“ولولا دفع الناس بعضهم لبعض لفسدت الارض”

 ان الله سبحانه وتعالى لم يخلق الانسان عبثا فسخر له ما في الارض والسماء ورزقه وانعم عليه بالنعم التي لا تعد ولا تحصى ووهب له الحياة ومقومات العيش ومنحه حرية الاختيار في حياته الدنيا الفانية بين الخير والشر وسيجازيه على عمله في الاخرة الابدية الباقية. فعلى الرغم من نعمة حرية الاختيار لكن الله تعالى سيرجح الميزان لعباده الصالحين وينصر المؤمنين الصادقين في الدنيا.
لذلك خلق في هذه الارض مبدأ التدافع بين الناس والامم والقوميات والاديان. اذ ان من الصحيح ان الله رزق المؤمن والكافر بالخيرات وفرض المرض والموت على الطرفين. لكن العاقبة في نهاية الامر للمتقين في الدنيا رغم باس الكفار والظالمين والمنافقين. ان ارتد بعض المسلمين عن دينهم فان الله لا يسمح باستئصالهم جميعا وينصر دينه في نهاية المطاف. اذ سيبعث في قلوب فئة من المؤمنين الايمان الصادق والشجاعة والصمود والصبر على المكارة ليستخلفهم في الارض “ويريد الله ان يمن على الذين استضعفوا في الارض ويجعلهم ائمة ويجعلهم الوارثين”. بنفس الوقت خلق مبدا التدافع والصراع المهلك بين الامم الظالمة الاخرى. فجعل ملة الكفر والنفاق تتصارع وتتدافع فيما بينها وتتقاتل من اجل تكريس نفوذها بين الامم.
ان هذا التدافع هو الذي سمح للمسلمين الاوائل الانتصار على الروم والفرس بعد ان اضعف الصراع بينهما الطرفين. اذ قال الله تعالى في شان استخلاف المؤمنون الاوائل اية عظيمة تفصل ذلك التدافع من سورة الحج “الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز”.
نرى اليوم بان التاريخ يعيد نفسه. فقد وصل الامر بالشعوب العربية الاسلامية الوصول في تخلفها وتدهورها الى مهاوي الردى ليمحق الله الكافرين والمنافقين فيها. في الوقت الذي شغلت الحروب المصلحية والتجارية دول الكفار والملحدين والمستعمرين والظالمين. فبعضهم بات اليوم عدو البعض الاخر “تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى”. فكل قوة منهم تخون الاخرى وتعمل على اضعافها لتستحوذ على مكاسبها. فتبني مصالحها على حساب غيرها.
انها سنة الله في خلقه فمن اجل ان لا تفسد الارض بالاثم والشرك والظلم. فقد شغل الله اليوم امريكا وروسيا والصين واوربا العجوز فيما بينهم ليضعف بعضهم بعضها. سنة التدافع بين تلك الامم مع بعضها سيجعل هلاكها بيديها. فتدمر قواها الذاتية لتحقيق وعد الله. ان وعد الله هو ان بنصر القوى المؤمنة المسلمة العادلة. نرى باعيننا ان الله يصوغها وينشئها على يديه. انها قوى صالحة مصلحة في طور التمحيص. لتفرض نفسها قريبا جدا على النظام العالمي وتنشىء نظامها العادل الرحيم. انها هي التي سترث الارض ومن عليها قبل يوم القيامة “ان الارض يرثها عبادي الصالحون”.

د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here