالضرورة من ان يظل متشحا بغلائل (اللامعقول)

ولكن اذا كان من شان (الفكر) ان يحار في سبيل الوصول الى (الحقيقة) فهل تكون هذه (الحيرة) نفسها الما لا بد من استئصاله او (شر) لا بد من التحامي عنه ؟ ألسنا نلاحظ ان بعض اهل الفكر قد يجدون في تلك (الحيرة) نفسها لذة روحية يتعلقون بها ويحرصون عليها ؟ بل الا تدلنا التجربة على ان عملية (البث) نفسها كثيرا ما تكون مبعث لذة كبرى لدى جماعات العلماء والمفكرين ؟ وهل كانت حياة الباحثين تتسم بالسعادة والهناء ؟

لقد كان الفيلسوف الالماني الكبير – لسنج – المتولد عام 1729 يقول :

( ان متعة الانسان لا تنحصر في امتلاكه للحقيقة وانما هي تنحصر في الجهد الذي يبذله من اجل العمل على بلوغها – – – ولا تنمو ملكات الانسان بامتلاك الحقيقة بل بالبحث عنها كما ان كماله المتزايد لا يتمثل الا في هذا المظهر وحده ، والحق ان امتلاك الانسان للشئ يميل به الى الركود والتكاسل والغرور – ولو ان الله وضع الحقائق كلها في يميني ووضع في يساري شوقنا المستمر اليها ثم خيرني، لسارعت الى اختيار ما في يساري قائلا له : رحماك يا رب فان الحق الخالص لك انت وحدك !

فانصار العقل يعلنون في وضوح وصراحة – ان السير على درب الحقيقة لذة عقلية كبرى تستعملها المخلوقات الناطقة التي تعرف انها لا بد من ان تظل (سالكة) دائما دون ان تتمكن يوما من ان تصبح (واصلة) بحق !

مقتبس من كتاب فلسفة مشكلة الحياة لزكريا ابراهيم جامعة القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here