بليغ حمدي يسمع الردات الحسينية في كربلاء

بليغ حمدي يسمع الردات الحسينية في كربلاء
سامر المشعل

الانشاد الديني الحسيني الذي يعرف بـ «الردات الحسينية» بات جزءا من الموروث النغمي العراقي، وطقوس العزاء الحسيني كان لها الاثر الواضح في اصطباغ الغناء العراقي بالوان الفجيعة والنحيب والالم، وكان لها الاثر البالغ في تعميق الحزن في الاغنية العراقية، اذ تميزت الاغنية العراقية عن سائر الاغاني العربية الاخرى بقوة الشجن والحزن الذي يغلفها، وهذه المضامين تتواشج مع الواقع العراقي المتخم بالقهر والظلم والاضطهاد، لذلك جاءت الاغنية العراقية كاحدى وسائل التعبير الانساني والعاطفي للانسان العراقي بصدق ونابعة من بيئتها وواقعها.

من الاسرار الجميلة التي كشفها لي الفنان سعدون جابر، أنه أثناء تعامله مع الملحن المصري الكبير بليغ حمدي في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، والذي تمخض عن تلحين اربع اغان من توقيعه، وصدرت على شكل البوم غنائي آنذاك.
جاء لقاؤهم الاول في احد البلدان العربية من قبيل المصادفة، وكان اللقاء الثاني في دولة الكويت وبعد أن استمع بليغ الى صوت سعدون، صار الاتفاق أن يحضر بليغ الى بغداد لاختيار الاغاني التي سيلحنها لسعدون، وفعلا بر بليغ بوعده وحضر الى بغداد.
وأثناء تواجده في بغداد، فاجأ بليغ حمدي الفنان سعدون جابر، عندما سأله: هل تصحبني لزيارة كربلاء؟.
اندهش جابر من سؤاله.. ورد عليه باستغراب: ماذا تفعل بكربلاء يا بليغ؟
قال : أستمع الى الردات الحسينية، فيها موسيقى روحية عظيمة.
كان بليغ شغوفا بالاستماع الى موسيقى الشعوب، حتى أنه في احدى المرات عندما كان في لندن، طلب من سعدون ايضا، الذهاب الى افريقيا، كي يستمعا عن كثب الى الايقاعات الموجودة في موسيقى الافارقة، فاستغرب جابر من رغبة هذا الموسيقار المجنون الذي يترك مباهج وجمال لندن ليذهب الى افريقيا، كي يستمع الى موسيقاهم.
بالفعل شد بليغ حمدي الرحال الى كربلاء ولم يستطع سعدون جابر الذهاب معه، بسبب التزاماته الفنية، وكان يرافقه في رحلته الفنان الكبير فاضل عواد، والاخير يمتلك عشقا للانشاد الديني والصوفي.
ظل بليغ في كربلاء لمدة يومين ثم عاد الى بغداد وهو سعيد بهذه التجربة، وعندما سأله جابر عن زيارته، اجابه بليغ وكان في قمة السعادة، وهو يحمل معه «مسجلا» صغيرا، قائلاً: «في هذا.. واشار الى المسجل كنز
 كبير».
نعم الانشاد الحسيني وطقوس العزاء التي تبلغ ذروتها في عاشوراء تراث فني ونغمي هائل، وهو يمتلك القدرة على العطاء المتجدد، وبحاجة الى أن يسلط الباحثون ونقاد الموسيقى كشافاتهم المعرفية في هوية الموروث الحسيني وتفرع مساراته النغمية
 والادائية.
الصباح
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here