رحلة الى عالم الأنسان !

رحلة الى عالم الأنسان ! * د. رضا العطار

انه لنموذج حضاري فريد من نوعه، ذلك ما اجتمعت عليه الألسنة في هذا الجمع الهائل من البشر الذين تفرقت بينهم الاجناس واللغات والعادات والاديان، لكن جمعتهم كلهم في غاية واحدة يصبون اليه الا وهي السعادة. التي اضحت بديهة لا اعتقد ان عاقلين يختلفان حولها – – – ولكن كيف السبيل للوصول الى السعادة ؟ كل الفلسفات والعقائد والنظم والاديان تدعي استهداف هذه الغاية والتاريخ الانساني حافل بالمآسي، وما زال حاضر الانسان يشكو من العلة نفسها، ان لم نقل ان التطور التكنولوجي قد فاقمها في ظل الانظمة الاجتماعية – الاقتصادية السائدة ، والتاريخ زاخر باستغلال الانسان للانسان واستغلال مجتمعات لمجتمعات اخرى ولكن الم يساعد تطور وسائل الانتاج والتطور التكنولوجي الراهن ؟

والتاريخ الانساني على قدمه مليء باخبار الحروب والنزعات وتصطبغ صفحات التاريخ كلها بلون الدم الاحمر القاني، ولكن ألم تزد التكنولوجيا الحديثة في مجال التدمير انهار الدماء سيلانا ؟ انها ازمة الحضارة الانسانية على مدى التاريخ التي لا اراها في عصرنا الحاضر الا ازدادت تفاقما .

فهل يستطيع الانسان ان يصل الى السعادة بمعزل عن المجتمع ؟ وهل الخلاص الفردي ممكن، وهل يجب ان نسلم باستحالة السعادة، فنزهد في الدنيا طمعا في (سعادة الاخرة) ؟

الناس يتخبطون في متاهات الحياة بحثا عنها وهي تبدو سرابا لا يدرك، اليس الافراد والجماعات في الحضارة السائدة يمعنون في الاستغلال وسياسة التعدي بحثا عن الثروة والسلطة كطريق مفترض للسعادة ودون جدوى ؟

فاسباب الاضطراب ما تزال ماثلة والمجتمعات تعاني في ظل الحضارة العالمية والنظام العالمي المعاصر ما لم تعانه المجتمعات من قبل، الخوف والقلق يسودان هذه المجتمعات ويعاني الانسان في ظل التكنولوجيا المعاصرة مزيدا من الخلل في الميزان بين المعارف الانسانية وادوات الانتاج من ناحية وبين الوضع الانساني من ناحية اخرى، ما يترك الافراد والمجتمعات يعانون قلقا يجعل عيادات الامراض النفسية والعقلية تغص بالمرضى، والمخفي اعظم.

هذا فضلا عن حالات عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي وخوف الحاكم من المحكوم وانتفاض المحكوم على الحاكم واضطهاد الاثنين معا بسبب الازمات الاقتصادية والاجتماعية في متاهات البحث عن سعادة الفرد والمجتمع – – – والمأساة الانسانية مستمرة ومتفاقمة. لقد كان افلاطون على حق حين قرر ان لا سعادة دون عدالة ولا سعادة مع التعدي. فالبحث عن السعادة خارج مجتمع الكفاية والعدل عبث صارخ.

ولا سعادة للفرد على حساب غيره او على حساب المجتمع.

المؤمنون بالاديان يبشرونك بسعادة الاخرة كي يعوضوا عليك ظلم الدنيا او يرهبونك من الاخرة كي يجنبوك فساد الدنيا. اما المؤمنون بالانسان فيقدمون لك نموذجا للدنيا يكسبك الدنيا الحياة الفضلى – – – اليست الحاجة والطمع مبعث اغلب الرذائل ؟ اليست الحاجة والطمع الذي نستثيره هي التي تدفع من لا يملك الى محاولة الاخذ ممن يملك ؟

ان الذين يملكون لا يخافون ممن لا يملكون، لأن النظام القائم هو الذي يتولى المحافظة على قوى القمع والكبت. اوليست اغلب القوانين والمحاكم والسجون مكرسة لحماية الملكية الخاصة ؟ – – – اليست الملكية الخاصة اذا ما جاوزت حد الحاجة تولد لدى الانسان جشع التملك ؟ والتي ينميها الى حد الجنون ؟ – – – ولو رجعنا الى شريعة الغاب، لما وجدنا الحيوان يكتنز اكثر من حاجته ! من هنا يمكن القول انه لا عدالة تساوي شريعة الغاب. ان نظام الملكية الخاصة في اساسه هو السبب لهذه الشرور.

الاديان تتوعد الاغنياء الذين يكنزون الذهب ويحرمون المحتاجين اليه بنار جهنم،

وتتوعد الفقراء الذين تدفعهم الحاجة لأرتكاب الاثام كذلك بجهنم. ان جميع هذه الاديان على حق، فالانسان باغنيائه وفقرائه الذي ارتضى نظام الملكية الخاصة والذي نجمت عنه كل هذه المآسي والشرور، هذا الانسان صنع بيده لنفسه جهنما يحرق نفسه فيها على الارض.

· مقتبس من كتاب الانسان والحضارة لمؤلفه عبد المجيد عبد الملك.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here