المحطة رقم 9 الفرزة الأولى

المحطة رقم 9 الفرزة الأولى
سقطت حكومة البعث على يد المتحالِفَين العسكريين العقيد عبد السلام ورئيس وزرائه احمد حسن البكر
الذي تمت تنحيته من منصبه بعد أيام كرئيسٍ للوزراء وحلّ محله طاهر يحيى وصار البكر نائبًا له ثم
بعد ذلك تم تنحيته وأصبح سفيرًا ثم بعدها بقليل تمت احالته على التقاعد وأعلن براءته من حزب البعث
وأن يتفرغ الى مزرعته وقد قرأتُ براءتَهُ مع صورة له في المزرعة في مجلة المصور المصرية.
أمّا نحن الموقوفين فكان توقعنا هو صدورعفوٍعامٍّ عن المعتقلين لأن البيانات التي سمعناها في الموقف العام
في بغداد كان يُحمّلُ البعثيين كل ما حصل من جرائمٍ ومن سفكٍ للدماء وقد قرأتُ كُتيّبًا طبعته الحكومة العارفية
عن هذه الجرائم لكن الحقيقة لا شيء قد تغير في نظر الحكومة العارفية عن الموقوفين إلا ايقاف التحقيق من
جهاز الامن وما قرأتُهُ في الويكيبيديا عن حكومة عبد السلام من انفتاح وحرية فلا حـقـيقة له فهي كما يـقـول
مثلنا الشعبي [بقي الحمار وما تغير فيه إلّا البرذعة].
وقبل انقلاب عبد السلام في 18/ 11/ 1963 الذي اسماه بالثورة التصحيحية واسموه البعثيون برِدّة تشرين
أودُّ أن أذكر شيءً وهو استفحال الخلاف بين القاعدة الشعبية البعثية وهي من المدنيين وبين العسكريين وقيام
المدنيين بالحركة التي أعلنوها بأنها انتفاضة القاعدة على القمة يوم 13 تـشـرين مما دفعـت بالـقـائد المؤسس
ميشيل عفلق وبعض رجال القيادة القومية القُـدُوم الى العـراق لتـسوية الخـلاف والوصول بهم الى حَـلٍّ يُرضي
الأطراف لكن عبد السلام تَغدّى بهم قبل أن يتعـشـوا به فكان الأسرع بانقلابه/ يوم 18 تشرين ثاني/ وبه انهى
النزاع البعـثي البعـثي وأقام الحكم القومي الناصري وتَـغّـير الـشعار البعثي من/ وحده وحرية واشتراكيه/ الى
حرية ووحده واشتراكية /.
بقيتُ وكل المعتقلين الشيوعيين بعد انقلاب تشرين الثاني والى كانون أول وكذلك كانون ثاني وفي 12 شـباط /
1964 يأتي أمر إطلاق سراحي بكفالة.
وقد أخبرني المعلم نزار صعصع أنّه قرأ كتاب إطلاق سراحي زمن البعث حين أُستُدعي للمحاكمة في المحكمة
العسكرية الثانية ببغداد أثناء وجوده بدائرة الامن بالكوت وقـد استغرب وجودي موقوفًا بعـد تأجـيل محـاكمته
وعودته لـسـجن الكوت/ ففي نهار يوم 12 شباط قبل الظهر أُرسِلتُ الى مديرية الامن لغـرض إطلاق سـراحي
بكفالة فوجدتُ امامي عمي الحاج نوري وأتوقع ان صديقه مدير السجن أبا سعد الحديثي هو مَنْ أخبره بذلك.
دخل عمي الغرفة التي كان يشغلها المعاون شوكت وكان توقعي أنّهُ مازال فيها / دخل عمي وبعد دقائق خرج
منفعلاً وقال لي يريدون رشوة ونزل سُـلّـمْ المديرية وفي منتصفه يلتقي بالمهندس الزراعي خضير الـذي كان
بقاووش رقم 5 فعاد معه وتكفّله ولا أدري هل كانت الكفالة برشوة او بلا رشوة وخرج وقد تجاهلني.
وبعد نزول عمي بقيتُ ساهمًا أفكر مَنْ سيكون كفيلي وما هي الا ساعةً ويصعد لمديرية الامن انسان لم يخطر
على بالي من اقربائنا هو عدنان حنون الناصر فيلـتـقي وجههُ بوجهي فـتـقرب مني مسـتفسرًا ثم دخل الغرفة
وعاد لي فدخلنا سويةً فرأيتُ المفوض عبد الجبار السامرائي بديلاً عن المعاون شوكت.
وأول ما دخلتُ استقبلني بطلبه الاستفزازي/ اشتم الشيوعية / وهو أسلوب وضيع معروف قديمًا عند كل مَنْ
يعمل بهذه الدوائر القذرة فاستغربتُ الطلب لأن الموضوع هو كفالة فترددتُ عن الجواب فسألني كفيلي عدنان
/ ليش انت شيوعي/ فأجبتَهُ بالنفي فقال/ اذن اشتمها فشتمت وهنا رد المفوض عبد الجبار السامرائي قائلَا /
أنت شيوعي وتكذب اعرف هذا من عيونك ميزان الباطل/ عندها تدخل كفيلي وانتهى الموضوع بالرشوة وهي
تسوية مبلغ كان المفوض عبد الجبار مدينًا به لكفيلي لكني لم اعرف مقداره وتمت تسويته بينهما وتم إطلاق
سراحي بكفالته.
خرجتُ ومعي تبعيات أحملها هي دعـوتان كلتاهـما في المحكمة العسكرية الثانية التي يرأسـها شاكر مـدحـت
السعود / الأولى دعوى التظاهر والأخرى دعوى انتمائي للحزب الشيوعي مع وضعي تحت المراقبة /.
وعند خروجي من التوقيف كان قد مضى النصف الأول من السنة الدراسية 1963 / 1964 وبهـذا أكـون قـد
خسرتُ سنةً أخرى من عمري وما علَيَّ الا أن انتظر الى بداية السنة الدراسية 1964 / 1965.
وفي احدى سفراتي الى بغداد ونزولي في بيت خالتي وهو المكان المفضل عندي لوجود ابنيّ خالتي صديقا
الطفولة والصبا الحاج نصرت ومحمد وبعد ايام فاتحتني خالتي بالعمل في شركتهم / شركة الناصر لاستيراد
السيارات الروسية/ الفولكا و المسكوفج/ وفيها عَمِلتُ أربعة شهور وتعلمتُ الضرب على الة الطابعة لوحدي
باستعمال إصبعيّ السبابة الأيمن والايسر وما زلتُ أستعملهما الى الان وفي الشركة كسبتُ خبرةً وتعرفتُ على
ناسٍ آخرين يختلفون في علاقاتهم عن العلاقات الطلابية.
امضيتُ الأربعة أشهر في الشركة ثم جاء وقت الدراسة فراجعتُ إدارة المدرسة وكان مديرها هو نفس مديري
ونفس معاونه عند اعتقالي في 1963وهما الأستاذ صبيح مكي القومي الاتجاه الذي قابلتُهُ عند توقيفي
وتوقيفه في السجن في 1963 والأستاذ سعيد عباده وقد صار محاميًا في السبعينات حين قراتُ اسمه على
لوحة كانت امام داره في بغداد وبعد التحقيق والتدقيق في سجل الطلاب من قِبَله تم تسجيلي للسنة الدراسية
1964 / 1965 ولم تُحتسب سابقتها سنة رسوب لكنها اُحتسبت سنة ضياع من عمري.
******************************************************************
الدنمارك / كوبنهاجن السبت في 2 / تسرين أول / 2021
الحاج عطا الحاج يوسف منصور

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here