حياتنا بين (الواقع) و (الممكن)

حياتنا بين (الواقع) و (الممكن) * د. رضا العطار

بحكم تجربتنا اليومية، تجري حياتنا بين (الواقع) و (الممكن) او بين (الواقعة) و (القيمة) او بين (الوجود) و(الوجوب) – – – ومهما زعم المرء لنفسه انه (واقعي) ومهما قذف العالم الاحسن بعالم الاحلام والاوهام، فإنه لا بد من ان يجد نفسه مضطرا الى استخدام

(حريته) بوصفها حلقة الاتصال بين عالم الذات – الانطولوجي – والعالم العام – ألاكسيولوجي –

حيث ان وجودنا هو ذلك (الوعي) الذي نحصله من حريتنا بوصفها فاعلة ناشطة ملتزمة، وهذا هو السبب في ان حريتنا تجد نفسها دائما في نقطة التلاقي بين (الواقع) و

(الحياة الافضل) وكأن عليها باستمرار ان تحيل الواقع الى ما هو افيد – – – صحيح ان الهدف الاسمى لا يمكن ان يكون هو (الواقع) ولكن من المؤكد ان (الهدف الاسمى) لا يوجد الا بوصفه امكانية (تقبل التحقيق) – – – ومن ثم فانه موجود.

بيد ان الذات حين تعمد الى تميز الواقع عن الهدف الاسمى فانها عندئذ تنظر الى الواقع على انه تعبير للماضي واستمرار ظروفه، بينما هو يرنو الى عالم المستقبل. والحق ان (الواقع) هو الذي يكمن في الزمان، لأن تحقيق اي شيء انما يعني حدوثه في الزمان.

اما (الهدف الاسمى) فانه امكانية تفتقر الى التحقيق. فهو بالتالي (قيمة) خارجة على كل زمان. ونحن حين نقول عن هذا (المثل الاعلى) انه لن يجد موضعا الا في عالم المستقبل.

ونحن حين نربط بين (الواقع) الماضي و (الهدف الاسمى) بالمستقبل، اذ نشير الى هذه الحقيقة الهامة الا وهي ان عملية تحويل المستقبل الى حاضر، لا تكاد تتحقق حتى تجد نفسها ازاء (مستقبل جديد). لا بد لها من ان تمارس نشاطها فيه – وهلم جرا

وحسبنا ان نعلم ان طموحاتنا نحو واقع احسن سوف لن تتحقق طالما ان (ذاتنا الواقعية)

لا تكافئ مطلقا (ذاتنا المثالية)

ولعل هذا هو السبب في اننا نشعر دائما بان في اعماق ذواتنا (موجودا ممكنا) هيهات له ان يصبح يوما (موجودا متحققا). ولو قدر لماهية اي فرد منا ان تتحقق بتمامها مرة واحدة والى الابد لفقدت حياته كل مذاقها، ولأصبح وجوده نفسه رتابة مأساوية مملة ! ولكننا لحسن الحظ نبحث دائما عن ذواتنا دون ان نجدها نهائيا ودون ان نملكها تماما

* مقتبس من كتاب مشكلات فلسفية لمؤلفه دكتور زكريا ابراهيم، جامعة القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here